هل تعرف جمعية حماية المستهلك ما دورها بالضبط؟
د. سعيد بن على العضاضي
قرر مجلس الوزراء الموافقة على تنظيم ''جمعية حماية المستهلك'' التي تهدف إلى العناية بشؤون المستهلك ورعاية مصالحه، والمحافظة على حقوقه والدفاع عنها، وتبنّي قضاياه لدى الجهات العامة والخاصة، وحمايته من جميع أنواع الغش، والتقليد، والاحتيال، والخداع، والتدليس في جميع السلع والخدمات، والمبالغة في رفع أسعارها، ونشر الوعي الاستهلاكي لدى المستهلك، وتبصيره بسبل ترشيد الاستهلاك والارتقاء بجودة السلع. وبذا يتضح أن للجمعية مهمتين أساسيتين، الأولى ''تثقيفية'' والثانية ''دفاعية''.
وبما أن الجمعية ما زالت في مهدها ولم يكتمل بناؤها، فإننا سنتطرق لعدة محاور قد تساعد الجمعية على بناء نفسها وتحسس مسارها، ومنها: المهام المقترحة للجمعية، وماذا ينتظر المواطنون منها؟ صلاحياتها، العلاقة بين ''الجمعية'' و''مجتمع الأعمال''، علاقتها بإدارة ''حماية المستهلك'' التابعة لوزارة التجارة، ثم نختم ببعض التوصيات والآليات التي يجب مراعاتها قبل وأثناء عمل الجمعية. وفي هذا المقال سنكتفي بالمحورين الأول والثاني ونرجئ البقية إلى مناسبات قادمة ــــ بإذن الله.
مهام الجمعية
يمكن تلخيص واستعراض وجهات النظر التي ناقشت المهام المقترحة لجمعية حماية المستهلك بعد صدور القرار الوزاري كما يلي:
ذكر البعض أن المهمة الأساسية للجمعية تتمثل في نشر الوعي الاستهلاكي باعتبار أن نسبة الوعي الاستهلاكي في المجتمع السعودي متدنية ــــ على حد قولهم ــــ فالمستهلك لا يبالي بالاطلاع على تاريخ الصلاحية لأي سلعة، ولا يعرف خدمات ما بعد البيع، وقد يشتري سلعا لا يستفيد من طاقتها، ولا يعرف كيف يتعامل مع أي حالة غش تجاري.
رأى آخرون أن مهمة الجمعية تتمثل في كونها لسان حال جميع المستهلكين، فحين ترفض أي منشأة تلبية مطالب وحقوق المستهلكين سيكون للجمعية الحق في أن تعلن مقاطعتها ويتوقع أن يكون التجاوب كبيرا.
رأى البعض أن المهام الموكلة للجمعية كبح الارتفاعات المبالغ فيها بأسعار المواد الاستهلاكية على وجه التحديد، وكذلك تمثيل المستهلكين لدى الجهات الحكومية العليا والدفاع عن حقوقهم.
من هذا العرض نستشف أن المهمة الأساسية للجمعية هي ''توعوية'' و''تثقيفية''. وهذا جيد، إلا أن المستهلك السعودي يتوقع أكثر من التثقيف والتربية الاستهلاكية لأنه يواجه حالات من الغبن من بعض مجتمع الأعمال. ويمكن أن نقتبس جزءا من تعليقات بعض الكتاب في هذا المجال، الذي بيّن بعض حالات الغبن التي يتعرض لها المستهلك السعودي:
ـــــ وكالات السيارات تجبر المستهلك على شراء السيارة بالمواصفات الكاملة وبالسعر الذي تحدده بينما ترى في الأسواق الحرة أن المستهلك له الحق في رفض أي مواصفة لا يرغبها وتخصم من السعر.
ـــــ الارتفاعات غير المبررة في أسعار الشقق المفروشة والفنادق دون أي رقابة أو حماية مما يضطر المستهلك للدفع.
ـــــ غالبية المنشآت لا تقدم خدمات ما بعد البيع وإن قدمتها فلا تكون بالصورة المرضية.
ـــــ ارتفاع معدلات الفائدة والرسوم الإدارية التي تفرضها البنوك على المستهلك البسيط.
