ذكاء تجار الدواجن يُضاعِف ثرواتهم
لا أعلم لماذا أسمع دائماً عن "زيادة الأسعار"، ولا أسمع منذ فترة ليست بالبسيطة عن "نقص سعر" سلعة واحدة على أقل تقدير؟!!
ذهبت - كعادتي الأسبوعية - لأشتري بعض الأغراض التي يحتاج إليها منزلي؛ فلاحظت الفَرْق في العديد من المنتجات الضرورية للمواطن "البسيط".
وما أدهشني هو أسعار الدواجن التي تزيد كل يوم، حتى أنني أجزم بأن الدجاجة ذات حجم "700 جم" ستصل للمائة ريال قريباً، هذا إن أرضت جيوب تجار الدواجن، بناء على الزيادة المطردة التي أبت أن تقف عند حد معيَّن، بعد أن سُلِّـم الجَمَل بما حَمَل لشركات الدواجن، التي تحكمت في أسعار الدواجن كيفما شاءت، بعد قرار منع بيع الدجاج الحي!
وسيصبح الحديث عن "الله على ذيك الأيام" إبان بيع الدجاج الحي بـ7 ريالات وبـ8 قريباً على أنها من الماضي الجميل، وأعتقد أنها ستكون من القصص القصيرة التي سيبدع الكُتّاب في كتابتها؛ لتُقَصَّ لأبنائنا؛ حتى لا يضيع هذا التراث "السمين". وقد يقرر المواطن أن ينضم للنباتيين قريباً، وتتغير عاداتنا الغذائية من التفنن في طهي الكبسات إلى التفنن في أكل الخسات!!
ما أبهرني في الموضوع هو ذكاء تجار الدواجن الخارق؛ ذلك أنه بعد أن كانت تُباع الدجاجة كاملة "بشحمها ولحمها وبطنها وظهرها وريشها ومنقارها" بالمبلغ نفسه، تفننوا - رعاهم الله - في تقسيم الدجاجة على "مزاجهم"، وفصَّلوها حتى تناسب جيوبهم التي لا تكل ولا تمل من جمع الأموال، ولو حصرت ثروة أحدهم لوجدتها بعد قرار منع بيع الدجاج الحي قد تضاعفت ونمت على حساب "ظهر المواطن الغلبان"، وبفضل بيع الدجاج بتجزئة التجزئة! حسنـاً، آمنت بأن منع بيع الدجاج الحي لمصلحة الوطن، ولكن أليس من مصلحة المواطن أن تُباع الدجاجة كاملة كما كان ذلك قبل قرار المنع!؟ أم أن هناك ما يخفى عن الجميع، ويظهر فقط لمتخذي القرار!
إحدى الشركات التي فتح لها القرار أبواب الكنوز جميعاً غلَّفت دجاجها بغلاف فاخر، وما إن تفتحه حتى تتلذذ برائحة تجعلك تراجع نفسك مرات ومرات قبل أن تفكر في طهيها، أو حتى لمسها!
أما الشركة الأخرى - وهي من أكبر شركات الدواجن لدينا - فقد أبهرني أنها تسابق الزمن، وتواكب التطور، لدرجة أنها "تذبح وتسلخ وتغلف وتوزع وتطبع تاريخ الغد على الدجاجة"؛ فتُفاجأ بأنك اشتريت دجاجة قبل ذبحها بيوم! على الرغم من أن مزارعها تبعد عن منطقتي نحو 500 كلم "ولله درها من شركة!!؟".
