موقف التجار يضر بالاقتصاد
سعود الأحمد
وحصل ما توقعناه، وتوقف بعض التجار عن بيع المتكدس لديهم من بضائع بأسعار السوق الحالية. ولم نلمس على أرض الواقع أفكاراً جديدة لتصريف ما لديهم من بضائع أو النظر في تقديم تضحيات تقلل من الخسائر القادمة (لا محالة). أو التفكير بعقل منفتح في قرارات تعود عليهم وعلى الاقتصاد الوطني بالنفع. بل على العكس، فالبعض تبنى موقفاً سيضر به وبالاقتصاد الوطني. كل ذلك بسبب سيطرة نظرة تقليدية عفا عليها الزمن، هي: إما البيع بربح أو الانتظار حتى يرتفع السعر ثم أبيع!. ولو نظرنا لهذه المشكلة من زاوية مصلحة التاجر والمستهلك والاقتصاد الوطني، لوجدنا أن من يرفعون راية مقاومة نزول الأسعار، يغمضون أعينهم عن أمور كثيرة.
فالمستهلك يستطيع شراء السلعة من الأسواق الأخرى عبر الشبكة الإلكترونية التي وصلت خدماتها اليوم إلى شاشات الهاتف المحمول. إذ يستطيع العميل رؤية السلعة على شاشة هاتفه المحمول ويحول مبلغها للبائع وهو في مكانه. ولا أدري كيف يتجاهل بعض التجار تكلفة تأثير العوامل الأخرى كتقادم موديلات البضائع التي يكدسونها في مخازنهم، وهو ما سيضطرهم عاجلاً أم أجلاً لتقديم تضحيات أكثر إيلاماً لتصريفها.
وأن هناك وكالات ليس لديها قدرات تمويلية تمكنها من تحمل مصاريف تخزين لفترات طويلة، وتحمل تكلفة تجميد رأس المال في صورة بضائع مكدسة في المخازن لأنها ببساطة تعيش على ميكانيكية دوران رأس المال. كما أن المصانع الأجنبية ليست جميعها تمنح تسهيلات بموجبها ترسل بضائع لتفرغ منها مخازنها، ولا تنتظر التصريف. ثم إن مبدأ معاداة المستهلك من شأنه أن يولد روح التباعد والكره فيما بين المستهلك والوكيل وتبقى آثارها طويلاً.
إضافة إلى أن هذا الأسلوب يعود بالسلب على السوق المحلي وعلى الاقتصاد الوطني في الحاضر والمستقبل. فاقتصادنا اليوم يُفترض أنه مزدهر مقارنة باقتصادات الدول الأخرى وقبلة لأنظار المستثمرين الذين يعانون من خسائر في البيئات الاقتصادية الأخرى، بسبب تراكم الاحتياطيات النقدية الحكومية وتوفر السيولة لدى البنوك المحلية. مما يؤكد تفاوت الأثر الذي حصل لنا مقارنة بالركود الاقتصادي الذي بدأت آثاره تعطل عجلة الصناعة بالدول الأخرى.
كما أن التاجر الناجح هو الذي يتمتع بالديناميكية ويستطيع الاستفادة حتى من الأزمات لصالحه. ولعلي أتذكر بهذه المناسبة تجربة ماكدونالد للوجبات السريعة، بعد الكساد الكبير وبعد الحربين العالميتين ودخول العالم في أزمة اقتصادية.
عندما ابتدع فكرة البيع على الماشي ودون أن يضع مكاناً للجلوس. ومن ذلك الفكرة اليابانية «الإنتاج بلا مخزون» أو ما يسمى بالمخزون الصفري، الإنتاج اللحظي JIT): Just in time). وهو عبارة عن نظام يركز على مراقبة الإنتاج والمخزون بهدف تخفيض مصاريف التشغيل التي تتكبدها المصانع لقاء تكاليف التخزين لتقارب الصفر .. للفترة من وصول المواد الخام من الموردين إلى أن يتم الإنتاج والتسليم للعملاء بلا توقف أو تأخير. كما أنني لست مع المؤسسات المالية في سياستها تشديد القيود على الإقراض في هذا الوقت، لأن ذلك معناه تعميق الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية في الاقتصاد السعودي. في حين أن الوقت والفرصة سانحة للاستفادة من هذه الأزمة والركود العالمي بتوظيف السيولة المتاحة لإنعاش اقتصادنا بتدوير الأموال في أيدي الناس ... وكما يقال الفلوس تجيب الفلوس.
وختاماً ... فإن الجهات الرسمية وفي مقدمتها وزارة التجارة أمام قضية مفصلية هامة، يجب أن تثبت أنها على قدر من المسؤولية الاجتماعية بما يمكنها من الوقوف في وجه هذا التيار الجارف. وأن كان لمثل هذا الموقف ثمن غال.
* نقلا عن صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية.
بقلم : سعود الأحمد