تسميم الإنسان أخطر أم رفع أسعار الأسمنت؟
علي الجحلي
تقوم وزارة التجارة - مشكورة - بنشر إعلانات تفضح من خلالها مخالفي أنظمة التسعير أو الأحكام التي تلتزم بها الدولة مثل قوانين منظمة التجارة العالمية والاتفاقية العامة للتجارة والتعرفة. تتم هذه الإجراءات بهدف حماية المواطن من جشع التاجر سواء من خلال رفع الأسعار أو منع وصول التموينات للمواطنين، وهذا من صميم عمل الوزارة.
تغيب عن الصورة جمعية حماية المستهلك، لأنها مشغولة بالمشكلات الإدارية والتناحر على الكراسي. لا يمكن اليوم الدخول إلى موقع الجمعية، وهي الوحيدة في العالم التي وصلت إلى هذا الحد من البعد عن المستهلك والاشتغال بالذات، بل إنها تبدو فاقدة حق البقاء.
تبقى وزارة التجارة، إذاً، الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن يلجأ إليها المواطن، وهي جزء من البيروقراطية التي نشأت بسببها جمعيات حماية المستهلك الأهلية في كل دول العالم. الإشكالية في الجهات الرسمية هي طول إجراءاتها ومرور المعاملات فيها بدهاليز وتنظيمات تتعلق بالصلاحية والاختصاص، وهو ما جعل المنظمات الأهلية أقرب لمعالجة مشكلات المستهلك في كل دول العالم. هذا ليس هدف مقالي، إنما كان بمنزلة توارد الخواطر.
قرأت الأسبوع الماضي خبراً عن حالة تسمم تعرضت لها عائلة مكونة من أربعة أفراد، اكتشف تسممهم بسبب حالة الوهن التي أصابت الجميع بعد أكل وجبة من أحد مطاعم الرز البخاري في مدينة الرياض، الإشكالية أننا لم نعلم ماذا حل ببقية العملاء، وما الإجراء النظامي الذي طبق بحق المطعم؟
تعودنا خلال السنوات الماضية أن نرى مطاعم مخالفة تغلق بسبب التسمم، من مطاعم الرز البخاري أو الأسماك أو الفول وتوابعه، وهي منشآت ينشئها ويديرها مواطنون أو مقيمون بسطاء بهدف الربح السريع، دون أن تكون لمنشآتهم أسماء تجارية ذات سمعة عالمية، لكن يبدو أن غياب حماية المستهلك وسوء الإدارة وانعدام الرقابة على هذه المنشآت، أدت إلى ظواهر خطيرة جداً، تتمثل في قيام منشآت تحمل أسماء عالمية بمخالفات أدى بعضها إلى تسمم الناس. انتشار حالات التسمم في الفترة الأخيرة، خصوصاً في مطاعم كنا نعدها من المطاعم النظيفة، التي تحرص شركاتها الأصلية على سمعتها، مثل مطعم ساندويتشات يتبع لشركة عالمية في كورنيش الخبر الأسبوع الماضي، الذي أغلق لمدة شهر واحد فقط.
هذا الأسبوع شهد إغلاق مطعم يمثل واحدة من أشهر، إن لم تكن أشهر شركة مطاعم عالمية بسبب كشف حالة تسمم، رغم أن إعلانات هذه الشركة تدعي أنها أكثر شركة تهتم بصحة روادها من خلال استخدام المواد الطبيعية والمنتجات العضوية. المطعم لا يزال مغلقاً.. لكن لا أدري إلى متى؟
أغلقت أمانة منطقة الرياض قبل شهر تقريباً ''المطعم الشهير'' الواقع على طريق الأمير محمد بن عبد العزيز في الرياض، حيث ضبطت فرق الرقابة الصحية كمية تجاوزت ثلاثة أطنان من اللحوم والأجبان والصلصات منتهية الصلاحية في مستودعات المطعم. تم إغلاق المطعم لمدة - ولا تستغربوا - عشرة أيام، نعم عشرة أيام فقط!
هذه الحالة ستكون سابقة يعتمد عليها مالكو المطاعم الأخرى، لطلب المساواة بزميل مطعمهم الذي يحتل شارع التحلية. قبل أن يتم إغلاق مقالي لدي أسئلة:
- هل المواطن أهم أم الأغنام؟ لماذا يعلن اسم مخالف تسعيرة الشعير، ويوضع إعلان صفحة كاملة على حساب من يخالف التسعيرة باسمه وموقعه ويغلق محله، وقد ينتهي عمله في المجال نتيجة الإعلان.
- هل غذاء المواطن أهم أم الأسمنت وقطع غيار السيارات؟ ولماذا يوضع إعلان بمخالفي قواعد استيراد قطع الغيار ولا يوضع إعلان بمخالفي قواعد حماية الحياة البشرية؟
- لماذا لا يغلق المطعم الذي يستخدم مواد تؤدي إلى تسمم الإنسان إغلاقاً نهائياً حتى لا يتجرأ أحد بعدها على التعدي على صحة المواطن والمقيم؟