مَنْ الذي يراقب هذه الشركات وهي تذبح الدواجن!؟ ومَنْ
الذي يستطيع أن يعطي ضمانـاً واحداً فقط بأن الدجاج الميت لا يُباع لنا!؟ هل وزارة التجارة التي لا تستطيع تغطية حي واحد من أحياء الرياض بالمراقبين الحاليين تستطيع فعل ذلك!؟ أم أن البلديات التي لا همّ لها سوى "هدم رصيف وبناء آخر مكانه" هي المسؤولة عن مراقبة مزارع الدواجن!؟
قرأتُ تحقيقـاً صحفياً قديماً في صحيفة الجزيرة مع مدير إحدى مزارع الدواجن؛ فأعجبني مقطع بسيط له حين سُئل عن الأفضلية الاقتصادية في تجارة الدواجن فقال:
"وبالنسبة للأفضلية الاقتصادية في تجارة الدواجن بين المجمدة والحية فإن الأفضلية شيء نسبي للمستهلك الدور الأكبر في تحديده.. ولكن بالنسبة للشركات الكبيرة التي تمتلك الإمكانيات ربما كان المبرد والمجمَّد أفضل؛ لأنه يوفر تكاليف إضافية كان من الممكن أن تذهب مقابل تأخر التسويق؛ وبالتالي زيادة في تكاليف الإنتاج؛ فنقل الدواجن الحية بالطبع تصاحبه الكثير من حالات النفوق التي تتأثر زيادة ونقصاناً بظروف البيئة والنقل، وتُعتبر خسارة أي طائر عند عمر التسويق (على بُعد خطوة من المستهلك) خسارة كبيرة جداً؛ فقد صُرفت مقابل ذلك مصاريف وإمكانيات ووقت وجهد كان من الحكمة أن يكون من ورائها عائد، وهذا حق مشروع للمنتج..". انتهى!
هم يحسبونها بالثانية، بل بالطائر الواحد، ولو عدت قليلاً للفائدة الاقتصادية فبلا شك أن أبيع الدجاجة كاملة بمبلغ 8 ريالات لا يُقارن ببيعها الحالي بما متوسطه "14 ريالاً للدجاجة الواحدة"! أضف إلى ذلك أن الأحشاء تُباع كل على حدة، وإنني أتوقع قريباً أن تجار الدواجن سيجدون مخرجاً تجارياً لمنقار الدجاجة في محال الذهب؛ لما ستصل إليه أسعار الدواجن إن استمر الحال على ما هو عليه.
مَنْ المسؤول عن ارتفاع أسعار الدجاج وسلب المزيد من أموال المواطن!؟ لنفرض أن القرار الذي كان في عام 2007م من باب الخوف من انتشار إنفلونزا الطيور، وليس لمصلحة تجار الدواجن؛ فهل يُكافأ المواطن بتسليم جيبه المغلوب على أمره للتجار كي يُرضي جشعهم!؟ آمنـا بأن هناك زيادة عالمية في أسعار السلع، ولكن هناك الكثير من الخطط التي يستطيع من خلالها "المسؤولون المخلصون" في عملهم خفض أسعار السلع الاستهلاكية، وعلى سبيل المثال لا الحصر:
ماذا لو جُعِل في كل منطقة مسلخٌ للدجاج الحي "كما يُعمل في مسالخ الأغنام مثلاً"؛ حيث تختار ما يناسبك من الدجاج، ويُذبح ويُسلخ أمامك، وتستلمه بنفسك بعيداً عن وصاية الآخرين على ما تأكل؛ فقد مللنا وصاية وصلت لصحتنا وأموالنا. هذا المسلخ تكون فيه جميع الشركات المنتجة للدواجن،
ويكون الخيار لي أنا المواطن "أشتري ما أشاء"، و"أترك ما أشاء بمزاجي"، وأعتذر عن كلمة "بمزاجي" فقد لا تروق للبعض، ولكنه اقتراح بسيط لإعادة الأمور لمسارها الصحيح، وكي لا يكون هناك حجة للتجار لرفع الأسعار، وخدمة بسيطة للمواطن من وزارة التجارة التي أثق تماماً بأنها ستتملص من المسؤولية عن أسعار الدواجن وستوجهنا لوزارة التعليم العالي ذات الشأن في موضوع غلاء أسعار الدواجن في المملكة العربية السعودية!! وهذا ما تعودناه من وزاراتنا الموقرة؛ فكلٌ يرمي باللائمة على الآخر، وفي النهاية "المواطن في جيوب الجميع.. أقصد في عيون الجميع".
عبدالله عامر القرني
http://www.sabq.org/sabq/user/articles.do?id=615
العذر الجاهز هذه الأيام إرتفاع تكاليف الأعلاف عالميا .. و هو ما يعانيه صغار المستثمرين في مجال الدجاج الذين يضطرون لشراء أعلاف دواجنهم من شركات الأعلاف المصرح لها و التي في أغلب الأوقات هي نفسها شركات الدواجن الكبرى.