ويتطلب أسلوب الترغيب تطبيق نوعين من الحافز : وهما :
الحافز المعنوي
ويقصد بالحافز المعنوي التقدير السليم للعامل المجد والاعتراف بجهده والإشادة بفضله
إذا أحسن صنعا وذلك تشجيعا له على مزيد من الإنتاج وإبعادا له عن الفساد ,
: ( لا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء , فإن في ذلك تزهيدا لأهل الإحسان في الإحسان ,
وتدريبا لأهل الإساءة على الإساءة )
, ويقول – صلى الله عليه وسلم – : ( إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه )
ويقول : ( من لا يرحم الناس لا يرحمه الله)
والحافز المعنوي يتطلب من الرؤساء ما يلي :
• الأخذ بيد الموظف الجديد فيدربوه ليحسّن من معرفته وأدائه للعمل .
• التعرف على جهوده والتشييد بها وتنمية مواهبه وإبداعاته .
• معاملة الموظفين معاملة حسنة بدون تمييز إلا على أساس الكفاءة وحسن الأداء .
----------------------------
الحافز المادي
وهو أن يتوفر لدى الموظف الأجر المجزي مقابل العمل الذي يؤديه ,
ولعل استقرار وصلاح العمالة النسبي في الدول المتقدمة أن مؤسساتها – حكومة أم قطاع خاص –
تعطي العاملين المرتب المجزي الذي يغطي ضرورات الحياة له ولأسرته .
كان النبي – صلى الله عليه وسلم – وخلفاؤه الراشدين يراعون في تقدير الأجر الأعباء العائلية للفرد العامل
وصعوبة العمل ومستوى غلاء المعيشة في المناطق المختلفة من الدول الإسلامية ,
فالأجور في مصر كانت أقل من الأجور في إقليم الحجاز نسبة للرخاء الذي كان سائدا في مصر ,
وكان النبي – صلى الله عليه وسلم – يعطي المتزوج من الجند حظين والأعزب حظا واحدا من الفيء ,
وكان يقول – صلى الله عليه وسلم - :
( من ولي لنا أمرا وليس له منزلا فليتخذ منزلا , أو ليس له زوجة فليتزوج , أو ليس له دابة فليتخذ دابة ) .
---------------
ويجدر بالذكر أن أسلوب الترغيب بالحوافز المعنوية هو ما نادت به الإدارات الحديثة , فتمثلها ( ماسلو ) , فيذكر ( النمر وآخرون : 73 ) أن ماسلو قام بترتيب الحاجات الإنسانية على شكل هرم تمثل قاعدته الحاجات الفسيولوجية الأساسية وتتدرج تلك الحاجات ارتفاعا حتى تصل إلى قمة الهرم حيث الحاجة إلى تحقيق الذات , وكان من بين تلك الحاجات ( الحاجة على التقدير والاحترام ) .
أما أسلوب الترغيب بالحوافز المادية فقد نادت به الإدارة العلمية , فقد وضع ( فايول ) أربعة عشر مبدءا من مبادىء الإدارة كان من بينها : ( مبدأ المكافأة والتعويض ) , ويذكر (الشلعوط : 38 ) أن هذا المبدأ يتضمن على أن مكافأة الأفراد ووضع أجورهم بصورة عادلة يعد ركنا أساسيا في العمل إذ يقتضي بإنصاف العاملين ووضع طرق وإجراءات واضحة لدفع أتعاب الأفراد كل حسب جهده وعمله .
• أما أسلوب الترهيب : فيعتني باستخدام أسلوب التخويف بأنواعه المتدرجة ويشار إليها في الإدارة الحديثة بالحافز السلبي .
فقد كان سيدنا عمر بن الخطاب – رضي اله عنه – من أكثر الخلفاء تطبيقا لأسلوب الترهيب على الولاة والعمال في الدولة الإسلامية , فقد كان شديدا على الولاة والعمال ومن مقولاته : ( إن أهون شيء عندي أن أضع واليا مكان والٍ إذا اشتكى منه الناس ) وكان يقاسمهم أموالهم إذا تكاثرت دون مبرر وكان يعاقبهم إذا رأى فيهم الفساد أو الانحراف المالي .
