المقال الذي منع نشره
د.حمزة بن محمد السالم
أستاذ الاقتصاد المالي بجامعة الأمير سلطان
كان من المفترض ان يكون هذا هو مقال هذا الاسبوع
ولكن جريدتنا الغراء اعتذرت بأدب جم نظرا للاوضاع الحالية
والتي ممكن ان يؤول المقال في غير محله فارت مشاركتك فيه لإنه مقالي وذو قيمة عندي
بكى العالم ارتفاع أسعار البترول فبكينا معه وقدمنا نفطنا قربانا على مذبح المسئولية الدولية. وأتت الأزمة المالية فافتخرنا بحزمنا وحنكتنا فأبناء الوطن لا منازل لهم فتباع ولا قروض يخشى من عدم سدادها فقد حُجرت رواتبهم وارتُهنت عليها بعد أن فنت في سوق القمار السعودية. وبكت أمريكا شعبها وبنوكها فأبكت العالم معها فقدموا أموالهم وإعلامهم قربانا لإنقاذ بنوك أمريكا ومدخرات أبنائها، ولكن السعودي لا بواكي له.
بلادنا ديار الإسلام، ومعقل لا إله إلا الله فصدق بلا منازع قول الشاعر
قــم للوطـــنْ.. وانثــر دماك لـه ثمـن *** واخلع فديتـــك كل أســـباب الوهــــن
فــإذا قُتلــتَ فلســت أنــــــت بميــــت *** فانعـم بعيــش لا يبيــد مــع الــزمـــن
أوطن بلا موطن؟ وطني وطن يتبارى شيوخه وشبابه في تقديم نفوسهم رخيصة دون ذرة تراب من أرضه وهم لا يملكون شبرا منه. وطني قد أرهقت أبناءه ديون تلاشت في مقامرات الأسهم 'النقية'. وطني قد قُدم فيه الأجنبي بغير حق لتحقيق غايات ذاتية لقوم لم يحملوا ولن يحملوا قط إلا هم أنفسهم وهم تحقيق أهدافهم الوضيعة. وطني قد وُظف أبناءه بأجور تُعد جريمة استعباد عند الغرب الرأسمالي! فمن يبكي أبناء وطني؟ بكت أمريكا أبنائها الذين فقدوا منازلهم وأبكت العالم أجمعه معها حرصا على أن لا يفقد أبنائها مدخراتهم أوأعمالهم، ولكن السعودي لا بواكي له. وقفت أمريكا حازمة لم تلن ولم تتهاون أمام أطروحات استعباد أبنائها بأجور زهيدة كالتي نفرضها نحن لأبنائنا والتي عند التأمل لوجدنا أن العبد الرقيق في السابق كان أفضل حالا من حيث توفير إطعامه وإسكانه وعلاجه، فهل الآلفان والثلاثة من الريالات قادرة على الإطعام والإسكان و العلاج.
في وطني نحن طرفان في الرأسمالية والاشتراكية نأخذ الأسوأ منهما، فاقتبسنا من دول الشيوعية التكتيم والتشكيك وانعدام الثقة وإعطاء المسئول مرتبة الربوبية فلا يُسأل عما يفعل وهم يسألون. واقتبسنا من فكر الرأسمالية الطبقية البغيضة وسحق الطبقة الوسطى.
تشدق المتشدقون واشغلوا أبناء وطني في تنظير هذه الأزمة المالية العالمية بالأساطير والتدليس والتلبيس فأين هم عن إقطاعي الأراضي كيف ملكوها وبكم باعوها ولم لا تُأخذ زكاتها وقد أُخذت الزكاة من غُنيمات عجوز بدوية. أين نحن من الرأسمالية؟ نحن لنا فيها الصدر دون العالمين أو القبر.
يا من أدعى الإحسان فأقرض الناس فوق جهدهم وطاقتهم بابتداع حيلة ظنا منه أنه يحتال بها على الله هلا ابتدعت حيلة وبحثت عن قول من هنا أو هناك فأرجعت للناس أموالهم التي أحرقتها سوق القمار بمباركة أهل الحيل الذين كان أكبر همهم أن يؤخذ تصديقهم لتنقية الأسهم وتصفيتها لتكون أسهم قمار خالصة لا شائبة فيها.
