من يحمي صحة الناس إذا كانت العقوبات بسيطة وغير رادعة؟!
جنوب جدة .. باب خلفي لتصريف رجيع شركات الأغذية
تحقيق جوهرة الشاويش تصوير: مروان الجهني
الأمر عادي ومقبول أن تجد كل شيء يباع هنا في سوق الصواريخ الدولي في جدة .. لكن الشيء السيئ أن تجد الأغذية المحفوظة في المعلبات وقد انتهت صلاحيتها للاستخدام الآدمي تباع علنا، وكذلك مساحيق النظافة من شامبوهات ومعاجين الأسنان، وتجرى للبعض منها عملية تعديل في تاريخ الصلاحية وسط تحد من أفارقة متخلفين للنظام وأجهزة الرقابة.
القضية تتعدى حدود مواد غذائية معلبة تباع على الأرصفة هنا بل مواد غذائية تحمل علامات تجارية مشهورة وتخطت ثقة المستهلكين لها حدود المحلية للتنافس بقوة في جميع الأسواق العالمية، وهي صناعة سعودية سجلت حضورا كبيرا في صناعة الغذاء ورسمت صورة مشرقة للصناعات الغذائية المتطورة والموثوق بها جودة وصلاحية .. فماذا يغيب صاحب العلامة والقائمين عليها لتصل إلى هذا المستوى من غياب الحماية بين المنتج والمسوق وأصحاب العلامات التجارية والمسؤولين وتسيء هذه التصرفات سمعة شركات صناعة الأغذية في الوطن.
تكشف جولة لـ «الاقتصادية» المصورة في سوق الصواريخ الدولي الذي يعد من أكبر الأسواق الشعبية في المنطقة الغربية نشوء سوق سوداء لبيع مواد غذائية فاسدة ومنتهية الصلاحية لمرتادي السوق، تباع بأسعار زهيدة ولعل الأدهى والأمر من ذلك إقبال المستهلكين عليها بثقة هؤلاء الناس بهذه الأغذية حينما يقولون «لو لم تكن صالحة للاستعمال لما وافق مراقبو الأسواق على بيعها، نحن ندرك أنهم يعرضونها في الطريق بأسعار زهيدة».
«الاقتصادية» وقفت على سوق الأغذية الفاسدة والمواد الغذائية المنتهية الصلاحية ورصد حركة تسويقها وتتبعت مصادرها وسط غياب الرقابة من وزارة التجارة وأمانة جدة وتحميل كل جهة الأخرى بالمسؤولية. إلى التفاصيل:
يعمل على جمع هذه المواد الغذائية وتسويقها جيش من الأفارقة يعمل فيه رجال ونساء سواء من خلال سرقتها من المستودعات، أو جمعها من النفايات، أو شرائها بأسعار زهيدة من التجار وتجهيزها لعرضها وبيعها في سوق الصواريخ مرة أخرى في تحد صارخ للنظام ومراقبي البلديات ووزارة التجارة.
تدر هذه التجارة مبالغ كبيرة على مسوقيها، إذ إنها تنشط وسط غياب الرقابة ومحاسبة المتورطين فيها، وعادة يتم تجميع هذه المعلبات والمواد الغذائية من بعض مستودعات الشركات الغذائية والمحال التجارية، حيث تقوم بعض المصانع والمستودعات الغذائية وشركات تسويق الأغذية برمي منتجاتها المنتهية الصلاحية في النفايات ومن ثم تقوم هذه العمالة بجمعها وتنظيفها ومن ثم إعادة طباعة تاريخ جديد على البعض منها لتضليل المستهلك وتوريدها للأسواق الشعبية عبر شبكة وسلسلة من الأفراد تبدأ من التوريد، ومن ثم العرض والبيع على المستهلك الأخير، والذي يكون «الضحية « في خطر هذه المعلبات الفاسدة.
يزداد نشاط مبيعات المواد الغذائية المنتهية الصلاحية في المواسم الشهرية مثل موسم شهر رمضان والإجازات السنوية والإجازة الأسبوعية والتي تمثل موسما مربحا لهؤلاء، حيث تقوم المحال الخاصة لبيع المواد الغذائية بالإعلان عن أسعار معينة فيما تقوم هذه العمالة بخفض الأسعار إلى أدنى مستوى لبيع هذه المنتجات والتخلص منها.