ويتمثل أسلوب الترهيب لمكافحة الفساد الإداري في مفهوم الرقابة على أداء العاملين بهدف كشف الأخطاء وتصحيح الانحرافات قبل أن تستفحل و والرقابة هو الوظيفة الرابعة من وظائف المدير أو القائد وتنتهي إلى الاطمئنان إلى سير العمل الإداري وفقا للخطة الموضوعة تماما دون إخلال .
وتبدأ الرقابة للفرد المسلم بالرقابة الذاتية التي يمارسها الموظف المسلم على نفسه بدافع من ضميره الحي , غير أن الإنسان بشر معرض للخطأ وقليل من الناس من تردعه نفسه عن الزلل ولذلك فإن المرء يحتاج إلى رقابة عليه , ولقد جعل الله تعالى مسئولية الرقابة مسؤولية جماعية تقوم بها الدولة والمجتمع المسلم بأكمله , ونستدل على ذلك قول عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – : ( أرأيتم إن استعملت عليكم خير ما أعلم ثم أمرته بالعدل فيكم , أكنت قضيت ما علي ؟ قالوا : نعم , قال : لا , حتى أنظر في عمله أعَمِل بما أمرته أم لا ) .وتتركز الرقابة الإدارية السليمة في أمرين أساسيين :
1. وضع القوانين واللوائح والأساليب التي توضح الأخطاء الإدارية وتحدد العقوبات المناسبة لها .
2. تطبيق هذه القوانين بعدل وحزم دون تفريط أو إفراط .
لقد أدرك عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – منذ أول يوم من توليه نقطة البداية في الفساد الإداري , فجمع أهل بيته وقال
لهم : ( إن الناس ينظرون إليكم كما ينظر الطير إلى اللحم , فإذا وقعتم وقعوا وإن هبتم هابوا , وإني والله لا أوتي برجل منكم وقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العذاب لمكانه مني ) .
ويذكر ( محمود , 2 ) أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – رفع شعارا لمحاربة الفساد وهو ( الحاكم في رقابة المحكوم ) , فيحكى أنه دعا الناس فصعد على المنبر فقال : ( يا معشر المسلمين , ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا ... ؟ إني أخاف أن أخطىء فلا يردني أحد منكم تعظيما لي , إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني , فقال رجل : والله يا أمير المؤمنين لو رأيناك معوجا لقومناك بسيوفنا ) , وعندها أجاب الخليفة الزاهد والفرحة تعمر قلبه قائلا : ( رحمكم الله والحمد لله الذي جعل فيكم من يقوّم عمر بسيفه ) .
علاج الفساد الإداري من منظور الإدارات الحديثة
تتعدد وتتنوع الإدارات الحديثة والتي انتقلت إلينا عبر العولمة وعصر الانفتاح التكنولوجي المتسارع الذي نعيشه , ومن وجهة نظري الشخصية أرى أنه من الضروري الاستفادة مما جلبته لنا رياح الفكر الإداري غير الإسلامي بعد تمحيصه وتطويعه وفق مبادئنا وقيمنا المستقاة من كتاب الله وسنة نبيه – صلى الله عليه وسلم – .
ومن هذه الإدارات التي يمكن استخدامها كمدخل لعلاج ظاهرة الفساد الإداري , ما يلي :
1. إدارة الصراع :
يذكر ( بحر : 4 ) أن نفس الإنسان تختلج فيها جوانب الخير والشر , وإن النفس أمارة بالسوء ولذلك نجد الإنسان في صراع دائم مع النفس , ولقد جاء وصفه في القرآن الكريم بأنه : { إذا مسه الشر جزوعا * وإذا مسه الخير منوعا } (المعارج : 20 – 21 ) .
