الإعلام بين ميثاق الشرَف المِهني وفوضويَّة الواقع
كسمة الواقع تحوَّل الفضاء الرحب إلى ساحةٍ مِن الفوضى، وباتت الأفكارُ تترنَّح يمينًا ويسارًا، ويقع المُتلقِّي في فخِّ البلبلة، فتختلط لديه المفاهيم، ويكتمل إطارُ الفوضَى.
فالحقُّ أنَّ ميثاقَ الشرَف المِهني الذي يصون قيمةَ الكلمة، ومفهومَ الإعلام الهادف الذي يرقى بالأمم - قد تعرَّض لهزَّاتٍ عنيفة، بعدما اختلط الحابلُ بالنابل، واخترق مجالَ الإعلام غيرُ المُتخصِّصين.
ولو تأملنا عالَمَ الإعلام حولنا سنجد العجَب العُجاب، فليس بالضرورة أبدًا أن تكونَ مهنيًّا إعلاميًّا! فالشُّهْرةُ هي جواز مُرورك، وكأنَّ الإعلامَ لا صاحب له ولا مُدافِع عنه، بعد أن تغيَّرت المفاهيم، واختلفت الرُّؤَى، وتحكمَّت المادةُ بطريقةٍ طاشتْ معها مبادئُ الإعلام الهادف.
وسط ما نرى مِن قلبٍ للمفاهيم تكفيك جدًّا الشُّهرة، لكي تحطَّ رحالك على أرض الفضائيات، بعد أن صار المعيارُ: (كم)، وليس: (كيف)!
الإعلام (عِلْم)، و(مبادئُ)، و(أصول)، و(قيمة)، له خَصَّصَت الجامعاتُ كليات خاصَّة، وله أيضًا خَصصَّت كثيرٌ مِن الحكومات (وزارة).
ليس معنى النجاح والشُّهرة أن أيَّ إنسان يصلُح للعمل الإعلامي، ولكن - في حدود علمي - أنَّ خريجي الإعلام - الذين يفهمون قيمته وقِيَمَه - يُعانون من الحصول على عملٍ يُناسِب مؤهلاتهم، في حين فاضتْ أرضُ الإعلام بغير المتخصصين؛ إذاعةً، ونقدًا، وصحافةً، وغير ذلك كثير!
إنَّ جانبًا كبيرًا مِن اللوم يُلقَى على عاتق الإعلاميين أنفسِهم، الذين سمحوا لغيرِهم باسْتِباحَةِ أرضهم، فنبتتْ عليها أشياءُ متطفلةٌ، تأخذ من القيمة ولا تُضيف، وتهبط بالمستوى، ولا تنصف ميثاق الشرف الإعلامي.
في ظلِّ ما نراه من قلبٍ لحقائقَ كثيرةٍ، ورؤيتنا لوجوه تطل علينا جبرًا، نستطيع القول: إنَّ الإعلامَ الموجَّه هو نتاجٌ طبيعي لإسناد الأمور لغير أهلها، وفْق حسابات المصلحة بشتى صورها.
إنَّ للكلمة قيمتَها، والناسُ تستقي أفكارها - بل وتوجُّهاتها - من الإعلام، فإنْ وهنت الكلمة - وغالبية غير المتخصصين في الإعلام ويمارسونه لا يجيدون القراءة والكتابة، فمِن أين لهم الأفكار؟! - تقزَّم الإعلام، وسادتْ تجارة الأفكار والعقول والمبادئ.