منقول الوطن
كتاب اليوم
تركي عبدالعزيز الثنيان ماذا يريد المواطن من الميزانية؟ يريد المواطن أشياء كثيرة، أهمها ثلاثة أشياء: سكن آمن، رعاية صحية مقبولة، وعمل محترم. كلام نظري عام، والأهم أنه ممكن التطبيق.
أولا: السكن. يمكن توفير السكن بأسعار رمزية- إن لم تكن مجانية- عبر الإنماء الحضري للقرى والمدن الصغيرة المتاخمة للمدن الكبرى، وفيها أسعار الأراضي تقترب من المجانية،عدا عن كون كثير من أراضيها حكومية فيمكن التصرف فيها بكل سهولة - وإن كنت أفضل البيع الرمزي على المنح المجانية. في التنقل يود الناس أن يكونوا على قرب مع الأمكنة التي اعتادوها. لهذا، إنماء مدينة مثل المزاحمية المجاورة للرياض، سيكون خيارا ليس مرعبا للانتقال لسكان مدينة الرياض ولمن يود أن يسكن بجوار مدينة كبيرة. بالطبع الانتقال لن ولا يمكن أن يكون بدون أن يكون هناك إنماء متكامل الأطراف. بمعنى، أن يتم إنشاء مستشفى ، وجامعة، ومجموعة مراكز حكومية تكفي لسد احتياج الناس اليومي المعتاد-مرور استقدام وجوازات مثلا، بالإضافة إلى تقديم حوافز ذات معنى للقطاع الخاص، كخصم 50% من فواتير الكهرباء مثلا، وإعفاء جزئي ضريبي للمستثمر الأجنبي. أما إن تم الانتقال وبقيت الحاجة إلى مراجعة الرياض ، فكأنك يابوزيد ما غزيت. انتقال المنشآت التجارية، والأطباء والأساتذة والطلاب والفرق المساندة لهم إلى المزاحمية يخفف من ازدحام الرياض، وبالتالي انخفاض الضغوط على البنية التحتية، ويساهم في خفض الأسعار، لاسيما أسعار العقار، وينمي اقتصاديات المدن الصغيرة ، ويوفر خيارا سكنيا مناسبا للناس.
ثانيا، الرعاية الصحية المقبولة يمكن تحقيقها عبر توفير التأمين الطبي لكل المواطنين وهذا ممكن بكل سهولة، والدليل تخصيص مبلغ وقدره 44 مليار للقطاع الصحي في الميزانية الأخيرة. فلو افترضنا أن عدد سكان المملكة غير القادرين على الحصول على تأمين طبي، من ذوي الدخل الأقل من 100 ألف ريال سنويا، هم 80% من سكان المملكة، وليكن الرقم 14 مليون إنسان. لو كانت قيمة التأمين للفرد تساوي ثلاثة آلاف ريال، لبلغت التكلفة 42 مليار ريال- مبلغ أقل مما خصص للقطاع الصحي هذه السنة. تغطية 14 مليون مواطن ( وهو رقم مبالغ فيه) مع غيرهم من الأجانب المؤمن عليهم من القطاع الخاص، يعني وجود أكثر من 20 مليون مستهلك قادر على دفع قيمة العلاج والدواء، وهذا يعني الفردوس لشركات التأمين وللقطاع الطبي الخاص. 20 مليون قادر على الدفع يعني بكل بساطة أن المستشفيات الخاصة ستغطي كل أنحاء المملكة، وهذا هو هدف الحكومة الأهم، توفير رعاية صحية لكل مواطن في كل مكان. ومتى توافرت الكثافة السكانية في أي مكان، سيكون هناك مستشفى خاص أو أكثر للتنافس على تقديم هذه الخدمات. تبقى إشكاليات ثانوية ، كالمناطق النائية، أو الأمراض المستعصية، أو الحالات الشائكة التي تتملص منها شركات التأمين-هنا تتدخل وزارة الصحة مع واجبها الأهم وهو الإشراف على الخدمات بشكل عام، وتكون وظيفتها الرئيسة هذه فقط لا غير: وظيفة رقابية فقط.