فلابد لنا من إدارة الصراع الداخلي الذي يشعر به الفرد عن طريق ما يلي :
• تزويد الفرد بالقيم والاهتمام بالتنشئة الاجتماعية السلمية المدعمّة للقيم والمفاهيم الإسلامية في مجال العمل .
• العمل على تحديد معيار للرواتب يوافق مستوى المعيشة السائد في المجتمع وظروف الغلاء حتى يشعر الفرد بالرضا عما يتقاضاه ولا يشعر بالصراع بين قوى الشر المتمثلة في الرشاوى والتزوير وغيرها وبين قوى الخير النابعة من فطرته القومية التي فطر الله الناس عليها .
2. إدارة الذات :
إدارة الذات أمر مهم جدا , ويقصد بها " الطرق والوسائل التي تعين المرء على الاستفادة القصوى من وقته في تحقيق أهدافه وخلق التوازن في حياته ما بين الواجبات والرغبات والأهداف" ( إدارة الذات : 1 ).
فيجب على الفرد أن يعمل جاهدا في إدارة ذاته ليبعدها عن الشبهات وطريق الحرام محققا بذلك أهدافه بالحلال ومبتعدا عن طريق الحرام .
3. إدارة التغيير :
يقصد بإدارة التغيير : " سلسلة من المراحل التي من خلالها يتم الانتقال من الوضع الحالي إلى الوضع الجديد , أي أن التغيير هو تحول من نقطة التوازن الحالية إلى نقطة التوازن المستهدفة " ( إدارة التغيير والموارد البشرية : 1 ) .
ومن ضمن المتغيرات التي تفرض على المجتمع التغيير : ( درجة المعاناة من قسوة الوضع الحالي – مدى وضوح الفوائد والمزايا التي سيحققها التغيير ) .وبالنسبة لموضوع البحث وهو ( الفساد الإداري) نجد أن درجة المعاناة من قسوة الوضع المعايش بسبب الفساد الإداري يتوجب علينا الاستفادة من إدارة التغيير للانتقال بالوضع إلى نقطة توازن أفضل .
4. إدارة الأزمات :
لا يعتبر الفساد الإداري أزمة بحد ذاته فقط بل هو مولد لأزمات متعددة داخل المنظمة , ولعلاج الفساد الإداري من منظور ( إدارة الأزمات ) يمكن إتباع الخطوات التالية :
• تكوين فريق عمل متكامل يعمل بتعاون للقضاء على الفساد الإداري ومسبباته داخل المنظمة
• حل المشكلات المصاحبة للفساد الإداري بتحديد المشكلة وإجراء المشورة ومن ثم اختيار الحل الأنسب من الحلول المتاحة للخروج من الأزمة .
5. الإدارة بالأهداف :
وهذا المدخل يؤكد على ضرورة العمل الجماعي بروح الفريق , والمشاركة الفعالة والإيجابية بين الرئيس والمرؤوس , ويحقق الرقابة الذاتية من أجل تحقيق الأهداف ( أحمد : 303 ) .وحيث أنه من أحد أسباب الفساد الإداري غموض الأهداف وعدم وضوحها , وجب على كل منظمة تسعى إلى علاج ظاهرة الفساد الإداري أن تمارس أسلوب الإدارة بالأهداف .
6. إدارة الاتصالات :
ويعني الاتصال تبادل المعلومات ووجهات النظر والتعبير عن المشاعر والأحاسيس , وفي إدارة الاتصالات يجب تشجيع الأسئلة وتبادل الأفكار المطروحة بين الموظفين وتوجيه النقد للعمل الخاطىء في الوقت المناسب و إيجاد مناخ إيجابي للاتصال يسمح بتقبل أفكار الآخرين (أحمد , 1423 هــ : 194 ) .
وحيث أنه من أحد مسببات الفساد الإداري هو عدم كفاية الاتصالات بين الرئيس ومرؤوسيه , كان لابد من الاهتمام بإدارة الاتصالات وممارستها بفعالية حتى يستطيع المدير أن يقوم الوضع الخاطىء داخل المنظمة في الوقت المناسب .
