زكاة الأراضي .. آلية لوقف الاحتكار وتحريك سوق العقار
د. عدنان بن عبد الله الشيحة
هناك ارتفاع حاد ومتسارع لأسعار المنتجات والخدمات العقارية، فأسعار الوحدات السكنية في سوق الاستثمار العقاري (الشراء والتملك) أو سوق الخدمات العقارية (الإيجار) يشهدان منذ ما يقارب العامين معدلات عالية للأسعار غير مسبوقة. وهذا جميعه يعود لارتفاع أسعار الأراضي لمستوى أصبحت فيه قيمة الأرض تمثل ما يقارب نصف التكلفة الإجمالية للوحدة السكنية أو يزيد! ما
يحدث في السوق العقارية أمر لا يصدق، بل هو ضرب من الجنون، فضلا عن أنه أصبح هما وتحديا اقتصاديا يواجه الدولة والمواطنين.
فقد أصبحت تكلفة السكن تلتهم دخول ومدخرات الكثيرين، والسبب الرئيس في ذلك أن معدل تضخم أسعار الأراضي غير مبرر البتة.
ربما ظن البعض أن السر وراء هذا الارتفاع يكمن في أن الطلب يفوق المعروض من الأراضي. وهذا تحليل صحيح، على افتراض أنه لا يوجد هناك ممارسات احتكارية من قبل ملاك الأراضي وكبار العقاريين والمطورين تقود نحو افتعال رفع الأسعار عبر سياسات التقليل من المعروض وحجب الأراضي. وأخشى أن ما يحدث في سوق الأراضي صورة مطابقة لما حدث في سوق الأسهم قبل أعوام قليلة،
بل إن سوق الأراضي هي بالفعل سوق للمساهمات والمضاربات، لكن دون تنظيم وحوكمة ولا حسيب لا رقيب. فهوامير العقار على غرار هوامير سوق الأسهم يتحكمون في السوق ويقودون أسعار الأراضي نحو الارتفاع. وإذا ما استمرت السوق بهذا الانفلات والتسيب فيتوقع أن يستمر الارتفاع المفتعل للأسعار حتى تنفجر البالونة العقارية المنتفخة، بعدما تكون قد انتقلت جل الأموال إلى أرصدة كبار العقارين، وأصبح عموم المواطنين خالين الوفاض يندبون حظهم للمرة الثانية، كما فعلوا في المرة الأولى حين هوت بهم سوق الأسهم وعلى حين غرة لتقضي عليهم اقتصاديا!
هناك من يرغب في الاستحواذ بأي شكل كان على الأموال التي تضخها الدولة عبر الإنفاق السخي على المشاريع العامة. ففي المرة الأولى كانت سوق الأسهم وهذه المرة السوق العقارية. ولأوضح كيف يكون ذلك! الريال الذي تنفقه الدولة ينتقل عبر معاملات اقتصادية من يد إلى أخرى ليحط رحاله بعد رحلة طويلة في أرصدة رجال الأعمال. فالريالات تجتذب الريالات؛ ولذا فحتى المعونات الحكومية الممنوحة من الضمان الاجتماعي للفقراء على سبيل المثال يستفيد منها بعض رجال الأعمال أكثر من الفقراء أنفسهم! فالتجار بجميع مستوياتهم يقتطعون الجزء الأكبر من هذا الريال على شكل أرباح. وغني عن القول أنه كلما كان رأس المال أكبر كانت الحصة المستقطعة أكبر. هذه حقيقة يقرها نظام اقتصاد السوق فآليته تحدد من يحصل على ماذا، أي كيفية اقتسام الكعكة الاقتصادية. وعندما تكون السلعة ذات قيمة عالية مثل الأراضي تمنح فرصة أكبر لاجتذاب الأموال من الاقتصاد الوطني وبشكل سريع، خاصة أن تكاليف الإنتاج (تطوير الأراضي) لا تكاد تذكر مقارنة بالعوائد الاقتصادية العظيمة. إن
ما يجري في سوق الأراضي من بعض التعاملات سرقة نظامية في وضح النهار! ذلك أن الأراضي هي في أصلها عامة وليست خاصة، ويفترض ألا تتحول إلى خاصة إلا بضمان تحقيق المنفعة العامة. ومعنى ذلك أن المستفيد الأول من الأرض هم العموم، وهذا ما يتحقق عبر المنح الحكومية للمواطنين حتى وإن كان بعضها غير مخدوم وتبعد عشرات الكيلومترات من مركز المدينة، وبالتالي تتطلب الانتظار سنوات طويلة حتى تكون مهيأة للسكن. استفادة العموم لا تقتصر على المنح المباشرة من الأراضي، بل يفترض حتى في الأراضي المباعة بأسعار رمزية (الممنوحة) لغرض التطوير والتي عادة ما يعاد بيعها من المالك الأول بسعر عالٍ، ومن ثم يتم تداولها عبر وسطاء حتى تصل إلى المطور العقاري وقد انتفخ سعرها وهي ما تزال صحراء قاحلة لا نهر جاريا، ولا غابة غناء، خالية تماما من أية ميزة تفضيلية، بل ربما كانت أرضها صخرية فزادت من تكلفة البناء!