تجارة مربحة
تجارة الأغذية الفاسدة في الأسواق الشعبية هي تجارة مربحة في جدة، حيث يقبل الناس هنا على الشراء من سوق الصورايخ الدولي، وهي سوق شعبية ظهرت في جنوب جدة وسط حاجة الناس إلى شراء البضائع الرخيصة والمقلدة والماركات محدودة الانتشار وتنشط فيها محال متخصصة لبيع المواد الغذائية بأسعار زهيدة .. ومن ثم تحولت مشروعية التجارة هنا إلى دخول جيش من الأفارقة في هذه السوق واستغلال غياب الرقابة وضعف التشريعات والجزاءات إلى المنافسة في البيع والشراء، ومن ثم ترويج وبيع الأغذية الفاسدة بأسعار زهيدة الأمر الذي شجع على انتشارها من خلال محال كبيرة أو على الأرصفة في ظل غياب تشريع يعاقب هؤلاء، حيث زاد من مساحة الفراغ وتحميل المسؤولية إلى جهة رسمية محددة انتشارها .. ليفتح مناخا لترويج وبيع الأغذية الفاسدة أمام أعين الناس، وفي الوقت الذي لا توجد فيه فرق متابعة قادرة على جمع ونقل وإتلاف هذه المواد وضبط مروجيها ومعاقبتهم حتى لو كانت نساء ومعلوم أن الأفارقة المتخلفين يلجأون إلى استغلال نسائهم لتسويق هذه البضائع الفاسدة لإدراكهم أن رجال الشرطة وأجهزة الرقابة لا تستطيع أحيانا التعامل مع المرأة.
الفقراء ليسوا جهلة
يرجع قانونيون تحدثت إليهم «الاقتصادية» أسباب إقبال بعض المستهلكين وخاصة فقراء الناس على شراء الأغذية الفاسدة إلى ثقتهم الكبيرة بما يعرض في الأسواق من مبدأ المسؤولية المنوطة بموظفي الدولة الذين يخرجون كل مرة في وسائل الإعلام ويزيدون اطمئنانهم على سلامة الأغذية التي تعرض للبيع في الأسواق دون إدراك خطورة غيابهم عن متابعة هؤلاء المجرمين الذين يتحدون النظام ويسوقون الأغذية الفاسدة بأزهد الأثمان.
بين الأمانة والتجارة
في الشأن ذاته أرجع مستهلكون تحدثوا إلى «الاقتصادية» السبب إلى أن هناك تضاربا بين الجهات الرقابية الأخرى، مثل وزارة التجارة، وهيئة الدواء والغذاء، ووزارة البلديات، الأمر الذي شجع على ظهور هذه الفوضى وانتشارها بقوة أمام أعين الناس وفي كل الأماكن والطرقات.
وتقول الدكتورة فايزة صالح إن هناك قصورا في التشريعات والتطبيقات بشكلها العام في هذه القضية، وتنازعا في الصلاحيات بين الجهات المعنية بالرقابة أو الضبط، وهو ما يترك مساحة حرية وحركة لمروجي هذه الأغذية الفاسدة للنفاذ إلى الأسواق، وفي الشأن ذاته تنشط مطالب حقوقية بالتشديد على أماكن تداول وإعداد الغذاء، والتأكد من استيفائها للوائح والاشتراطات الصحية، وهذه تخضع تحت مسؤولية أمانة جدة ومراقبتها للأسعار، أيضا تحت مسؤولية وزارة التجارة، وهناك اتهام بأن بعض المفتشين يخشون الاقتراب من هؤلاء المتخلفين.
شركات التصنيع .. هل هي متورطة؟
يرجع متابعون انتشار بيع الأغذية الفاسدة في جدة إلى عاملين أساسيين هما: شركات تصنيع وبيع الأغذية التي يغلب عليها الجشع من خلال التخلص من هذه البضائع وطرحها للبيع بقيمة زهيدة لهوامير تسويق المواد الغذائية وغياب الرقابة على المتخلفين الذين ينشطون في تسويق هذه البضائع الفاسدة إضافة إلى جهل الناس بخطورة هذه الأغذية الفاسدة، حيث الرغبة في التوفير من البعض، وخاصة ربات البيوت، ومحاولتهم شراء منتج رخيص دون أن يدركوا مصدره أو يتأكدوا من سلامته.
أمانة جدة بين الجهود والحماية
وسط تحميل المسؤولين بين جهة وأخرى قالت أمانة جدة إن جهودها في متابعة عربات الباعة الجائلين في شوارع وطرقات وأحياء مدينة جدة وأسواق الأفارقة في جنوب جدة تمكنت من مصادرة كميات كبيرة من المواد الغذائية المعروضة في الطرقات والشوارع العامة، وتقوم فرق مراقبة الباعة الجائلين بجولات دورية على مدار الساعة في المناطق التي يكثر فيها تواجد الباعة خاصة أمام المراكز التجارية والمدارس ومناطق التجمعات، معتمدين على عنصر المفاجئة، لكن الأمانة اعترفت بأن جهودها تتوقف على مدى تعاون المواطن والمقيم ضد الباعة الجائلين، وبينت أنها ستواصل حملاتها لمتابعتهم.
طبعا تنتهي المساحة ولا تنتهي القضية التي يبدو أنها ستستمر طويلا. لكن الصورة المرفقة في هذا الموضوع ربما تكون أبلغ تعبيرا عن الحالة.
http://www.aleqt.com/2010/12/04/article_475273.html