ثالثا، الوظائف. يوجد حسب إحصائيات وزارة العمل 100 ألف عاطل تقريبا-أقترح أن يتم توظيفهم في القطاع الأمني. في المملكة أي إعلان عن وظيفة عسكرية، تجد الطوابير الطويلة، أي أن الوظيفة العسكرية ذات جاذبية لا تقاوم. على الجانب الآخر، تتكاثر في الصحف أخبار متفرقة عن حوادث الإجرام، لا سيما ازدياد حالات السرقة، بقلوب باردة، وأجفان هادئة. وهذا يعني وجود احتياج ووجود رغبة-عرض وطلب. علاوة على هذا، فالعاطلون في هذه المرحلة الزمنية هم نتيجة لأخطاء استراتيجية في حقبة زمنية ذهبت، لا يجب تحميل نتيجتها على الشباب فقط، بل يجب أن يساهم المجتمع في معالجة الخطأ. يوم كانت الشهادة الجامعية تعني وظيفة مضمونة في أي قطاع حكومي، وهو ما أدى إلى تراكمات بشرية في تخصصات لا احتياج لها، وانحرافات وهدر في الميول والرغبات. الآن الوضع تغير. الاعتناء أصبح أكثر جدية بالمستقبل الوظيفي ولا خوف على جيل اليوم من الحصول على وظيفة. الخوف كل الخوف على جيل الأمس. لهذا، توفير 100 ألف وظيفة شرطي سيساعد على توظيف شباب لابد من احتوائهم بدلا من أن تحتويهم الجريمة، سيسعد 100 ألف عائلة وأكثر، وسيساهم في تناقص الأخبار المؤسفة عن تزايد حالات الجريمة. وثقوا ، أننا لو احتجنا لفرض ضرائب لتمويل هذه الوظائف فلن يتوانى أحد عن تقديم ما يملك لتوفير نعمة الأمن.
التعليم لم أنسه. ولكن في تقديري أن المبادئ العامة في التعليم رائعة - دعم الابتعاث في القطاعات المهمة للدراسات العليا، مع الابتعاث الداخلي الداعم للكليات الأهلية، والدعم المالي للتعليم العام، فهذه ستكون كفيلة بمعالجة موضوع البطالة وإيجاد عمل مقبول للشباب في المستقبل. الفكرة العامة وإن شابها بعض الشوائب، فالإطار المحيط بها مثمر جداً ، وتعديل الشوائب هو أمر أقل وعورة من الاقتناع بفكرة تسيطر على التوجه العام. وهذا يزيدني قناعة أن شباب اليوم لن يعاني من البطالة بشكل مؤرق مما يعضد الثقة بأننا سننسى شيئاً اسمه "السعودة" في القريب العاجل -مع أملي أن نغلقها اليوم قبل الغد للانحرافات الاقتصادية التي سببتها ولكن لهذا يوم آخر.
ختاما، رغم أن كل ركن من أركان هذا المقال يستحق أكثر من مقال، إلا أني فضلت تضمين المقالة كل هذه العناصر الأساسية لتكون الفكرة أكثر تكاملا في مكان واحد- سكن وصحة، وعمل، وأمن، هو كل ما يحتاجه أي إنسان في أي مكان؛ توفيرها بتكاليف هادئة كفيل بتعميق الطبقة الوسطى، صمام أمان الاستقرار والازدهار في أية بقعة جغرافية. المواطن السعودي، وكحد أدنى، أبسط حقوقه التي أقرتها الشريعة، وأكد عليها النظام الأساسي للحكم، أن ينعم بهذه الخدمات لا سيما أن الميزانية غنية جدا وكل الأعناق مشرئبة.
* كاتب سعودي 3 : عدد التعليقات
التعليقات
موضوع جميل ..واتمنى لو كان عنوان المقال ..(حقوق المواطن على الدوله)مثل ماعلى المواطن واجبات فله حقوق يجب ان توفرها له الدوله..اشكر الاستاذ تركي على الموضوع
الاسم جباية المستهلك من منتدى مقاطعة
وهل المواطن شريك في الميزانية أصلا ؟ أم أنه تحصيل حاصل ؟ يحمل رقما بلا مسؤوليه في التعداد السكاني ويشار اليه عند العجز والكم في جميع المناسبات هذه ابسط الحقوق أخي تركي .
الاسم الساخـــــر
اقترح ان ترفع هذه الأقتراحات الرائعة الى المقام السامي
الاسم المسافر