http://www.lojainiat.com/index.cfm?d...ontentid=43364
الشيخ سليمان بن أحمد الدويش
الحمدلله رب العالمين , والصلاة والسلام على نبينا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين , ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
أما بعد :
فللغش والتحايل أساليب كثيرة جداً , ليس الضمان في واقعه الحالي , عند كثير من الوكالات والمحالِّ التجارية إلا واحداً منها , لاسيما مع غياب الرقيب وسلطته , لأن من يلجأ إلى التحايل والخديعة فلن ينبعث له رقيب من نفسه يؤنبه ويردعه .
كثيراً مانسمع ونقرأ ونشاهد تلك العروض التنافسية , وكثيرا ما يغرينا باعة السلع بجلِّ أنواعها بعبارة رنانة , ما إن يقع وقعها في أذنك إلا وتهتز لها طربا , وما إن تراها عينك , إلا وتتسمر في مكانك , لأنك تظن لحظتها أنك أمَّنت نفسك بفضل الله , وتخلصت من ملاحقة العناء لك , ومن ملاحقتك له مضطراً , إنها عبارة " عليها ضمان " , أو " ضمان وكيل " !!! .
الذي أعلمه أن هذه العبارة لها التزامات , وعليها تبعات , والشركات ذات المصداقية , أو التي تخضع لسلطة رقابية دقيقة , تعرف أهمية ما تحويه هذه العبارة , ولذلك فهي تعتبر الضمان عقداً كعقد البيع والشراء والتأجير , فتفصح لك عمَّا تضمنه , وتخلي مسؤوليتها عمَّا لايقع تحت مسؤوليتها , وتكشف لك كل الأوراق , لأنها تعلم أنها إن أخفت شيئا فستتحمل مسؤوليته , وستعتبر بذلك مخادعة غاشة , وهذا مالاتريده لنفسها , ولذلك تجدها حين تكتشف خللا في منتجها تبادر لسحبه من السوق , أو الإعلان وإبلاغ مَن اشتراه بإعادته واستبداله , أو مراجعة مراكز الصيانة لمعالجته , هذا ما أعلمه عن الضمان , وهو المعمول به في كثير من دول الغرب , ويعتبر الإخلال به جريمة يحاسب عليها القانون , وينظر فيها قضائياً , وتصدر فيها عقوبات وغرامات كبيرة , بل وكبيرة جداً .
لكن في ظل غياب الرقيب , وجشع التاجر , وقلة خبرة المستهلك ومعرفته , وانعدام الشفافية فقد تحول الضمان عندنا إلى عبء , وأصبحت بدل أن تستفيد منه ألعوبة بيد التاجر , ليعوض بك مافاته منك وقت الشراء , وذلك عن أغلب الوكلاء إلا ما رحم الله , ولعل من أكبر الأسباب الداعمة لهم غياب سلطة الرقيب , وعذر الرقيب في تقاعسه أنه لم يتقدم إليه أحد بالشكوى , ونسي أن الإنسان حتى يتقدم بشكواه يحتاج إلى موازنة ضخمة , وإجازة مطولة , وأن يعلن الاستنفار العام , ويستعين بطاقم ضخم ليتغلب على تلك الإجراءات الروتينية المعقدة , التي جعلت التاجر يضحك بملء فيه على المستهلك , ولسان حال التاجر يقول : " أعلى مافي خيلك إركبه " , ويقول مسلياً نفسه : " عليك ليل طويل فارقد " , وذلك لأن " من أمن العقوبة أساء الأدب " .
