الإسلام اليوم/ الرياض

يعتبر ملف الفقر في السعودية من الملفات التي تشهد جدلاً كبيرًا في السنوات الأخيرة، ففي حين تؤكد بعض التصريحات الرسميّة القضاء على حالات الفقر في المملكة، تتواتر أخبار على الجانب الآخر مؤكّدة هي الأخرى تزايد حالات الفقر فيها في مناطق متفرّقة منها، وما بين مبالغات التهويل ومغالبات التهوين؛ يظل الفقر واقعًا حقيقيًّا يرسم لوحات سريالية على جدران حالات سعودية.

غياب للأرقام

وما يزيد في حدة الجدل حول وجود هذه الحالات من عدمها هو غياب الأرقام الرسميّة التي توضح الخط الذي يُعدّ عنده المواطن فقيرًا، لكن هذا لم يمنع دراسة اجتماعيّة وُضعت قبل ثلاث سنوات تقريبًا وتناقلتها عدة صحف ومواقع إلكترونيّة بينت أن الحد الفاصل للوصول لمستوى الكفاف للمواطن السعودي يبلغ (1660) ريالاً شهريًّا، فيما يبلغ خط الفقر (1120) ريالاً، وذلك من غير حساب كلفة السكن.
وأقر واضع الدراسة الدكتور راشد بن سعد الباز -أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميّة- في كلمة تصديريّة للدراسة "أنه من الصعوبة الوصول إلى تحديد دقيق لمستوى الفقر في السعوديّة؛ لارتباطه بعدد من العوامل الاجتماعيّة والاقتصاديّة والصحيّة والبيئيّة، ولكن هناك معايير ومعادلات كميّة كثيرة لحساب مستوى الفقر في بعض المجتمعات تتصف بعضها بالتعقيد، وتعتمد على بيانات ومؤشرات اقتصاديّة كثيرة، والتي من أهمها الاعتماد على متوسط دخل الفرد".
وأوضح الدكتور راشد الباز: "وجدت أن هناك ما يمكن تسميته بـ"مستويات الدخول الاقتصاديّة المحتاجة إلى دعم"؛ إذ تمّ وضع مستويين هما: مستوى "خط الكفاف" ومستوى "خط الفقر"، اعتمادًا على عدد من المؤشرات واتّباع عدد من الخطوات، والتي تتمثل في:
الخطوة الأولى: تحديد متوسط الدخل السنوي للفرد في السعودية، وقد تم اتّباع عدد من الإجراءات في ذلك وهي: استخدام متوسط الدخل السنوي للفرد في السعوديّة، كما جاء في تقرير البنك الدولي لعام 2002، وهو (7.230) دولارًا أي ما يعادل (27112) ريالاً سنويًّا أي (2260) ريالاً شهريًّا، كما تم استخدام الوسيط الحسابي لسلم رواتب الوظائف المدنيّة في الدولة بأنواعها الأربعة، وذلك بعد خصم نسبة 9% للتقاعد وإضافة بدل النقل، وتم استخدام ذلك نظرًا لأنّ معظم القوى العاملة في السعودية تعمل في القطاع العام، والأربع فئات هي: سلم رواتب الموظفين (تم استبعاد مراتب الوظائف العليا من المرتبة الثالثة عشرة فما فوق)، وبلغ الوسيط لهذه الفئة (5662) ريالاً. سلّم رواتب الوظائف التعليمية، وبلغ الوسيط لهذه الفئة (6934) ريالاً. سلم رواتب المستخدمين، وبلغ الوسيط لهذه الفئة (2083) ريالاً، سلم رواتب المعينين على بند الأجور، وبلغ الوسيط لهذه الفئة (2500) ريال.