بعد أن عمل على جلب الآلف المليارات لوطنه وبعد أن أسكن الفقير والضعيف، بكى قرينسبان أبناء وطنه يوم الجمعة الماضي وتحمل جزءا من المسئولية عن الأزمة الحالية وأما أبناء وطني فلا بواكي لهم. أين من غذى سوق القمار السعودية وناصر وروج لها ووعد وأخلف من المسئولين والإعلاميين على حد سواء؟ ألا يتقدم أحدهم منهم فيبكينا كما بكى قرينسبان أبناء وطنه ويعترف بشيء من المسئولية فيقترح خطة إنقاذ لنا قد تأخرت طويلا.
هناك في معقل الرأسمالية لا توجد حواجز النفاق والتملق التي أعمت أبصار مسئولينا وأصمت أسماعهم فأحست الدولة بآلام أبنائها وسمعت أنينهم فبكت وأبكت العالم معها فتحملت كثير من ديون بنوكها وديون أبنائها على حد سواء فهل بُكي السعودي فتتحمل الدولة ولو إعادة التمويل لديونهم التي تحملوها بفوائد مركبة عالية (يعتبرها الغرب الرأسمالي جريمة ويعاقب عليها كجريمة الربا) فضلا على أنه يسعى في تخليص أبناءنا منها فتدخل لإعادة تمويلها بأسعار فوائد مخفضة! ولكن السعودي لا بواكي له.
من أبنائنا من يهدم الوطن بتقريب الأجنبي وإبعاد الوطني. التاكسي رزق شريف لمن لا رزق له وملجأ للعاطل والمطرود من عمله إلى حين. باعد الله الجشع والطمع، في وطني تُطبق الرأسمالية في أقصى صورها فتحتكر قلة قليلة هذه الصناعة فتستولي على رزق الآلف من بُسطائنا ومساكيننا. في وطني مسئولون قد برعوا في التملق البغيض والنفاق الرخيص قد بعثهم الله بعد سبات طويل لعقود من الزمن في دهاليز كهوف النسيان فآثروا حثالة زرق العيون شقر الشعور على ابن الوطن خيانة للأمانة ولأبناء الوطن وجهلا منهم وحسدا.
في روسيا ودول الاتحاد السوفيتي سابقا وأوربا الشرقية لا يستطيع القضاء إجبار المالك على الخروج من منزله ولا يسجنه إذا عجز عن سداد الدين ولا يُمكن البنك من الاستيلاء على المنزل المرهون! ويعيب الغرب الرأسمالي ضعف قوانين الرهن عند هذه الدول الاشتراكية (سابقا) وينصحهم بالحزم في تحصيل الديون ببيع البيوت. أين الغرب عن المتشدقين منا من الذين فاضت حكمتهم، فنادوا بالاعتبار من الأزمة المالية العالمية فاقترحوا زيادة الضمانات والتشديد على أبناء وطني في نظام الرهون! فماذا بعد الاستيلاء على راتب الأب وراتب الأم وعلى المنزل والأرض ثم السجن بعد ذلك؟ أساطين الرأسمالية تقف حيارى لا تحسن نطقا ولا تعبيرا.
تذكرني هذه الأزمة بقصة تروى عن قوم غزو جيرانهم وعاد فريق منهم إلى ديارهم وتلقاهم البسطاء والعجائز والقُصر من قومهم يسألونهم الخبر حدثوهم بأساطير البطولات والملاحم. فسألتهم عجوز منهم كم قتلت منهم فأجابوها خمسة بتعظيم الصوت وتضخيمه فسألتهم العجوز مرة أخرى وكم قتلوا منكم فأجابوها خميسمية فقط بتصغير الرقم وتخفيض الصوت، فكبر القوم وهللوا واحتفلوا بالنصر المؤزر.
خليلي ألا تبكياني ألتمس خليلا إذا أنزفت دمعا بكى ليا