في قطاع السيارات مثلاً تمنحك الشركات عروضاً إغرائية , حتى تقع في فخاخهم , ثم إذا أوثقتك الحبال , وانقطعت بك السبل , بدأت معهم معاناة جديدة , حيث تشترط بعض الوكالات عدم سريان الضمان إلا عندما تنتظم معهم في برنامج الصيانة , وهو برنامج يمكن تسميته بـ " برنامج شفط الأموال " , وفكرته أن تقوم الشركة بتعويض مافاتها منك عند الشراء بعده , ولست أدري مالمستند القانوني لمثل هذه الممارسات ؟ , وإذا كان لابد لي من الدخول في نظام الصيانة , الذي سيكلفني فاتورة بآلاف الريالات , فمامعنى أن تضمن الوكالة لي المركبة ؟ , بل تعدى الأمر إلى أسوأ من ذلك فبعض الوكالات ترفض إجراء الصيانة لبعض السيارات التي فيها خلل مصنعي بحجة عدم تفعيلك الضمان , ولأنهم يأخذون بقاعدة " كل شيء ينفع " , فيطلبون منك أحيانا أن تشترك في برنامج الصيانة المقارب لعداد الكيلومترات , كأن تكون استهلكت تسعة عشر ألف كيلومتر , فيقال لك يمكن أن تنتظم في الصيانة بعد إدخالك المركبة في صيانة العشرين ألف , ثم تبدأ الفاتورة بشفط ما في رصيدك وهكذا , رغم أن الخلل المصنعي , أو ما نصت عليه كتب الضمان , أو ماهو متعارف عليه في نظام الوكالات يتعارض مع هذه الممارسات تماماً .
والسؤال الآن : من سيمنع الناس من عدوان تلك الشركات الاستغلالية ؟ , ومن سيوقف جشع التجار ؟ , ولماذا لاتقوم وزارة التجارة بما يجب لمنع هذا الاستغلال الرخيص ؟ .
في تقديري أن الحل ليس معجزاً , وأن الوزارة قادرة على منع كثير من المظاهر بأيسر الأمور , ولكن امتناع الوزارة عن ذلك يجعلها في خانة الراضي , وإلا فمالذي يكلفها من أن تقوم بجولات تفتيشية على الوكالات , والتعرف على واقع المعاناة من قرب , وهذا أمر ليس صعباً أو معقداً , إذْ حالاته تتكرر بالعشرات وبشكل يومي , واكتشافه في غاية اليسر والسهولة .
لقد عجبت حين رأيت رئيس شركة تويوتا يبكي وهو يجيب عن الأسئلة في أحد مجالس أمريكا , وكانت الأسئلة تلاحقه , بل وكثير من القضايا في محاكم أمريكا قد رفعت ضد تلك الشركة وغيرها , وسمعت ورأيت وقرأت أخباراً عن سحب أعداد مهولة من السيارات لسبب فني , في حين يندر أن نسمع خبراً كهذا في بلادنا , مع أن مواصفات السيارات لدينا أقل من كثير من مواصفات الدول الأخرى , وفي حال تم استدعاء بعض السيارات لدينا فإننا لانسلم من عقبات وتعقيدات , مع أن هذا جزء من حقوقنا تكفله الأنظمة والتعليمات , ولماذا يستدعى رئيس شركة تويوتا أو غيرها , وتتم مناقشته , وممارسة مايشبه التحقيق معه , في بلد لايختلف استيراده لمنتجات شركة تويوتا أو غيرها عن استيرادنا بحسب النسبة والتناسب , فهل نحن أقل إنسانية في نظر المعنيين بالأمر؟ , أم هي حماية للشركات والوكلاء ؟ , أم هو إهمال للمسؤولية ؟ .
إننا نطالب بضمان حقنا في الضمان , وأن يكون العقد واضحا من البداية , وأن يعرف المشتري ماله وماعليه , وإذا كانت تلك الوكالات ستحتكر السلعة , وستمارس علينا إذلالاً وإهانة من خلال هذا الضمان المتهالك , فإننا نطالب بأن يتاح للتجار المنافسة في الاستيراد , ومنع احتكار الوكلاء لتلك السلع , أو أن يقوموا بما عليهم كما قاموا بالذي لهم , وأن تقوم الدولة بوضع حل لهذا الاستغلال والفوضى .
ومن جهة أخرى فإننا نلحظ أن كثيرا من الشركات الضامنة تتعمد تأخير الصيانة , أو إصلاح الخلل , أو تضع رسما لانتقال المهندس أو الفني , وهذا مما يتم كتمانه , وعدم الإفصاح عنه قبل عقد الشراء , وهو في رأيي غش مُبَطَّن , وإلا فالواجب أن يكون هناك ملصق على كل منتج , خاصة المنتجات ذات الأحجام الكبيرة كالثلاجات والمكيفات والفريزرات وغيرها , ويتضمن هذا الملصق نوع الخدمة التي يقدمها الضامن , وماتتطلبه تلك الخدمة من رسوم , حتى يقرر بموجبها هل يقدم على الشراء أو يمتع عنه , أما أن يبقى الأمر مبهما غامضا , حتى إذا استقرت السلعة في داره أو محله , وصعب عليه إخراجها , ورأى نفسه بين فكي أسد , بدأ استغلال الضامن ومماطلته , فهذا نوع من الخداع والاستغلال , ويجب أن يوضع له حد , وأن يحمى المستهلك من استغفاله والتلاعب بحقوقه .
