تنظيم العمالة السائبة
الإثنين, 12 ديسيمبر 2011
جمال بنون
إذا كنت تسير في أحد الشوارع السعودية، سترى أنماطاً من الصور الاجتماعية المتنوعة المختلفة، تستطيع أن تحكم وتقيم من خلال مشاهدتك كيف هي حال الناس، وإلى أين تتجه سوق العمل؟ ولن تستغرق وقتاً طويلاً حتى تكون استنتجت تصنيف جنسيات العمالة. من محال الخبز والبقالات والحلاقة والصيدليات والمكتبات والمغاسل والمطاعم والسباكة والنجارة وبيع الملابس الجاهزة والمشاغل والمكتبات وكل الأنشطة التجارية... ستكتشف أنهم جميعهم من جنسيات متنوعة، إنما لن تجد سعودياً واحداًَ في كل تلك المحال، ولن تجد السعودي في أي مكان إلا فقط إمام مسجد، أو حارس أمن، وأمام مكاتب الجوازات والمحاكم، وإدارة الأحوال المدنية، ومكاتب العمل، وربما في مكاتب الخدمات العامة. وقليلون يعملون في المكاتب والمؤسسات.
الشارع السعودي لا يزال يحمل المفاجآت، فهو معيار طبيعة المجتمع، بعد كل هؤلاء ستكتشف أن في الشارع السعودي عمالة لا تنتمي إلى أي جهة حكومية، فهم ليس لهم كفيل، أو يحملون هوية نظامية، يمارسون أنشطتهم التجارية وأعمالهم بكل يسر وسهولة من دون أي ملاحقة من الجهات الحكومية أو الأمنية، وتسمع من حين إلى آخر عن القبض على هؤلاء نتيجة مداهمات لإدارة الجوازات، وكثير منهم يُفرج عنهم بعد أن يدفعوا مبالغ في مقابل الإفراج عنهم، هؤلاء تجدهم في الشارع يغسلون السيارات، في حلقة الخضار، يبيعون الخضار والفواكه على عربات، عمالة تمتهن كل الوظائف «سباكة، نجارة، حدادة، ميكانيكا، مدرسون خصوصيون، سائقو حافلات مدارس، نقل طالبات»، وفي أماكن أخرى، هذه العمالة لديها القدرة على العمل في المجالات كافة، إنما الشيء الوحيد الذي يتخوف منه الناس هو كيف أن هذه العمالة غير نظامية ولا تحمل أي هوية، وتتنقل من وظيفة إلى أخرى من دون أي معوقات. يشكلون مشكلات اجتماعية وأمنية ويسهمون في اضطراب سوق العمل. في تقرير صدر قبل عامين إشار إلى أن 91 في المئة من جرائم العمالة الوافدة تتركز في الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة وجازان، وغالبية الجناة «أميّون» ومهنهم لا يحتاجها المجتمع.
قبل أسابيع جمعتني مناسبة اقتصادية للقاء مهندس جيولوجي، وصاحب شركات عدة متخصصة في مجال الهندسة والعمارة والمقاولات، وكان تنبأ قبل 25 عاماً بأن مشروع الصرف الصحي في جدة لن ينتهي قبل عشرة أعوام، وهذا التصريح كان أغضب مسؤولي المياه حينها عندما قالوا إن المشروع سينتهي خلال ستة أشهر.
لدى المهندس فكرة مشروع اقتصادي يساعد في التخلص من العمالة المقيمة بطريقة غير نظامية، وأيضاً يضبط سوق العمل، وأن دراسة المشروع سيتم رفعها إلى الجهات الحكومية لأخذ مرئياتها وموافقتها، وفي حال الموافقة فإنه سينعكس إيجاباً على سوق العمل، وهو: إنشاء شركة لتشغيل العمالة وتصحيح أوضاعها، والمشروع - كما حدثني عنه المهندس - يهدف إلى تصحيح أوضاع الموجودين في السعودية كافة بطريقة غير نظامية، من الجنسيات كافة، الذين يهربون ويركضون ويختفون حينما يجدون سيارات الشرطة أو الجوازات، وذلك بمنحهم إقامات تحت كفالة الشركة، وحالياً في السوق نحو مليونين من العمالة رجالاً ونساءً يوجدون بطريقة غير نظامية، ويشكلون خطراً اجتماعياًَ وأمنياً واقتصادياً وهدراً اقتصادياً، فلا يمكن لجهاز مثل الجوازات أن يلاحقهم أو يتابعهم، ولا يمكن للشرطة متابعتهم، لهذا يظلون مصدر قلق للمجتمع، لهذا فإن تصحيح أوضاعهم سيجعلهم قادرين على العمل، في مقابل إغلاق باب الاستقدام من الخارج لمهن تتوافر عمالتها في الداخل، ويقول المهندس إن الشركة في مقابل موافقة الجهات الحكومية على تصحيح أوضاعهم ستصنف المهن والوظائف لعرضها على الشركات، فيما ستقدم لهم رواتب وتأمين طبي وفرص عمل جيدة، وقبل كل هذا توفير الأمن للمجتمع من حال الرعب في حال انفلاتهم بطريقة غير نظامية.
شركات الاستقدام غمرت السوق بعمالة متدنية، لكن هذه الشركة ستتولى ضبط سوق العمل، وما داموا يحملون هويات رسمية، يمكن تأجيرهم للشركات والمؤسسات وأعمال المقاولات والصيانة وعمل قاعدة معلومات للوظائف والمهن والحرف، وهذه الطريقة ستسهم في التخلص من العمالة السائبة ووضعهم تحت مظلة القانون، بما يريح الجهات الأمنية والحكومية في التعامل معهم، كما أن هذه الشركة ستتولى الالتزامات المتعلقة بتهيئتهم لسوق العمل كافة، وليس العمالة المتدنية الخبرة. فكرة المهندس، في ما لو استكملت دراستها، خصوصاً بموافقة الجهات الحكومية - ومنها الجوازات - وآلية تنفيذها، ستكون تجربة جديدة في معالجة الخلل، إذ جربنا طرقاً عدة، ومع ذلك لم تنجح؛ فما المانع أن تتاح لها الفرصة، لعلها تريحنا من الصور السلبية الموجودة في شارع العمل السعودي، وتعيد تنظيمه، وتوقف هدر المال.
اقترح على وزارة العمل، وجهات أخرى مثل وزارة الداخلية والجوازات ووزارة التجارة، أن تنظر إلى الفكرة على أنها مشروع لمعالجة الخلل، تحتاج إضافة أو تعديلاً، ولا مانع من التجربة، فالشارع مهيأ للعودة للفوضى من جديد في حال فشل المشروع.
===============================
جريدة الحياة