كيف يستطيع المواطن التعايش مع التضخم (3 من 3)نائلة حسين عطار -
مستشارة إدارية واقتصادية 28/10/1428هـ
n.attar@aleqt.com
لا توجد حلول سحرية لما يسمى غلاء المعيشة والتضخم، فتخفيض معدل التضّخم ليس مهمّة سهلة خلال فترة وجود فائض من السيولة. ولن يكون الاعتدال في الإنفاق الحكومي هو الحل لأن الإنفاق الحكومي الحالي المفروض أنه محفز للنمو الاقتصادي، والمقياس المهم لهذا النمو هو انعكاسه على المواطن، لكن الملاحظ عدم وجود انعكاس لهذا النمو على المواطنين، بل الأمر واضح تماما بأن تكاليف الحياة في زيادة ودخل المواطن شبه ثابت، مما يعني أن هذا النمو لم يحقق أهدافه بعد.
فالنمو في قطاعات معينة غير إنتاجية، لم تؤمن فرص عمل للمواطنين بحيث تخفف من البطالة وتفتح آفاقا للعمل، كما أن هناك عدة مجالات فيها نمو لكنها لا تدفع بالاقتصاد بشكل مؤثر وإيجابي، ومعظم النشاط حاليا في قطاع العقار بشكل رئيسي، أن الأصل في النمو أن يكون في قطاعات منتجة ومدرة للإنتاج ومؤثرة في سوق العمل كالقطاعات الصناعية مثلا، وخاصة في منتجات النفط وصناعة السلع الاستهلاكية التي يعتمد عليها المواطن في حياته اليومية، وأن يدخل القطاع الخاص في مشاريع تكاملية وليست تنافسية فقط لتحقيق رفاهية المواطن.
وإن كنا نتوقع أنها فترة مؤقتة وسيتحسن الوضع أكيد بإذن الله سبحانه وتعالى مع بداية عمل المدن الاقتصادية الجديدة.
ولعل السبب الأكبر للغلاء هو الفوضى التي تطغى على السوق الاستهلاكي، حيث تبقى الأسعار يتلاعب بها لوبيات الاحتكار الداخلية والخارجية، واستخدام مصطلح تحرير الأسواق في أسوأ صورة فلا توجد قوانين جدية لحماية المستهلك ولا سياسات اجتماعية حازمة وواضحة من طرف الجهات المسؤولة.
لذا كان من المتوقع أن تبدأ الدولة خطوات سريعة قبل أن تتفاقم أزمة التضخم المصاحبة بارتفاع الأسعار المتصاعد، ويتحول التضخم إلى تضخم جامح نكون مضطرين أمامه إلى اتخاذ قرارات اقتصادية مؤلمة آثارها أكبر مما نستطيع التعايش معه.
وهذه الخطوات هي تدخل حكومي عاجل لبناء أو تخصيص سكن لذوي الدخل المحدود بأسعار مناسبة مدعومة وزيادة الخدمات الصحية والتعليمية المجانية وتحسين نوعيتها، أي ضمان صحي، اجتماعي، وتعليمي ومأوى يضمن للمواطن أدنى حد للعيش الكريم، فلو انخفض إنفاق المواطن على هذه البنود الأساسية الضرورية سيتمكن من التعايش مع أزمة غلاء الأسعار ودفع فاتورة الطعام والكهرباء والمياه والهاتف والبنزين والغاز وكل الفواتير والرسوم الأخرى.
وهذا في الواقع ما تقدمه حكومات الدول الغنية لمواطنيها وإلا كيف يعيش المواطن ذو الدخل المحدود الياباني في اليابان والفرنسي في فرنسا والإنجليزي في إنجلترا، وهذه الدول وغيرها من أغلى الدول أسعاراً في كل شيء تقريباً.
إن عدم توافق دخل الفرد مع متطلبات أسعار السوق المتصاعدة باستمرار قد يكون أيضا بسبب أن نمط العيش المعاصر أصبحت متطلباته وحاجياته متنوعة وكثيرة، ويطغى عليها الإنفاق الاستهلاكي، وحب التظاهر وهو السلوك الاقتصادي المعروف للمواطن الخليجي للأسف.
ومع هذا لا يمكن اعتبار المسؤول الأول هو المواطن، بل المجتمع ومؤسساته وقوانينه ومسؤولية توزيع ثرواته بشكل عادل، إلا أن المواطن يستطيع القيام بأمور قد تساعده على التعايش مع هذا الوضع الملتهب مثل:
1. ضبط وترشيد ثقافة الاستهلاك وهي مسؤولية اجتماعية، إعلامية، وتربوية تقع على جميع أطراف المجتمع (إذا تمكن المواطن من الإنفاق على الاستهلاك).
2. تعلم ثقافة الادخار، وثقافة المقاطعة، (أيهما أكثر مناسبة لوضعه الاقتصادي).
3. الانضمام إلى جمعية حماية المستهلك (إذا استطاعت الجمعية القيام بأي دور).
4. المطالبة بإنشاء الجمعيات التعاونية والمشاركة فيها (عرفتها في مقال سابق).
5. استبدال منتجات مرتفعة الأسعار بمنتجات أقل سعراً، وإن كانت مختلفة النوعية (مما يعني التخلي عن الجودة مقابل التمتع بأدنى متطلبات الحياة).
6. خروج أفراد العائلة القادرين على العمل للعمل (إذا وجد عمل).
7. الأكل في صحون أصغر مثل الصينيين.
8. مقاطعة المحطات الفضائية والتلفزيون أساساً فلا نرى السلع المختلفة ولا إعلاناتها (ونخفض فاتورة الكهرباء).
مقاطعة أماكن الترفيه والمطاعم والاستمتاع بالنزهات المجانية (إن وجدت)
وجهة النظر هذه جادة أم ساخرة؟ مَن يدري؟
وهل نستطيع القيام بذلك؟ ربما، فدروس التاريخ الاقتصادي قدمت لنا تجارب الدول الأخرى مع التضخم وارتفاع الأسعار وهناك دوماً ضحايا، فهل سنذكر في هذه الكتب كضحايا أم كأبطال، هذا علمه عند ربي، ولكن أدعو الله سبحانه وتعالى ألا يتم ذكرنا في هذه الكتب أبداً، فهذا يعني أننا لم نعش أزمة يوما ما تستوجب الذكر أساس.
http://www.aleqtisadiah.com/article.php?do=show&id=7382