الأسعار.. حاسبوا الرقابة أولاً
الأربعاء, 4 فبراير 2009
أ.د. إبراهيم إسماعيل كتبي
يبدو أن الشكوى من الأسعار باتت لا معنى لها ويضرب بها عرض الحائط ، وكأن الجهات الرقابية لا تعيش بين الناس أو في بلد آخر ولا تتحرك إلا لبلاغات فردية، فالحاصل في الأسواق من سعار على رفع الأسعار ليس له صدى رقابي، ولا ندري لماذا هذا هو حال أسواقنا تحديدا وبماذا نسميه سوى أنها فوضى التسعير والجشع بلا رقيب ولا حسيب، وكافة الأسعار تقريبا أدلة دامغة لإقامة الحجة.
المطاعم مجرد مثال واحد على سلخ وشوي الناس فقراء وأغنياء على السواء، وكل حسب مستواه في نهب الجيوب. هل تصدقون أن بعضها يقدم الوجبة بأكثر من مائتي ريال للفرد الواحد، ولو كانوا أربعة فعليهم أن يدفعوا ألف ريال صاغرين.. فلمن يعترضون ولمن يشكون ؟.
فهل أصبحنا في بلد آخر غير البلد أو في كوكب ثان؟ وهل تقدم لنا المحلات والمطاعم ما ليس على الأرض من سلع ووجبات وخدمات تكلفتها الحقيقية معروفة وموادها موجودة في السوق من لحوم وأسماك ومكونات السلطات والمقبلات، إلا إذا كان لديهم مزارع تسمين خاصة يدللون أبقارهم وأغنامهم فيها بـ (الخس الأمريكي والبقلاوة) ويربون الأسماك بأعلاف من القمبري الجامبو؟!.
هؤلاء يذنبون بتوحشهم على جيوب المستهلكين، ويستغلونهم دون وازع من قناعة أو ضمير، لأنهم لا يشعرون بمتابعة ولا يتوقعون عقوبات صارمة، لأن المعنيين في وزارة التجارة والبلديات تركوا الحبل على الغارب، فلا رقابة على الأسعار ولا على الأسواق،حتى الخدمات في كافة المجالات تضاعفت أسعارها (ومن لا يعجبه فالبحر قريب).
إن هذا الجشع يا سادة أوجد تضخما لا مبرر له كان يفترض أن يتراجع، فأوجدوا فقراء جدداً، وأحدثوا خللا خطيرا في مفهوم الفقر ومستوياته، أما الفقراء أصلا فأصبحوا معدمين وتحت خط الفقر بمسافات. ومن الظلم ترك هذا الاستغلال، ومن الخطأ الظن بأن صمت الناس وصبرهم هو رضا وانبساط، فهم مغلوبون على أمرهم وما بيدهم حيلة أمام جبروت التجار والبائعين حتى لو كان فصفص. فقد تجرأ الكل على رفع الأسعار بعيون قوية بدءاً من المطاعم الشعبية وصولا إلى كل المستويات، ومحلات الأجهزة والأدوات بأنواعها والخدمات والعمال الذين ضاعفوا أجورهم، والمضطر يركب الصعب، إلا إذا كان المطلوب أن لا يأكل الناس ولا يشترون ولا ينجزون احتياجاتهم.
صحيح الترشيد مطلوب والاعتدال حميد وديننا يحث عليه، لكنه ليس حلا سريعا ولا كافيا، والحل الأساس والنظامي هو الرقابة والتسعير.. لماذا لا يتم هذا وذاك مثل كثير من بلاد العالم، كل مطاعمها تخضع لمستويات سعرية بالشوكة.. هذا شوكتان وذاك ثلاث وأربع وهكذا مثل نجوم الفنادق، وتوضع قائمة للأسعار في كل مطعم.
ليس من الصعب أن يمر موظفو الرقابة ويسألون عن الأسعار وبناء على التكلفة والخدمة وهامش الربح، تتم المحاسبة وتفرض عقوبات، فمن غير المعقول أبدا أن يكون مشروب مياه غازية بريالين أو ثلاثة في مكان وبعشرة في آخر، ووجبة للفرد كانت بعشرات الريالات ثم تحولت إلى مئات.
أعتقد أن الحل لدى وزارة التجارة بالتعاون مع إمارات المناطق والبلديات والمجالس البلدية، والأمر يستحق التحرك لمراقبة الأسواق رحمة بالناس. وليت الوزارة تقوم بدراسة دقيقة وتحدد الأسعار وتعلن قوائمها على موقعها وتنوه عنها في وسائل الإعلام المحلية كافة، وتلزم بها السوق، وتأكدوا أنها ستصل للمستهلكين. وبطبيعة الحال لسنا ضد أن يربح التاجر، ولا يهم أن اختلف السعر ريالات قليلة لفارق التكلفة بين محل وآخر، لكن كون أسواقنا مفتوحة لا يعني التلاعب وانعدام الرحمة وفرض الغلاء كأمر واقع.
إن موجة ارتفاع الأسعار انتهت من معظم العالم، بل يعاني اليوم من ركود جراء الأزمة الاقتصادية، وبدلا من أن نشهد عروض تخفيض يحدث العكس، وهذا هو التناقض الذي لا نفهمه ولا يصدقه عقل الخبير ولا يتحمله دخل المستهلك .