والسؤال الآن: كيف يمكن للجمعية أن تخلص المستهلك من هذه الآفات؟ أرى أن الجمعية، حتى لو اكتمل بناؤها واشتد عودها، لن تستطيع أداء مهامها التي عجزت عنها وزارات وهيئات حكومية. وحتى لا نحملها ما لا طاقة لها به، فإنني أرى أن عملها مكمل لعمل وزارة التجارة وليس بديلا عنه، فوزارة التجارة هي الأساس وما يدور في فلكها من جمعيات ووكالات ما هو إلا روافد. وهذا يشابه بالضبط عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعتبر مكملا لعمل الشرطة والجهات الأمنية الأخرى.
لقد اتضح من الأزمات السابقة أن وزارة التجارة غير قادرة على أداء مهامها الأساسية كمراقبة الأسعار وإعادة توازن قوى السوق، لذا فهي تحاول التخلي تدرجيا عن أعمالها الأساسية لجهات أخرى كي تتوارى عن الأنظار وتخفي عيوبها بالانكفاء داخل أروقتها بدلا من إعادة هيكلة أنشطتها. ولا أدري ما الذي يعيب في تبني إعادة الهيكلة بدلا من توزيع مهامها يمنة ويسرة، فكثير من دول العالم تقيّم وزارتها من وقت إلى آخر وتعيد هيكلة من تتهاوى خدماتها لتكون قادرة على أداء وظائفها بما يتناسب مع التغيرات الاقتصادية والاجتماعية. وحتى يتم ذلك فإن على الجمعية أعباء جسيمة ومهام وظيفية عظيمة.
ماذا ينتظر المواطنون من جمعية حماية المستهلك؟
بعض المواطنين يتوقعون من الجمعية أبعد من التوعية والتثقيف، مثل المحافظة على حقوقهم والدفاع عنهم. ينتظر المستهلك السعودي من الجمعية إيقاف تكتل الشركات وإبرام التحالفات، وإعادة البضاعة المغشوشة، ومحاسبة من يتجرأ على هذا من المنتجين والموزعين والبائعين ومن في حكمهم.
البعض الآخر لا يعولون على الجمعية كثيرا وينظرون إليها كما ينظرون لجهات أخرى لم تخدم المستهلك كبعض الوزارات والهيئات والجمعيات المشابهة. إن تجارب المواطنين مع الجهات الخدمية في بلادنا أصابتهم بالإحباط، وقرار إنشاء الجمعية لم يكن له الأثر الكبير على شريحة كبيرة من المواطنين لأن تجاربهم مع الهيئات الخدمية من وزارات وغيرها كانت غير مشجعة.
إلا أنني أقول إن ''جمعية حماية المستهلك'' ستقوم ـــ بإذن الله ـــ بدورها كمكمل لعمل وزارة التجارة إذا اتبعت المنهجية العلمية وحصلت على الدعم المالي والمعنوي من الجهات ذات العلاقة، وقبل هذا وذاك دعمنا نحن المواطنين وثقتنا بدورها وأهميتها. إن كفة المستهلكين في ميزان قوى السوق ترجح عن طريق التوجيه، والإرشاد، والوعي، والمقاطعة، وتغيير سلوكيات الشراء. وهذه المهمة لا يمكن أن يقوم بها المستهلكون دون هيئة تمثلهم تكون بمثابة مرجعية توحد صفوفهم وتلم شتاتهم، وهذا بالضبط ما تنوي الجمعية عمله. لذا يجب التكاتف معها حتى نصد هذا الموج الهائج من تكتل الشركات الذي سيدمر اقتصادنا ومجتمعانا ونصبح لقمة سائغة للباحثين عن تعظيم الربح.
نتمنى من جمعية حماية المستهلك أن تلم شتاتها وأن تنهض من كبوتها فقد بدأنا نسمع عن صراعات وانقسامات داخل الجمعية تنم عن عدم فهم واستيعاب المهمة الجليلة التي أوكلت لها والعمل الجسيم الذي ينتظرها. وفي مقال قادم ـــ بإذن الله ـــ سنكمل بقية المحاور بدءا بالصلاحيات الموكلة لها وعلاقتها بقطاع الأعمال في بلادنا.
http://www.aleqt.com/2011/04/15/article_526785.html