العودة   منتدى مقاطعة > مجتمع مقاطعة التفاعلي > مناقشات المستهلك > مقال جميل-"ترشيد استهلاك الذات"

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 12-08-2008, 02:22 PM   #1
Saudi Mqataa
إعلامي المنتدى

 
رقـم العضويــة: 4093
تاريخ التسجيل: Aug 2007
المشـــاركـات: 2,362

افتراضي مقال جميل-"ترشيد استهلاك الذات"

ترشيد استهلاك الذات «1»




بقلم / إبراهيم بن محمد البوشفيع

الاسم:	1.jpg
المشاهدات: 148
الحجم:	4.7 كيلوبايت
63053@SE.COM.SA


الترشيد في الحياة
كثيراً ما تبذل الحكومات والشركات ذات المسؤوليات الضخمة إعلانات وإرشادات بشأن الترشيد في مجال الخدمات «الكهرباء - الماء - الوقود - الهاتف الجوال..»، بل وتعدى ذلك حتى إلى الغذاء!! كما لاحظنا ذلك في الآونة الأخيرة بعد موجة الغلاء الجنونية التي اكتسحت الأسواق، فظهرت مطالبات بتحسين العادات الغذائية وترشيد استهلاك الطعام.
ولكن وللأسف- قلما نسمع أصواتاً تنادي بترشيد استهلاك الذات البشرية!!
نعم، إن الكثير من الناس ينشغل في عمله ويستهلك جميع قواه في مجال عمله، فتراه يحترق غضباً لأي سوء تفاهم بينه وبين رئيسه أو زميله في العمل «بخصوص العمل طبعاً»، وبالطبع تراه يعيش حالة من التفاني والذوبان في بذل أقصى ما يستطيع فعله في سبيل زيادة دخله بمقدار بسيط، هذا إذا لم نقل بأنه ثابت تقريباً!! فإننا نلاحظ بأن الكثير ممن يعملون بشكل منتظم وهادئ وبمعدلٍ معقول، يحصلون على نسبة تقييم أو دخل مشابه أو يزيد على من يعيش حالة الاستهلاك المرَضي.


السيد مُخلص

وهذا ما يُفسّر نفسية عقدة «الضحية» أو «الشهيد» الذي يحملها أغلب هؤلاء الأشخاص. كيف لا؟ وهم يرون بأنهم يتفانون حباً في العمل، بينما غيرُهم يترقى سلم الترقيات والعلاوات بجهدٍ لا يصل إلى نصف جهدهم.
وفي الحقيقة، ومع احترامنا لهذه النوعية من الموظفين، إلا أنهم يستهلكون ذواتهم وأنفسهم بشكل عشوائي، وغير منظم أو محسوب العواقب.
فكما أن الله سبحانه وتعالى أمرنا بترشيد استهلاك المال أو الطعام حين قال تعالى:﴿ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ [1] فقد أمرنا كذلك أن نرشّد في استهلاك ذواتنا حتى في مجال طاعته وعبادته، إذ لا رهبانية في الإسلام، بل علينا أن نوازن بين عبادته وبين سائر شؤون حياتنا ولذاتنا بالحلال، يقول تعالى:﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [2] .

فاتورة استهلاك ذاتك، من يدفعها؟؟
فما أحوجنا إلى ترشيد استهلاك أنفسنا في العمل أو في أي مجال آخر جرياً وراء شهرة أو مالٍ أو أي مأرب آخر، وذلك بالتضحية بأمور أخرى أهم، كمن ينشغل عن عبادة الله بمتجره أو أمر دنيوي آخر، أو عن عائلته أو أصدقائه. وكلنا قد قرأ أو سمع قصة الولد الذي يلوم والده على قلة الوقت الذي يقضيه معه، فأخبره أبوه بأن وقته في العمل ثمين، فكل ساعة تساوي 100 دولار، فما كان من الولد إلا أن سأله بعد أسبوع أن يقضي معهم ساعة واحدة مقابل 100 دولار ادخرها الولد لأبيه!!
وأنا أسأل بدوري هذا النوع من الأشخاص، هل تساوي جميع أموال الدنيا ساعةً يرتمي فيها ابنك في حضنك تلاعبه ويلاعبك؟؟ أو ابتسامة رضا من زوجتك وهي التي ترى العالم بأسره في وجودك معها لحظة واحدة؟؟ أو هل يساوي كلُ ذلك كلمة "الله يرضى عليك" من والديك العجوزين؟؟
أترك الحُكمَ لك..