رقص على جلود الفقراء

من جهته أكّد الأكاديمي والكاتب الصحفي د. علي الموسى الجدليّة التي يتسم بها أي نقاش يتصل بموضوع الفقر في المملكة حين قال: ما يجعل موضوع الفقر مثيرًا لدينا هو أن نشاهد هذه الطبقيّة الهائلة بين مليارات الجسد البرجوازي ومنتفع طفراتنا المختلفة وبين هؤلاء الذين يشكوهم الفقر في نسائمهم وهم يشتكون. لكن هذا لا يغفل أن مصطلح الفقر حتميّة إنسانيّة وثقافة عولميّة لا تفرّق بين مجتمع وآخر؛ إذ إنني كنت في السويد ذلك البلد الذي يصنف بأنه من أغنى بلدان العالم وشاهدت أولئك الذين ينامون على الأرصفة، ويقتاتون من سلة المهملات.
ويواصل الموسى حديثه قائلاً: في بعض الأحيان تساهم اتكاليّة وظروف الفقير على بقائه في دائرة الفقر مثلما يساهم المجتمع بشقيه الرسمي والاجتماعي في استفحال هذه الدائرة. من المعيب تمامًا أن تبلغ حجم التحويلات للعمالة الوافدة في العام الواحد ما يقرب من مئة وخمسة مليارات ريال، بينما نسبة كبرى من مواطنينا يعيشون تحت هامش الفقر، بعض الفقر وليد شرعي لبعض القوانين، وبعضها غائب؛ لأن هذه القوانين مائيّة هلاميّة، وبعضها لأن الهوامير والأغنياء يرقصون على جلود الفقراء على عزف تلك القوانين.
تحديد حد أدنى للأجور يتم من خلاله رؤية خط الفقر الذي نسمع به ولا نراه؟ أجاب: هذا ليس رأي علي الموسى بل هو قرار ملكي سيادي؛ ولكن من هو الذي يناور كي لا تكون هذه القوانين فعلاً شرعيًّا قائمًا. بالمناسبة فإن عملية إحصائيّة بسيطة تبرهن أن الزكاة وحدها كافية لدفن الفقر لدينا إلى الأبد. سؤالي: من هو الذي أسقط هذا الفرض الإلهي العظيم بينما تعجّ المساجد بالمصلين وكأننا نأخذ من هذا الدين كل ما كان لا يحتاج إلى جهد وبذل وضريبة.

سنة من سنن الله

من جهته اعتبر عضو مجلس الشورى السعودي د. طلال بكري وجود الفقر في المملكة سنة من سنن الله في خلقه حين قال: الفقر موجود في كل مكان وفي كل أنحاء العالم، وهو سنة من سنن الله في خلقه، حيث فضل بعضهم على بعض؛ فالفقر في أصله ليس عيبًا وهو موجود في كل مكان، لكن هذا لا يمنع وجود أسباب مسببة لهذا الفقر مثل الأسباب التي يساهم فيها الفقير بنفسه كأن تعترضه موانع تحول بينه وبين مسبّبات الرزق في وقتنا الحاضر مثل عدم استطاعته مواصلة الدراسة، الأمر الذي لا يستطيع بموجبه في بعض الأحيان الحصول على دخل جيد يؤمن له الحصول على ضروريّات الحياة، مثل هذه الحالات هي حالات موجودة في مجتمعنا، وفي رأيي أنه يتم علاج مثل الحالات عن طريق أحد مكاتب الضمان الاجتماعي المنتشرة في طول البلاد وعرضها، والتي في اعتقادي تغطي نسبة كبيرة من حالات الفقر في المملكة، صحيح أنه تبقى هناك حالات فقر لا يمكن القضاء عليها إلاّ أنها لا تمثل ظاهرة كبيرة ومنتشرة كما يصوّر لنا البعض، حينما يهول مشكلة الفقر لدينا في المملكة؛ إذ إنني لست مع هذا التوجّه في تضخيم الأمور.
ويضيف بكري قائلاً: بالنسبة للرواتب هناك توجّه حكومي نحو تحديد حدّ أدنى لرواتب الموظفين في القطاع العام والقطاع الخاص وهذه خطوة جيدة، إلاّ أننا ينبغي علينا ألاّ ننسى أن ظروف الحياة متغيرة، فما كان حدًّا أدنى في الأمس لا يعني بالضرورة أن يكون متناسبًا مع الحدّ الأدنى في الغد، الأمر الذي سيعرضنا لإشكاليّات كثيرة بين الحين والآخر تتمثل في صعوبة إيجاد خط فقر ثابت؛ نظرًا لأن هذا الخط خط نسبي لا يمكن الاعتماد على صحة الأرقام التي يوردها؛ بسبب المتغيّرات الاقتصاديّة التي تحدث في كل يوم، أما بخصوص مكاتب الضمان الاجتماعي فأرى أنها تغطي نسبة كبيرة من حالات الفقر في المملكة من خلال حزمة إجراءات جديدة مثل ذلك الإجراء الذي رفع العدد المستحق للضمان الاجتماعي للأسرة الواحدة من ثمانية أفراد إلى (15) فردًا، بمثل هذه المؤسّسات وهذه الجهود يمكننا مواجهة الفقر لدينا هنا في المملكة، أقول مواجهة وليس القضاء على الفقر؛ لأن حكمة الله في خلقه قضت بأن يكون الفقير فقيرًا والغني غنيًّا.