ومن صور المخادعة والتلاعب , مانراه من بعض الوكالات , لبعض السلع التي تتمتع بضمان دولي , فإنك لاتجد حرجا حين تعرضها على الوكيل في أي دولة يوجد فيها وكيل لتلك السلعة , لكن في بلدنا نجد إهمالاً وتماوتاً , بل عدم تجاوب بالكلية في أحايين كثيرة , مع أن الوكيل ملتزم بحسب نظام الوكالة بما تلزمه به الشركة الأم , ومن ذلك قبول الضمان الدولي , وهذا جزء من حقوق المشتري , بل ربما كان الضمان الدولي سبباً في تشجيعه على شراء تلك السلعة دون غيرها .
لقد بلغ الأمر ببعض الوكالات أن تمارس أسلوباً غير نزيه , وذلك من خلال مساومتها للمستهلك , ومحاولة إزعاجه ببعض الإجراءات الروتينية المعقدة , خاصة في السلع ذات الضمان الدولي , وذلك لإشعاره أن المصلحة له تقتضي الشراء من الداخل , وعدم شراء السلعة من مكان آخر , ومن أساليبهم في ذلك تأخير قبول الصيانة لتلك السلعة , أو إفهامه بأنهم لن يتولوا صيانتها هنا , بل سيقومون ببعثها للشركة الأم , وهذا قد يأخذ وقتا طويلاً , وربما ألمحوا له أن أجور الشحن ستضاف عليه , وأنهم غير متأكدين من رد الشركة أو تجاوبها , وغير ذلك مما يجعل المستهلك بين غار ونار , حتى يكون بذلك جاهزاً لعرضهم الآخر , الذي يراه أكثر إغراءً , وهو أن يقوموا بصيانتها بمبلغ وقدره بعيدا عن الضمان الدولي , وهو نوع من السرقة , لأنه كما بلغني فإن تلك الوكالات تقوم بصينتها بموجب الضمان , وتحتسبها على الشركة الأم , وهي في الوقت ذاته قد احتسبتها على العميل برسم مقرر !! .
وأخس من هذا وذاك , بل هذا مما يمكن تسميته بالخيانة , أن تعمد بعض الوكالات لتغيير معالم المنتج , أوالعبث بمحتوياته , أو طلبه مجرداً من بعض متطلباته , في حين تقوم باستيراد تلك المتطلبات من جهات أقل سعراً وجودة , فيتم تكميل المنتج بها على أنه من جهة واحدة ومصنع واحد , وهذا ما يعزوه بعضهم , لتفاوت الأسعار بين بعض التجار , مع أن الشركة الأم واحدة , والموديل والنوع والمنتج واحد , وهذا يكثر وقوعه في الجوالات , وقد رأيت شيئاً من هذا بأم عيني , حيث يتم استبدال البطاريات وبعض الاكسسوارات ببطاريات واكسسوارات تجارية , أو بتجريد المنتج من الاكسسوارات , حتى يتم بيعها لاحقا بأسعار مرتفعة كونها أصلية .
