مقال خمس نجوم
دخل سعيد الصحفي الشاب على رئيس تحرير المجلة التي يعمل بها منذ أشهر قليلة بعد أن استدعته سكرتيرة الرئيس،واستقبله رئيس التحرير بحفاوة قائلاً: عزيزي سعيد .. أهلاً وسهلاً .. لقد أثبت خلال الفترة القصيرة التي قضيتها هنا أنك صحفي جاد ومجتهد.
سعيد : شكراً لك سيدي.
--------------
المدير : ومكافأة لك .. فقد قررت أن أدعوك لتكتب الموضوع الرئيسي لهذا العدد وهو عن حصار غزة.
سعيد : شكراً لك سيدي .. وبصراحة هذا موضوع يهمني جداً
أن أكتب عن غزة لما لها من معزّة خاصة في قلب كل مسلم يتألم لحصارها الظالم.
المدير : نعم .. نعم ... معك حق.
سعيد : سأبدأ على الفور يا سيدي وسيكون مقالاً مدوياً إن شاء الله.
المدير : بارك الله فيك ولكن قبل البدء هناك ملاحظة صغيرة جداً.
سعيد : ما هي سيدي؟
المدير:أنت تعرف أن مجلتنا ليست مدعومة من أشخاص كبار في الدولة.
سعيد : القصد؟
المدير : القصد أن مقالك لا يجب أن يتعرض لبعض الحكومات العربية التي تشارك في حصار غزة بشكل فاعل وتفتخر بذلك، الله يرضى عليك .. لا نريد مشاكل مع المخابرات والأجهزة الأمنية ونتهم بالإساءة للعلاقات العربية الأخوية.
سعيد:حسناً سيدي/ سأراعي ذلك في مقالي مع أني أرى أن العلاقات العربية لا يستطيع أحد أن يزيدها سوء ً!
المدير : بارك الله بك .. هناك موضوع صغير آخر.
سعيد : ما هو سيدي؟
المدير : أنت تعرف أن مجلتنا توزع في دول أوروبية وأمريكا ولا نريد أن نتهم بدعم الإرهاب وتمنع مجلتنا من التوزيع, لذا .. لا تتطرق إلى المقاومة وحق الشعب الفلسطيني في محاربة الإحتلال .. لا نريد مشاكل .. الله يرضى عليك.
سعيد : حسناً يا سيدي .. مع أني لا أفهم كيف يكون دفاع شعب أعزل عن نفسه مقابل جيش جرار إرهابا.
المدير : الله يحسن إليك وأيضاً لا نريد أن نتطرق إلى الأثرياء العرب والتجار وصرفهم للملايين من الدولارات على ألعاب نارية وعلى المطربات والراقصات بينما أهل غزة يموتون من الجوع، أنت تعرف أن مصدر دخل المجلة هو من الإعلانات ...
وهؤلاء إذا زعلوا منّا فلن نرى إعلاناً واحداً..وسنموت من الجوع.
كظم سعيد غيظه وقال:
حسناً يا سيدي هل من أوامر أخرى؟
المدير : لا يأمر عليك ظالم يا إبني .. ولكن لا أريد أن أوصيك .. لا تتطرق إلى أطفال غزة وهم يموتون جوعاً ومرضاً بينما أجهزة الإعلام العربية مشغولة بمسابقة ملكة جمال الأغنام، وأجهزة الإعلام الغربية مشغولة بكلب عثر عليه الجيش الأمريكي في العراق، وتطالب بمنحه حق اللجوء السياسي في أمريكا .. لا نريد أن تزعل منا منظمات الرفق بالحيوان.
سعيد : سبحان الله .. وماذا بعد؟
المدير : لا شيء .. هذا كل شيء .. شكراً لك.
سعيد: أنت متأكد؟ لا شيء بعد؟ لا نريد أن يزعل منّا أحد .. لاسمح الله!
المدير : ما دمت قد ذكرت ذلك وبما أن حوار الأديان على قدم وساق هذه الأيام فلا نريد أن نتهم بتعطيل هذا الحوار..فأرجو عدم ذكر شيء عن اليهود واضطهادهم للفلسطينيين وإهانتهم لمقدسات المسلمين حسناً؟
سعيد : حسناً سيدي!
خرج سعيد غاضباً من رئيس التحرير الذي كلفه بكتابة مقال عن غزة بهذا الشكل.
وفي اليوم التالي سلّم سعيد المقال إلى رئيس التحرير وكان كالتالي:
غـــــــــــزة
غزة منتجع صحي سياحي من الدرجة الأولى، يعيش سكان غزة أجمل أيامهم بعد أن قرروا إتباع نصائح الأطباء في الوصول إلى نمط الحياة الصحية القائم على ترك كل أنواع الطعام التي تساعد على إرتفاع نسبة الكولسترول والضغط والوزن، وكذلك التخلص من أهم مسببات التلوث وهي مشتقات النفط والبنزين واللجوء إلى رياضة المشي المفيدة للجسم والعقل، خصوصا لكبار السن والمعاقين والمرضى والنساء الحوامل. أما المستشفيات والعلاج .. فقد ثبت بما لا يقبل الشك بأن الدواء التقليدي يسبب الأمراض ويعطل جهاز المناعة لدى الجسم، ومن الأفضل اللجوء الى طرق العلاج القديمة بالأعشاب, ولذا .. فإن أهالي غزة رجالاً ونساء وأطفالاً يتوجهون بجزيل الشكر إلى الحكومات التي تشارك في حصار غزة لما يوفرونه لهم من أسلوب عيش صحي وسليم بعيداً عن مغريات الحضارة الضارة بالصحة. كما يسألون الله أن يوفر لكل من شارك في هذا الحصار المفيد والجميل من الحكومات العربية الفرصة لعيش هذه التجربة الجميلة هو وعائلته وأولاده. وكذلك يتقدمون بجزيل شكرهم وخالص اعتذارهم للحكومة الإسرائيلية عن اضطرارها لتجنيد آلاف الجنود للتأكد من عدم وصول المواد الضارة آنفة الذكر إلى منطقة غزة الصحية. وكل حصار وأنتم بخير.
----------------
وهذا من مشاكل الصحف العربية