كتاب اليوم
حليمة مظفر
الجيوب "الطفرانة" بعد العيد
لا أعلم إن كنتم تحنون معي إلى أيام زماااااان حين كنا نحتفل بالعيد على عفويته وبراءته منذ بضعة عقود؛ أيام "القلابة" الخشبية ومراجيح الحبال التي كنا ننتظرها من عيد لعيد لكي تغرز أخشابها في الأرض معلنة المرح والفرح في قلوبنا الصغيرة وأجسادنا الضئيلة؛ أيام الفساتين المنفوشة ـ كانت الموضة ـ والبرنيطة ـ يا عيني ـ ونبدأ سعينا نحن وعيال الجيران في البحث عن الحلوى والعيدية.
أيام كان للعيد طعمه حين يبدأ معلنا قدومه في تكبيراته مع شروق الشمس، فيجمعنا تحت مظلته لترى رجالا ونساء يتوجهون إلى المصلى ومن الزحام لا تجد مكانا بينهم، فيما تبقى الأبواب بعد صلاة العيد مشرعة تستقبل زوار بيوتها دون تذمر أو نعاس، أيام كانت قبل أن تغزونا وسائل الاتصالات السريعة التي تبلدت معها أحاسيسنا، وحولتنا لذوات الدم البارد، وجعلت من العيد مناسبة تمر علينا كما يمر قطار سريع أمامنا ننتظر ذهابه بتذمر لنكمل السير.
لا شك أن متغيرات الحياة الاجتماعية والعملية والاقتصادية والتقنية تحاول خنق العيد لاعتبارات عديدة، وفي اعتقادي هذا العام أن ما أضعف بهجة العيد في وجوه أصحابه هو تسببه في "طفرنة"جيوب المواطنين في ظل الغلاء الفاحش، والذين في معظمهم يعتمدون على الرواتب "الحيلة"، وزاد من الأمر سوءاً أنه يتزامن مع العودة للمدارس، والتي تتطلب من الأسرة السعودية في ظل التضخم الاقتصادي أن تدخر حتى لا تستدين، وإن كانت البنوك جيوبها "عمرانة" وهي تلتهم نصف رواتبنا، ناهيك عن مصاريف رمضان التي عمرت جيوب تجار الأغذية في ظل صوم رقباء وزارة التجارة عن مراقبة الأسعار حتى تحولت الأسعار إلى أشباح مخيفة للفقراء ممن أصبحوا يتجهون نحو خط العدم في بيوت الصفيح الموجعة.
لا أريد أن "أعكنن" عليكم عيدكم الذي أتمنى أن يكون سعيدا وفرحا وعامرا بالعافية والخير، ولكن أردتُ ـ هنا ـ الإشارة فقط إلى أهمية أن يُوضع تخطيط زمني واقتصادي يتناسب مع "جيوب" المواطنين والتضخم الاقتصادي الذي لا يرحم، فأن يأتي رمضان والعيد وتليهما بأيام قليلة العودة إلى المدارس، شيء يحول العيد إلى "أزمة" للأسر من ذوي الدخل المحدود، فكلتا المناسبتين تلتهم الجيوب سريعا، ولا يعلم ربّ الأسرة هل سيشتري فساتين العيد وبدلاته لأطفاله كي يفرحوا بها، أم يشتري ثياب المدرسة وحقائبها ودفاترها وأقلامها ؟!
بصراحة بسيطة جدا، أتمنى من المسؤولين في التخطيط أن يضعون في حساباتهم حاجات المواطن ومتطلباته ومسؤولياته حين يضعوا قراراتهم، إنها ليست مجرد قرارات تُوضع ويوقع عليها بسهولة ليطلب منا كمواطنين تنفيذها، بل ينبغي عمل دراسات وأبحاث واستفتاءات للوصول إلى قرارات تتناسب اقتصاديا واجتماعيا مع المواطن الذي في نهاية الأمر يُطلب منه تنفيذها، فلن يفيد المجتمع أن يكون نصفه مديووووناً وربعه معدماً وعشره يحسبونها بـ"القطارة" فيما الخمس فقط يمضون العيد في الشانزليزيه وشرم الشيخ ويستمتعون بملايينهم .
هنا
احسنتِ
ما الفائدة من قرارات جعلتنا فقراء في اغنى بلد بالعالم