هل كان قرار استحواذ "سابك" على "جنرال إلكتريك للبلاستيك" خاطئاً أم طعما ؟
د.فهد إبراهيم الشثري
قد يمر كثير من المديرين التنفيذيين بمراحل صعبة تتطلب منهم اتخاذ قرارات مصيرية بالنسبة للمنشأة التي يديرونها، وقد يكون لتلك القرارات آثار سلبية أو إيجابية على المدى القصير، لكن العبرة بأثر تلك القرارات في المدى البعيد. فمهما قيل عن قرار
"سابك" شراء وحدة البلاستيك لـ "جنرال إلكتريك" فإنه لا عبرة ولا حكم موضوعي على هذا القرار إلا بالنظر إلى آثاره المستقبلية في مستقبل الشركة.
فعلى الرغم من أن قرار شراء وحدة البلاستيك لـ "جنرال إلكتريك" قد يبدو تبعاً للظروف الحالية قرارا غير حكيم وخطوة متهورة من "سابك"، إلا أنني أخشى أن تغير الظروف في المستقبل قد يجبر كثيرين على تغيير نظرتهم تجاه هذا القرار، وهنا فإنه سيكون من المحرج لمن انتقد الخطوة التي اتخذتها "سابك"، أن يعود ويثني على هذا القرار مرة أخرى.
لا أقول هذا الكلام من باب الدفاع عن "سابك" أو عن الإدارة التنفيذية للشركة، ولكن للتحذير من الانقياد خلف من يستخدم مثل هذه الظروف للنيل من شركة عريقة مثل شركة سابك، ولكيل الاتهامات جزافاً ودون أدنى اعتبار للموضوعية في تحليل القرار الذي اتخذته الشركة للاستحواذ على وحدة البلاستيك لشركة جنرال إلكتريك.
لذلك، أريد أن أوضح أن القرار اتخذ في وقت معين وتبعاً لظروف وأبعاد تختلف عن ظروف الوقت الحالي، ومن باب الإنصاف الحكم على الشيء تبعاً للظروف المصاحبة له.
فالأزمة المالية غير المتوقعة حتى من "الاحتياطي الفيدرالي" نفسه أسهمت في تغير الظروف بعكس ما كان متوقعاً عند اتخاذ القرار وبالتالي سارت الأمور عكس ما توقعه متخذو القرار في "سابك". لكن على المدى البعيد فإن قرار الاستحواذ سيحقق للشركة كثيرا من الفوائد التي سيكون من الصعب أن تحصل عليها لو لم تدخل في هذه الصفقة.
ولتقييم قرار الاستحواذ الذي اتخذته "سابك" لوحدة البلاستيك لشركة جنرال إلكتريك فإنه من الأجدى الإجابة عن التساؤلات التالية: هل كان السعر الذي دفعته "سابك" مبالغاً فيه؟ ماذا ستحقق "جنرال إلكتريك للبلاستيك" لشركة سابك؟ وهل كانت عملية الاستحواذ طعماً التقمته "سابك" بسهولة؟ بالنسبة للسؤال الأول، فإن الإجابة يجب أن توضع في إطارها الزمني الصحيح الذي ترافق مع انتعاش ومنافسة شديدة على اقتناص الفرص.
فحسب بولمبرج تنافس على عملية الاستحواذ مع "سابك" شركات أخرى مثل أبولو مانجمنت والشركة الهولندية للبلاستيك "بازل إن في"، اللتين تجاوزت قيمة عروضهما لشراء وحدة البلاستيك عشرة مليارات دولار أمريكي.
مما كان لزاماً على "سابك" تقديم عرض أعلى للحصول على صفقة الاستحواذ على وحدة البلاستيك لـ "جنرال إلكتريك" على اعتبار أن خسارة هذه الصفقة ستوفر لمنافسيها ميزة الدخول إلى أسواق قد تحرم "سابك" منها.
أما بالنسبة للإجابة عن السؤال الثاني المتعلق بما ستحققه هذه الصفقة لشركة سابك فيجب أيضاً أن تكون إجابة هذا السؤال معتمدة على تحليل العوائد على المدى البعيد لا القصير، وهنا أشير إلى ما ذكره أحد مديري شركات البلاستيك في هيوستن في الولايات المتحدة من أن هذه الصفقة ستوفر لـ "سابك" الخبرة التسويقية والميزات التقنية التنافسية للدخول إلى أسواق جديدة سيكون من الصعوبة بمكان الدخول إليها فيما لو تمسكت بمناطق إنتاجها التقليدية.
أي أن الاستحواذ على وحدة البلاستيك سيمكن "سابك" من أن تكون أقرب إلى عملائها وبالتالي سيوفر لها ميزة الدخول الأسهل إلى 21 دولة أخرى منها الصين, البرازيل, الهند, اليابان, وتايلاند وغيرها من الدول. وبالطبع يجب أن ننتظر حتى تزول آثار الأزمة المالية العالمية لكي نستطيع الحكم على ما إذا كان هذا الاستثمار لـ "سابك" سيحقق لها فعلاً ما تصبو إليه.
وقد يتساءل البعض لماذا قامت "جنرال إلكتريك" ببيع وحدة البلاستيك، وهل كان هذا طعماً تورطت "سابك" فيه؟ من خلال استعراض ما كتب عن الموضوع فإن المبرر الأساسي لذلك هو سعي "جنرال إلكتريك" إلى تنويع محفظتها الاستثمارية بقطاعات استثمارية أقل عرضة للتقلبات الاقتصادية كالاستثمار في قطاع الرعاية الصحية ومعدات الحفر والتنقيب عن الغاز.
حيث وجدت "جنرال إلكتريك" أن ارتفاع الطلب العالمي على البتروكيماويات والانتعاش الاقتصادي العالمي بشكل عام سيمنحها فرصة بيع الوحدة بسعر أفضل مما لو انتظرت لمدة أطول، هذا مع العلم أن وحدة البلاستيك لشركة جنرال إلكتريك حققت مبيعات تجاوزت 6 مليارات دولار وأرباحاً صافية مقدارها 674 مليون دولار في العام الذي سبق عملية الاستحواذ, مما ينفي مقولة أن تكون شركة جنرال إلكتريك قد أرادت التخلص من وحدة البلاستيك لعدم جدواها الاقتصادية أو لعلمها أن هذا القطاع لن يكون مربحاً في المستقبل.
*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.