مكافحة الغلاء بـ 400 ريال
كافحت وزارة المالية بالمملكة موجة الغلاء الأخيرة، برفع قيمة رخص القيادة على المواطنين إلى أربعمائة ريالٍ سعودي، حسب التصريح الأخير لمدير إدارة المرور، ويأتي هذا الإجراء الغريب في الوقت الذي يتعرض المواطن المغلوب على أمره لغزواتٍ منظمةٍ قائمة لا تفتر، وغاراتٍ متكررةٍ لا تقصر، لانتهابه من قبل - بعض - عصابات القطاع الخاص ! فالإيجارات ارتفعت بشكلٍ يفوق الجنون، وكذا الحال لأسعار السلع الاستهلاكية الأساسية، وكانت نسب الارتفاع أحياناً تقارب أو تفوق 50% ! دون محاسبةٍ من مسؤولٍ، أو سؤالٍ من رقيبٍ !
ثم ما شأن المواطن بتحديد سقفٍ زمني لرخصة قيادته يصل إلى عشر سنواتٍ، مقابل أربعمائة ريالٍ ؟! وهب أن الرخصة فقدت خلال هذه الحقبة الزمنية الطويلة، هل يلزمه إعادة دفع المبلغ ثانيةً لصالح قطعةٍ بلاستيكيةٍ تصل قيمتها إلى أقل من ريالٍ واحدٍ ؟!
في الصفحة الأخيرة من جواز السفر، يجد المواطن بضعة تعليماتٍ خاصةٍ بجواز سفره، من ضمنها معلومة تقول : إن قيمة جوازه تصل إلى ثلاثمائة ريالٍ سعودي، وهذا كلام عارٍ عن الصحة تماماً، فالمواطن يدفع ثلاثمائة وعشرين ريالاً، وأحياناً ثلاثمائةٍ وثلاثين ريالاً قيمة تجديد الجواز إذا لم يمتلك حساباً لدى بنك الرياض، أو شركة الراجحي المصرفية ! تذهب ثلاثمائة ريال إلى وزارة المالية، وتذهب الثلاثون أو العشرين ريالاً إلى جيب الوسيط الذي يحوم حول بوابة الجوازات عارضاً على المراجع خدماته، والذي يمتلك - غالباً - حساباً في إحدى هذين البنكين، دون أن تتدخل وزارة الداخلية أو المالية لحل هذه المعضلة الغريبة، وفتح الباب أمام جميع البنوك السعودية للمشاركة في حل أزمة المواطن، ولك أن تتخيل قيمة تجديد عشر جوازاتٍ مثلاً !
أسهب خبراء الاقتصاد كثيراً في شرح أسباب ارتفاع الأسعار المتلاحقة، وانصبت مجمل التحليلات والتخمينات إلى ارتفاع أسعار النفط، وتراجع الاقتصاد العالمي عن النمو، مع أن أسعار النفط آخذة في الانخفاض مؤخراً، إلا أن عواصف الارتفاع لا تزال عاليةً، بل وتتنامى في مقابل صمتٍ مطبقٍ من المسؤولين والمواطنين .
ولا توجد آلية دقيقةٍ للمحاسبة أو المراجعة، ولن توجد، فقد بحت أصوات الشرفاء والمحتجين من المواطنين، وإذا فكر شريف من الناس في المساهمة بحل هذه الأزمة، عن طريق الكتابة أو المناقشة، أو رفع قضيةٍ على وزارة المالية لدى الجهات المختصة كديوان المظالم، أو الديوان الملكي، فسيجد أمامه مئات العوائق والمثبطين، بل والمشككين والوشاة بأنه يدعو إلى التهييج والتحريض والتجمهر والتجمع والفتنة ! وأنه لا يوجد أفضل مما كان، سوى الرضا بالواقع وعدم التشكيك في الإجراءات أو التفكير في الاعتراض !
وهنا تتنامى دوامة الانهزامية النفسية لدى الفرد والجماعة، والاتكالية على الغير، وتتفشى السلبية، ويود العاجز أن يكفيه الآخر مؤونة الشكوى أو الكتابة، دون أن يفكر ولو مرةً واحدةً في تغيير واقعه نحو الأفضل، بالوسائل السلمية المشروعة التي لا تخالف شرعاً ولا قانوناً .
ومابين دورك أنت أيها المتضرر في رفع الضرر عن نفسك أولاً، ثم عن عباد الله، ودور وزارة المالية التي فرضت تلك الرسوم على المواطنين دون سؤالٍ أو استشارةٍ أو دراساتٍ علميةٍ قائمةٍ على تلمس الواقع والحاجة، يدور سؤال آخر عن وظيفة مجلس الشورى، الذي دعا بعض أعضائه إلى إلغاء المكافئة الجامعية للطلاب، والتي تساهم دراهمها المعدودة على رتق حاجة الطالب، ورفع الحاجة عن بعض أسر الطلاب، بل إن بعضهم سخروا من الإجراءات التي اتخذتها بعض الدول الخليجية المجاورة، من رفع سلم رواتب موظفيها، مساهمةً من المسؤولين في كبح جماح الغلاء !
وكأن القوم تمالؤوا عن بكرة أبيهم في رمينا عن قوسٍ واحدٍ، دون أن يدرك صناع القرار في الوزارات المعنية، أن بعض الأسر لا تمتلك القدرة الشرائية لكثيرٍ من السلع الأساسية، وتنوء عشراتٍ منها بثقل فاتورة الكهرباء أو الهاتف، لشركاتٍ ضخمةٍ حققت أرباحاً طائلة من خلال امتصاص دماء المواطن، دون أن تقدم مردوداً مناسباً على شكل خدماتٍ عامةٍ للمواطن أو الوطن .
قل هذا إن شئت عن شركات الحديد والإسمنت، والتي حاولت الاحتجاج مؤخراً لدى الدولة، على إيقاف تصديرها للخارج، لأن في ذلك الإجراء الحيوي المتخذ من قبل المسؤولين، كبح لجماح أسعارها لصالح المستهلك .
لا يمكن للمتضررين أن يلوذوا بالصمت أمام هذه الضربات القاسية الموجعة، لبعض الوزارات والشركات الخاصة، والتي تكال بصفةٍ مستمرةٍ ومنتظمةٍ لهذا الإنسان المغلوب على أمره، الإنسان الذي لا يملك غير الحوقلة وهز الرأس، وترديد كلمة الله المستعان عقب كل قرارٍ قاصمٍ ! دون الانتقال للخطوة التالية، تفعيل المحاسبة، وتسليط الضوء على معاناة الإنسان على ثرى هذه الأرض، أمام أطماع من لا يخشى الله تعالى ولا يتقه !
حسن مفتي
كاتب سعودي
خاص بصحيفة (
سبق )
الالكترونية
المصدر
.................................................. ...............................................
أجدت بمقالك
وتسليط الضوء على معاناة الإنسان على ثرى هذه الأرض،)