كما يشاع عن بعض وكالات الماركات العالمية أن بعض الوكلاء يعمد إلى شراء منتجات مقلدة تقليدا متيناً , ثم يقوم ببيعها على أنها أصلية , مستغلاً بذلك عدم معرفة العميل , وثقته بالوكيل كونها ماركة عالمية , وهذا يتكرر في بعض المنتجات ذات السعر المرتفع , مما ليس قابلا للصيانة بشكل دوري , كالشنط والأبواك , وبعض الملابس والأحذية , وهذا وقع وليس مما يتوقعه الإنسان ويتخيله , وقد حدثت أن شخصاً اشترى حقيبة نسائية من إحدى الماركات بمبلغ يتجاوز ثمانية آلاف ريال , وأثناء سفره مع أهله للخارج , وقد صادف أنه سافر للدولة التي تحتضن تلك الشركة ذات الماركة , وكان في أحد سحابات الحقيبة خلل , فاستغل وجوده عند الشركة الأصل , وحين ذهب إليهم اكتشف الكارثة , حيث اعتذرت الشركة عن قبولها كونها مقلدة وليست أصلية , حاول إقناعهم جاهداً بأنه اشتراها من وكيلهم في السعودية , لكن تكللت كل محاولاته بالفشل , وقصارى ماكان منهم أن قالوا له : اذهب إلى من اشتريتها منه وطالبه , وهذا ماحدث معه بالفعل , وقد بلغني غير هذا في ماركات متعددة , فياترى من لمثل هؤلاء الخونة الغششة ؟ .
حين أعلن بعض المستهلكين حملة المقاطعة للسيارات تحت شعار " خلوها تصدي " خرج علينا بعض المتضررين من هذه الحملة متهما من يقف خلفها بأنهم أعداء للوطن , وكال لهم التهم , ووصفهم بالمفسدين للاقتصاد الوطني , وهذه الغيرة منه على اقتصاد الوطن , لم تتحرك إلا بعد أن تضررت تجارته , ولكن هل فكَّر هو أو غيره في عشرات المتضررين من جشع التجار , وسوء فعلهم , واستغلالهم ؟ .
كم كنت أتمنى أن تبادر الجهات المسؤولة بوضع حدٍّ لمثل هذه الممارسات , وأن يأخذ كل إنسان حقه بوضوح , لأن هذا مما يسهم في تحقيق الأمن النفسي , ويزيد في الاستقرار الاقتصادي , ويخلق الثقة بين التاجر والمستهلك , أما استمرار الحال على مانحن عليه , وضرب مشكلات الناس وهمومهم بعرض الحائط , فهذا لايخدم البلد , ولايحقق المصلحة , بل يولد الاحتقان , ويضعف الثقة , ويزيد في المشكلات , ويرهق كاهل المستهلك , ويزيد في جرأة التاجر الجشع , ويفتح الباب لمزيد من الحملات الغاضبة , أو نقل الأموال للخارج , أو التحايل على بعض الأنظمة .
اللهم عليك بالفجرة المنافقين , والخونة الليبراليين , والرجس العلمانيين .
اللهم اهتك سترهم , وزدهم صغارا وذلا , وأرغم آنافهم , وعجل إتلافهم , واضرب بعضهم ببعض , وسلط عليهم من حيث لايحتسبون .
اللهم اهدِ ضال المسلمين , وعافِ مبتلاهم , وفكَّ أسراهم , وارحم موتاهم , واشفِ مريضهم , وأطعم جائعهم , واحمل حافيهم , واكسُ عاريهم , وانصرمجاهدهم , وردَّ غائبهم , وحقق أمانيهم .
اللهم كن لإخواننا المجاهدين في سبيلك مؤيدا وظهيرا , ومعينا ونصيرا , اللهم سدد رميهم , واربط على قلوبهم , وثبت أقدامهم , وأمكنهم من رقاب عدوهم , وافتح لهم فتحا على فتح , واجعل عدوهم في أعينهم أحقر من الذر , وأخس من البعر , وأوثقه بحبالهم , وأرغم أنفه لهم , واجعله يرهبهم كما ترهب البهائم المفترس من السباع .
اللهم أرنا الحق حقاوارزقنا اتباعه , والباطل باطلا وارزقنا اجتنابه , ولاتجعله ملتبسا علينا فنضل .
اللهم أصلح أحوال المسلمين وردهم إليك ردا جميلا .
اللهم أصلح الراعي والرعية .
اللهم أبرم لهذه الأمة أمرا رشدا , واحفظ عليها دينها , وحماة دينها , وورثة نبيها , واجعل قادتها قدوة للخير , مفاتيح للفضيلة , وارزقهم البطانة الناصحة الصالحة التي تذكرهم إن نسوا , وتعينهم إن تذكروا , واجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له , ناهين عن المنكر مجتنبين له , ياسميع الدعاء .
هذا والله أعلى وأعلم , وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
وكتبه
سليمان بن أحمد بن عبدالعزيز الدويش
أبومالك
mamal_m_s@hotmail.com