أرقام هائلة

إلاّ أن الأكاديمي والناشط الاجتماعي د. عبدالله الخراشي اعتبر عدد الفقراء هائلاً في المملكة من خلال اعتماده على الأرقام المقدمة من مكاتب الضمان الاجتماعي التي تتحدث عن (760) ألف حالة ضمانيّة ما بين أفراد وأسر، مع إغفاله للحالات التي لم تنطبق عليها شروط الضمان الاجتماعي وحالات التعفّف التي لا يسأل أصحابها الناس إلحافًا؛ ويضيف الخراشي قائلاً: لا أظن أن أحدًا يسره أو يفرحه أن يزداد عدد الفقراء في المملكة؛ لكن لا بد من وقفة حازمة لمعالجة هذه المشكلة.
كما أشار الخراشي إلى التجاذبات التي تخضع لها مشكلة الفقر في المملكة بين الموقف الشعبي المهول لهذه المشكلة، والموقف الرسمي المهون لها، ولتحقيق التوازن بين هذين الموقفين أكّد الخراشي على الإحصائيّات الدقيقة التي من الممكن تحقيقها، خاصة بعد التعداد السكاني الأخير الذي يعطي لنا تصورًا مساعدًا عن عدد السكان وحالتهم المعيشيّة، الأمر الذي يتيح لنا كيفيّة التعاطي مع هذه المشكلة.
وأضاف: علينا عدم الاكتفاء ببعض التصريحات التطمينيّة التي تظهر بين حين وآخر مثل تلك التي أطلقها وزير الشؤون الاجتماعيّة د. يوسف العثيمين، والتي أشارت إلى أن عدد الفقراء في المملكة لا يتجاوز الـ (3) ملايين فقير في المملكة؛ إذ إن العدد الحقيقي لفقرائنا يتجاوز هذا العدد، فالاعتراف بمشكلة الفقر لدينا ليس عيبًا؛ لكن العيب التقاعس في حلّها؛ فالإرادة السياسيّة والإمكانات الماديّة المتاحة والنزعة الخيريّة عند الناس كلها عوامل كفيلة لحل هكذا مشكلة، بشرط أن تجد التفاعل الحقيقي لدى الجهات التنفيذيّة لحل هذه المشكلة المزمنة في ظل وجود تقارير غير دقيقة وجهود مبعثرة.
حد أدنى للأجور يمكن من خلاله رؤية خط الفقر؟ يجيب الخراشي: خط الفقر في نظري خط نسبي يتفاوت من زمن إلى آخر ومن مكان إلى مكان، ومن بيئة إلى أخرى، لذا لا بد أن يكون هذا الخط متناسبًا مع الوضع المعيشي المتغير، والمتأثر بالتذبذب الاقتصادي السائد، مختتمًا حديثه بتساؤل عن المانع الذي يحول بيننا وبين أن يكون هناك خط للفقر يتحدث ويتغيّر باستمرار.

