معضلة سعر صرف الريال
د. صالح السلطان
أسعار الصرف المعتاد على سماعها - مثل كون سعر صرف الريال = 3.75ريال لكل دولار أمريكي - لا تعكس فروقات مستوى الأسعار بين الدول، ولذا فهي أسعار صرف اسمية، أما أسعار الصرف الحقيقية فتعطي أسعار سلع وخدمات دولة مقارنة بأسعار سلع وخدمات دولة أو دول أخرى. مثلا سعر كيلو السكر من نوع كذا وفي تاريخ كذا بالريال هو: سبعة ريالات في السعودية، وخمسة ريالات في الهند، وعشرة ريالات في أمريكا... الخ.
هناك تعريف أو تصور آخر لسعر الصرف الحقيقي بأنه أسعار سلة تحوي كل السلع القابلة للتجارة دوليا، سواء كانت مستوردة أو مصدرة، محسوبة على أساس أسعار السلع والخدمات غير القابلة للتجارة دوليا. هذا التعريف يراه اقتصاديون أكثر فائدة عند رسم السياسات الاقتصادية، وخاصة في الدول المعتمدة على تصدير السلع الأولية، كالمملكة.
وفقا لنظرية القوة الشرائية Purchase Power Parity (PPP)، ينبغي السماح لسعر عملة بلد ما بالارتفاع عندما يقوى الطلب على صادرات تلك الدولة، والسماح لها بالانخفاض عندما يضعف سوق صادراتها (بافتراض وجود تجارة حرة). تبعا لهذه النظرية الاقتصادية، تعمل الضغوط لصالح رفع سعر الصرف الاسمي والحقيقي لعملات الدول النفطية (كالريال) إبان الطفرة النفطية. وتعمل على خفض سعر الصرف إبان الهبوط النفطي.
المشكلة أن النفط سلعة أولية تتميز بدورات حادة من الطلب والعرض وصعود وهبوط الأسعار - مثلا، مرت أسعار النفط، خلال العقود الثلاثة الماضية، بدورات من الارتفاع والانخفاض، بحيث وصلت ارتفاعا إلى نحو 40دولارا للبرميل، وانخفاضا إلى أقل من 10دولارات للبرميل.
تثبيت سعر الصرف إزاء عملة أو سلة عملات، مع وجود تلك الدورات الحادة في أسعار وإيرادات النفط، يجعل الاعتماد الشديد على إيرادات تصدير النفط يتسبب في وجود صعوبات ومتاعب كبيرة. كما هو محسوس بعضها في الطفرة الحالية.
كيف؟
عنددما تنخفض أسعار النفط (ومن ثم إيراداته، وهي بالدولار)، انخفاضا ملموسا، فإن سعر الصرف يبدو مرتفعا أكثر من اللازم، عكس ما نشعر به الآن. لكن يصعب على السلطات النقدية أو الحكومة خفض أسعار الصرف لتبعاته الكثيرة على الاقتصاد، منها غلاء الأسعار (التضخم)، دون نمو اقتصادي قوي، يخفف من أثر التضخم.
لكن عندما يشتد الطلب على الصادرات النفطية، مثلا، وتزيد إيراداته بصورة قوية، فإن الضغوط التي تقول بوقوعها النظرية الاقتصادية السابقة، تجد مسارا مسدودا في دفع أسعار الصرف (الاسمية) لترتفع، نظرا لتثبيت أسعار الصرف، ومن ثم تأخذ طريقها عبر التضخم. هذا في الأجل القصير، وهو ما أحس به الناس فعلا.
وهذا يعني ارتفاع سعر الصرف، أو ما يسمى بالمرض الهولندي Dutch disease، ويعني باختصار ارتفاع سعر الصرف الحقيقي، الناشئ من ارتفاع حاد في الدخل ذي المصدر الخارجي (كتبت عنه في عدد الاثنين 2007/5/28).
ضرر المرض الهولندي على الإنتاج (في حالة المملكة) يتركز في إضعاف القدرة التنافسية السعرية للاقتصاد، عبر الإضرار بنمو القطاعات المنتجة لسلع وخدمات ممكن استيرادها، نظرا لأنها قطاعات صغيرة أو وليدة. بعبارة أخرى، يعمل المرض على الإضرار بجهود تنويع مصادر الدخل، وترسيخ النمو الاقتصادي، وهما إستراتيجيتان مركزيتان للتنمية الاقتصادية في المملكة.
كما يعمل المرض في إحداث تأثيرات ضارة من جهة الإنفاق. الرواج السريع يؤدي إلى زيادة الدخل ومن ثم الإنفاق الاستهلاكي. ومن السهل أن يركز المرء على التأثيرات الآنية وقت طفرة إيرادات النفط، وينسى ما بعد الطفرة. عندما تنتهي الطفرة، يكون من الصعب على الناس التأقلم مع انخفاض الدخل، وتبدأ مشكلات اقتصادية في النشوء، كزيادة الديون وانخفاض الاستثمارات، وتدهور النمو الاقتصادي، وزيادة البطالة.
على المدى الأبعد، النفط مورد غير متجدد، حتى لو بقي عشرات السنين، فسيأتي وقت تجف فيه الآبار، ومن هنا تفهم أهمية استراتيجيات تنويع مصادر الدخل، وترسيخ النمو الاقتصادي.
خلال عقد التسعينات من القرن الميلادي السابق، الذي تعرضت فيه أسعار سلع أولية (ومنها النفط) للهبوط، تعرضت عملات عدد من الدول المصدرة لسلع أولية كروسيا واندونيسيا والأرجنتين ومكسيكو، تعرضت للانخفاض تحت الضغوطات - حسب النظرية الاقتصادية - ولكن من خلال ثمن باهظ تمثل في أزمات نقدية مؤلمة، وفقدان ثقة مستثمرين، وركود اقتصادي.
لم تتعرض المملكة لأزمة نقدية حادة خلال ذلك العقد، نظرا لصمود مؤسسة النقد في الدفاع عن سعر صرف الريال بالدولار (رغم أن الدولار تعرض للارتفاع إزاء العملات الرئيسية إبان حكم الرئيس كلنتون)، ولكن المملكة تعرضت لفترات من الركود الاقتصادي، وانخفاض شديد في الإنفاق الحكومي الاستثماري (انخفض من نحو ربع مخصصات الميزانية في مطلع الثمانينات من القرن الميلادي الماضي إلى نحو 7% في أواخر التسعينات)، وتبعا لذلك، قل تنفيذ مشاريع حكومية جديدة قلة شديدة.
هل من رأي لمشكلة التغير غير المرغوب فيه في أسعار الصرف الحقيقية؟
اقترح البروفسور فرانكل Frankel (أستاذ الاقتصاد في جامعة هارفارد، المتخصص في الاقتصاد الكلي والنقدي والمالية الدولية) نظام سعر صرف جديد، سمي ربط سعر الصادرات أو ربط السعر التصديري peg export price (PEP). وستكون موضع حديث مقالة مستقبلية إن شاء الله.
عن صحيفة الرياض السعودية
30 / 6 / 2007