المشكلة لا تقف عند هذا الحد،
بل إن جشع بعض كبار العقاريين وبقدرتهم المالية العالية التي تمنحهم طول نفس في السوق يقومون بحجب الكثير من المخططات عن البيع ليقل المعروض ويرتفع السعر إلى مستويات خيالية، ثم بعد ذلك يبيعون. هذا النهج العقاري أصبح يتبعه حتى صغار المستثمرين؛ إذ رأوا أن كبار العقاريين يقودون السوق نحو رفع الأسعار،
خاصة أنه ليس هناك رسوم على العقار تعكس التكلفة الاجتماعية للانتظار. ليقف عموم المواطنين مكتوفي الأيدي أسرى لهذا النهج الانتهازي تسلب حقوقهم في واضحة النهار بحجة أن السعر يحدده العرض والطلب، بينما السوق مختطفة من الاحتكاريين الذين يقررون السعر في سوق تغيب عنها المنافسة الكاملة. ونتيجة لذلك أصبح هناك ما يسمى ''بظاهرة قفز الضفدع''، حيث يكون هناك جيوب لأراضٍ فضاء في مناطق مختلفة من المدينة، وهذا بطبيعة الحال يمثل تكلفة اجتماعية واقتصادية وبيئية باهظة.
قضية السكن قضية عامة تتعلق بحقوق أساسية للمواطنين ولها تبعات اقتصادية واجتماعية وأمنية وهي بذات الوقت آلية لتوزيع الدخل وزيادة الطبقة الوسطى التي هي العمود الفقري لأي اقتصاد.
لقد حان الوقت في إلزام العقاريين دفع تكلفة حجب الأراضي عن السوق. كما يجب إدراك أن قيمة الأرض مرتبطة بموقعها من الأنشطة الاقتصادية سواء سكنية أو تجارية والتي يكون فيها المحفز الأول المشاريع الحكومية،
فلولا الطرق والشوارع التي رصفتها الدولة وغيرها من الخدمات العامة لم تبلغ قيمة الأراضي والعقارات أسعارها العالية، وهذا وحده مبرر لفرض رسوم على الأراضي الفضاء كجزء من الاستحقاق العام. كما أن هناك تكاليف اجتماعية تفرزها الأراضي الفضاء تشمل تكاليف الخدمات العامة وتشويه للمنظر العام وإضرار بالبيئة، والأهم من هذا وذاك، تقليل المعروض من الأراضي وتعطيل سوق العقار. وعندما أستخدم كلمة رسوم فهو من أجل عرض القضية بموضوعية وحيادية والتدليل على أن هناك الكثير من الدول التي تستوفي الحق العام من قيمة العقار وتعتبره مصدرا للتمويل المحلي، وإلا فإن في الشريعة الإسلامية ما يغنينا ويعيننا على معالجة مشاكلنا، فالزكاة على الأراضي قد تكون الحل في تحريك سوق العقار وتنشيطه وخفض أسعار الأراضي، وفي الوقت ذاته توظيف أموال الزكاة في توفير مساكن لذوي الدخل المحدود. وهنا لا بد من التأكيد على أن العقار منتج محلي، وبالتالي يتحتم أن تكون الأمانات والبلديات هي المسؤولة عن تحصيل الزكاة والاستفادة منها كمصدر للتمويل المحلي، فالتوجية
النبوي يقول ''تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم''.
http://www.aleqt.com/2011/01/02/article_486097.html