شافي الوسعان
٢٠١٣/١/٢٠

استوقفني مقالُ أستاذِنا (قينان الغامدي) المعنون بـ»أيها الأمراء والوزراء والمسؤولون: طلبناكم.. اقطعوا دابر الشائعات.. قولوا: (تمّ)»، لا لأن (أبا عبدالله) أكثر من محاولةِ استنطاقِ المسؤولين من أجلِ إقناعِ الناسِ واحترامِ حقِهم في المعرفةِ أو حتى الدفاع عن أنفسِهم درءاً للشبهاتِ والاتهاماتِ والشائعات، لا سيما أنَّ هناك تعليمات من جهاتٍ عليا تقضي بضرورةِ الردِ على كلِ ما يُنشَر في وسائلِ الإعلامِ وأنَّ السكوتَ عنها بمثابةِ الإقرار بما تم نشرُه وتأكيد له، فإنَّي بعد محاولاتٍ للاستنطاقِ سابقةٍ مع وزارةِ التعليمِ العالي وغيرِها من الوزارات أذعنت إلى صوتٍ آتٍ من بعيد: (ولو نارٌ نفخت بها أضاءت… ولكن أنت تنفخُ في رمادِ)، وأيقنت أنَّ بعضَ الجهاتِ لا تَرُدُّ ليس لأنها لا تريدُ أن تَرُد بقدر ما أنها لا تملكُ الإجابة، وهي لا تلتزمُ الصمتَ عن حكمةٍ بقدرِ ما أنها خائفةٌ من (حرِّك تَبلَش)، لكنني على ثقةٍ تامةٍ أنها لو وَجَدت فيما يُكتَب ما يُجافي الحقيقةَ أو ما يُسيء إلى سمعتِها لما تردَدَت في الردِ والمقاضاة، أيضاً هي لا تجدُ نفسَها ملزمةً بالردِ، ما دام هذا القرار لا يختلفُ عن أي قرارٍ آخر؛ يُنسَى بمجردِ التوقيعِ عليه وإصدارِه.

لستُ أُريدُ في هذا المقالِ أن آتي بما لم يأتِ به (أبو عبدالله) ولا مناقشةَ الصمتِ الذي يمارسه بعضُ المسؤولين، بقدر ما استوقفتني نقطةٌ أُشيَر إليها في ثنايا المقال تتعلق بالأسعار، وأرى أنها جديرةٌ بالمناقشة، فكثيراً ما تُستَدعَى قضيةُ المقارنةِ بين الأسعار في كلِ مناسبةٍ تتم فيها زيادةُ الرواتبِ في أية دولة خليجية، أو المطالبةِ بزيادة الرواتبٍ هنا، وتُذكَر على سبيلِ الإيهامِ أنَّ أسعارَنا هي الأقل مقارنةً بما هي عليه في دولِ الخليجِ الأخرى، وبصراحة أشعرُ في بعضِ الأحيان أنَّ أبا عبدالله يتماوج بين المهنيةِ والقناعةِ الشخصية، فهو لم يعتد تكميم الأفواه وإخراس الألسن من جهة، ويُحزِنُه أنَّ ما يُكتَب في صحيفتِه لا يجدُ رداً من قبلِ الجهاتِ المعنيةِ من جهة أخرى، بل يُقابَل بالصمتِ التامِّ والتجاهلِ الغريبِ بما يشبه الإقرار، فتجده يسمح بتمريرِ الآراء المخالفةِ لرأيه مهما بدت شاذةً، ومناقشةِ كلِ الأفكارِ التي يرغب الكتَّاب بمناقشتها، فإن رأى في ذلك مبالغةً أو تجنياً من أحد ولم تجد رداً حاولَ أن يَرُدَ هو بنفسِه، وتلك لعمري أقصى درجاتِ المهنية والأخلاق، لكنه على ما يبدو -هذه المرة- كان متفائلاً أكثرَ مما يجب عندما قال: (تدخل السوبرماركت وتملأ «العربة» بما لذَّ وطاب، وما لا تحتاج، وما توجهه مباشرة إلى صناديق «الزبالة» بخمسمائة أو ألف ريال، بينما شقيقك «الخليجي» وليس العربي ولا الإسلامي -دع الأوروبي والأمريكي الآن- يدفع ضعف أو أضعاف ما تدفع، ألست متجنياً على واقعك؟).

الواقعُ أنَّ هذا القولَ فيه دفاع جميل لكنَّه ليس واقعياً، وكثيراً ما تُستخدَم مثلُ هذه الأعذارِ في تبرير عدمِ زيادةِ الرواتب، أو الردِّ على من يحاول مقارنةَ رواتبِ السعوديين بغيرِهم من مواطني دولِ الخليجِ الأخرى، بدعوى ارتفاعِ الأسعارِ في تلك الدولِ مقارنةً بما هي عليه في السعودية، وأنا بصراحة أثقُ في كلِ ما يكتبه (أبو عبدالله)، وأجدني أتقاطع معه في نقاط كثيرة، لكنَّ ذلك لا يعني أني سأتفقُ معه في كلِ شيء، ففي قضية الأسعار وقفت حائراً بين ما أسمعه منه وبين ما أراه على أرضِ الواقعِ فقررت الاحتكام إلى صاحبنا المتنبي: (خُذْ ما تَراهُ وَدَعْ شَيْئا سمِعْتَ بهِ)، وقلت في نفسي لعله يتحدث عن الأسعار السياحية، لأنه عند إجراء المقارنة بين أسعار السلع الأساسية في الكويت على سبيل المثال بما هي عليه في السعودية، يتضح أن الأسعار في السعودية تزيد بمقدار الضعفين والثلاثة والأربعة عمَّا هي عليه في الكويت، حيث إنها مدعومةٌ من الدولةِ هناك، وبإمكان المواطنِ الحصولُ عليها بأقلِ الأسعار، حتى أنَّ الأسرةَ المكونةَ من عشرةِ أفرادٍ يمكنُها الحصولُ على معيشتِها الشهريةِ بما لا يزيدُ عن الخمسين ديناراً (650) ريالاً، مع العلم أن الدولةَ تفرضُ علاواتٍ اجتماعية لجميع الموظفين (الكويتيين وغير الكويتيين) بواقع خمسين ديناراً لكلِ مولودٍ وبما لا يزيد عن السبعةِ أفراد، إضافةً إلى امتيازاتٍ أخرى تحصل عليها المطلقاتُ والمتزوجاتُ من غيرِ الكويتيين، فضلاً على أنَّ هناك جمعيةَ حمايةِ مستهلكٍ حقيقية.