زهو الشركات

يقول الدكتور ريتشارد كارلسون صاحب سلسلة الكتب الأكثر مبيعاً في العالم «لا تهتم بصغائر الأمور» وهو يتحدث عن مثل هذه الحالات التي يُسميها «زهو الشركات» بشكل رائع، فيقول: "إن زهو الشركات هو التفاخر بين الآخرين بكثرة ما يشغلك، وقسوة أعبائك، وتجعل ذلك محول حديثك كما لو كنت تحمل الشرف بأنك لا تذوق طعم النوم ولا تتمتع بخصوصيتك. لقد سمعت من مئات الأشخاص وهم يتحدثون عن عدد ساعات العمل اليومية التي يعملونها وعدد الساعات التي لا تتوفر لديهم من أجل نومهم عندما يأوون على فراشهم ليلا، وعن أناس نال منهم التعب حتى صار جزءاً لا يتجزّأ من حياتهم. كما يذكرون مواعيد وصولهم لأعمالهم وطول مدة الشهور التي انقضت منذ آخر مرة كانوا فيها مع زوجاتهم وأطفالهم... ورغم أن «زهو الشركات» عبارة مُبهمة، فإن الاتجاه نفسه ليس قاصراً على من يعمل في مجال الشركات، بل أصبح عادة يبدو أنها تسللت إلى اغلب الناس الذين يتكسبون من أعمالهم.
وقبل أن أمضي، دعني أؤكد لك أنني لا اقلل من شأن الناس الذين يكدّون، وإن المشكلة تكمن في أن الزهو بمدى انشغالك في العمل هو بمثابة انعكاس لما تتعرض له من توتر مما يجعلك مركّزاً تماماً على أكثر الجوانب السلبية في عملك، وقد صارت هذه العبارة تمثّل نبوءة للإشباع الذاتي، وتؤدي بك إلى الانصراف إلى العمل كلية"[3] .

هل هي قسمةٌ جائرة؟؟
هنا تسألني، إذن، كيف يتميّز عنّي من لا يعمل مثلي - أو من لا يبدو عليه ذلك- وفي النهاية تساويني به؟ أليس ذلك من الإجحاف والحيف في الميزان؟!
وأنا أجيبك، بأن الأشخاص الناجحون، هم ليسوا من يهتمون بكمية ما ينهون من أعمال، أو مقدار الوقت الذي يقضونه في أعمالهم؛ بل هم من يهتمون بنوعية وجودة ما ينتجون.
أنا أعرف بعض الأشخاص الذين لا أكاد أراهم لفرط ما يقول لي: "إني مشغول لدرجة أني لا أستطيع أن أحكّ فروة رأسي"!! وفي الوقت ذاته، هناك من الأشخاص من أتحدث معه، ويزورني وأزوره، ويكسر روتين العمل بالكثير من الأعمال والزيارات، ولكنه في الوقت ذاته لم يجرح جسد العمل بأي خدش، بل كان يقوم بعمله على أكمل وجه، وبدون أي ملاحظاتٍ تمسُّ جودة عمله ودقته.

هل تريد أن تكون مثلهما؟؟
قرأت مرة من المرات قصة مؤسفة عن أحد الموظفين في إحدى الشركات الكبرى، كان لديه مكتبٌ مُستقل مكشوف على بقية الموظفين. يأتي قبلهم، ويمضي بعد رحيلهم بوقت طويل، وهو دائم الإنهماك في عمله لدرجة أنه لا يتواصل مع أحدٍ من زملائه.
وفي أحد الأيام، ولفرط تعبه واستهلاكه لقواه، أصابته نوبة قلبية في نهاية اليوم أدت إلى وفاته!! فبقي على كرسيه لا يعلم عنه أحد!!
مضى الجميع كعادتهم، وهو كعادته في كرسيه، أتوا في اليوم الآخر، ولم يفاجئهم وجوده قبلهم، وحتى نهاية اليوم، وللأسف.. لم يلحظ موته أحد.
وحين اكتشفوا ذلك في اليوم التالي، كل ما فعلوه هو استبداله بموظف آخر، وعاد العمل كما لو أنه لم يكن معهم في يوم من الأيام.. فالضحكات نفسها، والمزاح نفسه بين الموظفين، فهم لم يحسوا بوجوده، حتى يشعروا بمكانته بفقدانه!!
قصةٌ أخرى لموظف آخر سمعتُ عنه من أحد معارفه، كان هذا الموظف يبذل جهداً غير عاديٍ في العمل، فهو من نوعية «مدمني العمل»، وفي أثناء فترة تقييم أداء الموظف أُعطيَ تقييماً كان يراه أقل مما يستحق، وبما أنه بذل جهداً كبيراً في العمل فقد كان حلُمُه وآماله تكبرُ معه، فما كان منه إلا أن أصيب بخيبة أمل كبيرة وحسرةً ملأت قلبه قيحا، أدى ذلك إلى وفاته بعد أسبوعٍ من تقييمه.
وقبل أن أنهي هذه الحلقة من هذا الموضوع - آملاً أن أكمله لكم في مقال لاحق- أختم بهذه المقولة للإمام موسى بن جعفر الكاظم إذ يقول: «اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله. وساعة لأمر المعاش. وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات» [4] .
وانتظروني في الحلقة القادمة لمعرفة أركان ترشيد استهلاك الذات.

[1] سورة الأعراف، الآية 31

[2] سورة القصص، الآية 77

[3] لا تهتم بصغائر الأمور في العمل، د. كارلسون، ص 26.
[4] تحف العقول - ابن شعبة الحراني - ص 409 - 410

___________________________

كلنا فداء للوطن







Saudi Mqataa غير متواجد حالياً  
 

مواقع النشر


ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:22 PM.