7. الإدارة بالمشاركة :
ويقصد بالإدارة بالمشاركة : " المشاركة في القدرات والأداء مع الجميع والاعتماد على الإجماع " , فيجب على كل فرد في المنظمة أن يكون له رأي وصوت مسموع حتى يعتبر نفسه جزء من المنظمة ويتولد في داخله الولاء لها ( الصعوبات في تنفيذ الإدارة بالمشاركة : 1 ) .
إن هذا الاتجاه حث عليه الإسلام قبل الإدارات الحديثة , يقول جل وعلا : { فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين} .
8. إدارة الجودة :
تسعى إدارة الجودة إلى التحسين المستمر , والتحسين المستمر الذي تسعى إليه الجودة لا يقتصر فقط على الخدمة أو السلعة , بل يتعداه ليشمل مستوى الكفاءة في الأداء الوظيفي وتنمية العلاقات المبينة على المصارحة والثقة بين العاملين في المنشأة ( العديلي : 38 ) .
وهذا الاتجاه ليس بجديد على الفكر الإسلامي , يقول تعالى في وصف القرآن : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن الكريم لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} ( الإسراء: 88 ) , ويقول – صلى الله عليه وسلم – : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) .
فإذا راعت المنظمة الجودة في أدائها على المستوى الذاتي وعلى مستوى المنظمة ابتعدت عن أحد مسببات الفساد الإداري .
9. إدارة الإبداع :
حيث أن أحد مسببات الفساد الإداري هو قتل الرئيس للإبداع لدى المرؤوسين خوفا من ارقيهم وخوفا على منصبه من الضياع , فيمن للمدير الناجح أن يستخدم أسلوب إدارة الإبداع وعدم كبت المواهب داخل الموظفين وإدارتها على الوجه الأكمل بما يخدم مصلحة العمل وليس كبتها لخدمة المصالح الذاتية .
10. الهندرة ( إعادة هندسة العمليات الإدارية ) :
وتعرّف على أنها : ( إعادة التفكير الأساسي وإعادة التصميم الجذري للعمليات الإدارية لتحقيق تحسينات جوهرية في معايير قياس الأداء الحاسمة مثل التكلفة والجودة والخدمة والسرعة , وهو منهج لتحقيق تطوير جذري في أداء الشركات في وقت قصير نسبيا " ( إعادة هندسة العمليات الإدارية : 1 ) .
ويضيف المقال المنظمات ذات الوضع المتدهور والأداء المتدني هي من أكثر المؤسسات التي تحتاج إلى عملية الهندرة وإعادة هندسة العمليات الإدارية , وهذا الوصف ينطبق على المنظمات التي تعاني من الفساد الإداري .
11. الإدارة بالاتفاق :
ويقصد بهذا الاتجاه " مجموعة من التوقعات المشتركة بين إدارة المدرسة والعاملين بها بحث ينظر إليها بعد الاتفاق على أساس أنه عقد نفسي بينهما مع الالتزام به سلوكيا , بحيث يتولد عن هذا الاتفاق ثقة متبادلة بشرط أساسي وهو الإيمان المتبادل بالشخص وبقدراته وإمكاناته واستعداده , ويرى ( أحمد : 310 ) أن الإدارة بالاتفاق تقوم على :
• وضع تصور لمتطلبات العاملين في المنظمة وطرق الوفاء به .
• وضع تصور لمتطلبات المنظمة من العاملين .
• تحديد متطلبات كل فرد داخل المنظمة تجاه الآخرين عن طريق الاتفاقات الفردية والجماعية .
إن الطريق لعلاج ظاهرة الفساد الإداري يحتاج إلى هذا الأسلوب لتحديد متطلبات العاملين تجاه بعضهم البعض وتجاه المنظمة , ومتطلبات المنظمة من عامليها لتكون الصورة واضحة بعيد عن الغموض وليشعر الفرد بالولاء للمنظمة التي يعمل بها ويبعد عنه الصراعات الداخلية التي يمكن أن يشعر بها نتيجة تصارع قوى الخير والشر داخله .