وضعنا الاقتصادي العجيب
د. عبد الرحمن محمد السلطان - أكاديمي وكاتب أقتصادي
من يتابع صحافتنا المحلية ومنتديات الإنترنت بل وحتى حديث المجالس حول ارتفاع أسعار الأرز، قد يستنتج أن هذا الارتفاع لا بد أن يكون الشغل الشاغل وأكبر مشكلة تواجه مواطني أكبر منتج للنفط في العالم وسيجد صعوبة في فهم كل ذلك وتفسيره، فارتفاع أسعار الأرز يمكن أن يكون مشكلة مقلقة في بنغلادش والفلبين، على سبيل المثال، لكن لا يفترض أن تشكل أي هاجس أو مصدر قلق لمواطني السعودية أو أي دولة خليجية أخرى. فعلى مدى أربع سنوات ما زلنا ننعم بواحد من أفضل الأوضاع المالية التي مرت على المملكة في تاريخها، بفضل تضاعف أسعار النفط عدة مرات وبلوغ حجم إنتاجنا النفطي معدلات قياسية غير مسبوقة، إلا أن المشكلة تتمثل في أن الواقع المعيشي لمعظم أفراد المجتمع لا يعكس أيا من ذلك، ومعضلاتنا الاقتصادية في تفاقم، في انفصام تام محير بين وضعنا المالي وواقعنا الاقتصادي.
هذا الواقع العجيب يعود بشكل أساسي إلى افتقار أجهزتنا الاقتصادية الديناميكية اللازمة للتفاعل مع المستجدات الاقتصادية، انقلبت معها المكاسب الاقتصادية إلى أزمات وكوارث اقتصادية، وهناك عجز تام غير مبرر في إيصال هذه الظروف الإيجابية التي نتمتع بها على مستوى اقتصادنا الكلي إلى مكاسب على مستوى الاقتصاد الجزئي، بحيث يلمس المواطن أثر هذا التحسن في تحسن مماثل في أوضاعه المالية ومستوى معيشته. بل قد يكون الذي حدث العكس تماما، فالكثير من المواطنين، وبسبب انهيار سوق الأسهم وارتفاع معدلات التضخم، وجدوا أن أوضاعهم المالية والمعيشية تراجعت ولم تتحسن. وأصبح من الطبيعي جدا أن تسمع مواطنا يسترجع الأوضاع الاقتصادية أيام كان سعر برميل النفط 15 دولارا، والميزانية تعاني عجزا كبيرا، وديننا العام يوازي حجم ناتجنا المحلي الإجمالي أو يزيد. وما تقاذف كرة التضخم بين وزارة التجارة ومؤسسة النقد إلا دليل واضح على افتقار هذه الأجهزة لأي رؤية تصحح وضعنا الغريب، فمؤسسة النقد تنفي أي دور لتراجع سعر صرف الريال في هذا التضخم، بينما تخلي وزارة التجارة نفسها من أي مسئولية عن هذا الارتفاع وتبرره بارتفاع سعر صرف اليورو، في تناقض غير مقبول بين جهازين تنفيذيين يفترض أن كليهما حريص على دقة تفسيراته، وتناقضهما الواضح يجعل إمكانية قبول تفسيراتهما في الوقت نفسه قد يكون صعبا. وبشكل عام يمكن إيجاز أهم مظاهر القصور في أداء أجهزتنا التنفيذية الذي أدى لهذا الوضع في التالي:
1- عدم قدرة أجهزتنا المالية والنقدية على إدارة السيولة المتدفقة على اقتصادنا، نتيجة ارتفاع إيراداتنا النفطية وعودة بعض الاستثمارات الخارجية، ما تسبب في تضخم السوق المالية بصورة غير مبررة، حيث ظل الجميع يتفرج على فقاعتها التي كانت تتكون وتتضخم أمام مرأى الجميع دون تدخل، رغم امتلاكنا وسائل عديدة تمكننا بكل سهولة من تحاشي الكارثة القادمة المؤكدة، إلا أن أيا من ذلك لم يتم، وحدث الانفجار العظيم، وتبددت الثروات واتسعت دائرة الفقر والمديونية.
2- عدم قدرتنا على توفير فرص عمل مناسبة للمواطن، فرغم الطفرة الهائلة التي نتمتع بها وضخامة أعداد الداخلين الجدد إلى سوق العمل من المواطنين، إلا أنه وبسبب فشلنا في اتخاذ خطوات فعالة لإصلاح سوق العمل، بقيت فرص العمل المتاحة للمواطن محدودة وبأجر متدن جدا، ما أعاق دخول الشباب بكفاءة وفاعلية لسوق العمل، وزاد من ضغوط قطاع الأعمال لفتح الاستقدام على مصراعيه. أي أن كل ما ترتب على هذه الطفرة الضخمة هو ارتفاع في الطلب على اليد العاملة الأجنبية متدنية الأجر وتضييق إضافي في فرص العمل المتاحة للمواطن، وفي ظل ارتفاع معدلات التضخم وتدني مستويات أجور الداخلين الجدد لسوق العمل وارتفاع معدلات البطالة زادت معاناة المواطن وتراجعت قدرته على تأمين احتياجاته الأساسية، فالدخل العائلي لم يرتفع بما يكفي لتعويض تراجع قيمته الحقيقية نتيجة ارتفاع معدلات التضخم.
3- عدم قدرتنا على الاستجابة للتغيرات في أسواق النقد العالمية، حيث بقينا مشدوهين دون حراك أمام تراجع حاد مستمر في سعر صرف الدولار دون أن نتخذ أي خطوة لحماية اقتصادنا، من خلال رفع قيمة عملتنا أمام الدولار أو فك ارتباطها بالدولار وربطها بسلة عملات، ما زاد من معدلات التضخم وفاقم من مشكلة تراجع الدخل الحقيقي للأفراد
===============
تعليقي:: مع المقاطعة سوف نحقق الهدف
وحسبي الله ونعم الوكيل