شاهد على الجدل

هذه الجدليّة يشهد لها مقيم من الجنسيّة الأمريكيّة في العاصمة السعوديّة الرياض حينما أسس موقعًا على الشبكة العنكبوتيّة لرصد حالات الفقر والبؤس في المملكة، من خلال بعض التقارير التي يوردها، مرفقة ببعض الصور، إلاّ أنك تفاجأ بحجب هذا الموقع في دلالة على خط أحمر يغطي بعض الأحيان خط الفقر الذي نحاول أن نراه.

الفقر بالصوت والصورة

أثناء إعداد هذا التقرير بثّت وسائل التقنيّة الحديثة وبالأخص موقع "يوتيوب" حلقة جديدة من حلقات برنامج يناقش أبرز الظواهر الاجتماعيّة التي تثير جدلاً بين المواطنين تحت مسمى "ملعوب علينا" من إعداد عبدالله الكاتب وتقديم فراس بقنة ناقشت فيها قضايا الفقر من خلال استعراضها لبعض مظاهر الفقر في حي من أحياء مدينة الرياض، وتضمنت الحلقة بعضًا من الإحصائيّات التي لم يتم التثبّت من مدى صدقيّتها حيث ذكرت أولى الإحصائيّات التي وردت في الحلقة، وتمّ تسجيلها في عام 2009 ذكرت أن 22% من سكان المملكة فقراء، فيما تناولت الإحصائية الثانية التي تمّ تسجيلها في العام 2010 مشكلة الإسكان حين أشارت إلى أن 70% من السعوديّين لا يمتلكون منازل.
الإحصائيّة الثالثة تطرّقت لعدد المليارديّين في السعودية حين حدّدت عددهم بـ (11) مليارديرًا، تبلغ ثرواتهم مجتمعة (227) مليار ريال، وتبلغ زكاتهم السنوية أكثر من (5) مليارات ريال، وهذه الإحصائية تمّ تسجيلها في عام 2011، في حين حدّدت إحصائيّة رابعة المبلغ الذي جمعته مصلحة الزكاة والدخل خلال (9) أشهر من عام 2011 بـ (16) مليار ريال.
خامس الإحصائيّات التي سجلت في العام 2009 أشارت إلى أن 89% من العاملين السعوديّين مقترضين، في حين حدّدت آخر الإحصائيّات المبالغ التي قامت المملكة العربيّة السعوديّة بالتبرع بها لعدد من الدول الإفريقيّة والآسيويّة النامية بـ (283) مليار ريال، وتمّ تسجيل هذه الإحصائيّة في عام 2009.
كما تطرّقت الحلقة لموضوع الإعانات التي يقدمها الضمان الاجتماعي حينما استضاف البرنامج ربّة منزل تُكنّى بـ"أم فتحي" أشارت إلى عدم كفاية الإعانة التي يقدمها مكتب الضمان الاجتماعي على الرغم من أنها لا تزال في منتصف الشهر الأمر الذي يجعلها تحت رحمة تبرّعات أهل الخير.
الجدير بالذكر أن عددًا من المواقع الإخباريّة ومواقع التواصل الاجتماعي كـ "تويتر" و "فيس بوك" أفادت بأنه تمّ إيقاف القائمين على هذا العمل من قبل الجهات الأمنيّة.
http://www.islamtoday.net/nawafeth/artshow-46-161628.htmhttp://www.islamtoday.net/nawafeth/artshow-46-161628.htm

_________________________________________________

اذا كان الدكتور راشد بن سعد الباز قام بحساب سلم الرواتب لكي يخرج بمتوسط الدخل فكم موظف في القطاع العام بالنسبة للشعب لا شيء بالكاد يصل إلى مليون موظف وموظفة

والبقية كيف سوف تحسب لهم متوسط الدخل

لحساب مستوى الفقر , ليس بالحسابات والأرقام ولكن الخروج والوقوف عليها على الطبيعة ورؤية المُحتاجين

الفقر واضح ولا يحتاج لدراسات وبيحوث وكأننا نبي نبحث عنهم في كوكب آخر

المشكلة ليست في هذا بل هل فعلا هناك من يهتم لأمرهم ويعمل فعلا مخلصا لتقديم يد العون

هذا هو السؤال