مقاطع جديد
رقـم العضويــة: 10550
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشـــاركـات: 4
|
دراسة منشورة في موقع مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية
هل يمكن إنقاذ صناعة السيارات من الانهيار؟
بقلم : د. وحيد عبدالمجيد"ازمة صناعة السيارات ليست مقصورة علي الولايات المتحدة حيث تقف الشركات الثلاث الكبري علي اعتاب انهيار قد لايحول دونه تقديم دعم مالي لإنقاذها ما لم يحدث تغيير جوهري في اساليب ادارتها, فمن ديترويت إلي ميونخ إلي طوكيو, حيث أكبر معاقل هذه الصناعة علي الاطلاق, تكتسب الازمة طابعها العالمي, وبسبب هذا الطابع, لابد أن تمتد الازمة إلي كثير من الدول التي توجد فيها هذه الصناعة, وان بدرجات مختلفة في العمق والمدي بطبيعة الحال, ومن الطبيعي ان تكون ايطاليا, حيث شركة فيات العريقة, وكوريا حيث شركتا هيونداي وكيا الكبيرتان, في مقدمة هذه الدول.
واذا كانت ازمة العمالقة الثلاثة في ديترويت جنرال موتورز وفورد وكرايسلر هي التي تنال النصيب الأكبر من الاهتمام الاعلامي لفداحة الآثار التي ستترتب علي انهيارها, فالأمر لايقل خطرا بالنسبة إلي بعض الشركات اليابانية الكبري بدورها, ولذلك بدأت شركة تويوتا موتورز كورب المشهورة في خفض إنتاجها اعتبارا من أول ديسمبر الماضي, اما شركة هوندا موتورز فقد قلصت خططها للتوسع في الخارج, وخصوصا في تركيا والهند.
وفي ظل تشابكات الاقتصاد العالمي, وتنامي الشركات متعددة الجنسيات في صناعة السيارات كما في غيرها, انعكست ازمة شركة فورد الأمريكية علي شركة فولفو السويدية التابعة لها.
وتواجه الازمة نفسها اوبل الالمانية المملوكة لشركة جنرال موتورز. وليست شركة اوبل وحدها المهددة في المانيا, بالرغم من ان صناعة السيارات راسخة قوية فيها, فقد حدث تراجع في مبيعات السيارات الالمانية بنسبة18% خلال شهر نوفمبر الماضي, وفقا لبيانات اتحاد صناعة السيارات الذي يتوقع المزيد من الانخفاض خلال عام2009 علي نحو قد يفاقم الازمة التي تبدو حتي الآن أقل حدة منها في الولايات المتحدة.
ولعل أهم ما ينبغي الانتباه إليه في هذه الازمة انها ليست مجرد نتيجة للانهيار المالي الكبير, الذي بدأ في الولايات المتحدة, وانتشر في العالم, وانتج تداعيات اقتصادية تتسع دوائرها يوما بعد يوم, فالازمة سابقة علي هذا الانهيار الذي فاقمها, ولكنه لم يوجدها من عدم.
فقد كانت الازمة ملموسة في ديترويت حيث معقل صناعة السيارات الأمريكية منذ فترة, خذ مثلا حالة جنرال موتورز التي خسرت نحو20 مليار دولار خلال الشهور التسعة الأولي في عام2008 اي قبل انفجار اسواق المال وما ادي إليه من تداعيات.
ولايختلف الأمر كثيرا بالنسبة إلي شركة تويوتا التي تتصدر قائمة مبيعات السيارات في العالم7,8 مليون سيارة سنويا في2007 فأزمتها, بدأت نتيجة تناقص تدريجي للطلب في داخل اليابان, وكان من الطبيعي ان تتفاقم عندما امتد تناقص الطلب إلي السوق الأمريكية شديدة الاهمية بالنسبة إليها. ولما كان معين ادارات هذه الشركات قد نضب إلا من طلب التدخل الحكومي لانقاذ بعضها المهدد بالانهيار واقالة البعض الآخر من عثرته, يصبح السؤال عن جدوي هذا الحل ملحا, والتفكير في مستقبل صناعة السيارات بشكل عام ضروري.
فاذا كان الدعم المالي الحكومي, الذي تتسابق عليه شركات السيارات الكبري في أمريكا وأوروبا واليابان بل في الصين ايضا, يمكن ان يحل مشكلة السيولة التي تواجه هذه الشركات, فليس ثمة ما يؤكد أنه سيفيد في معالجة الازمة الهيكلية التي نتجت عن ثلاثة عوامل اساسية: اولها يتعلق بطابع صناعة السيارات نفسها والتي تنتمي إلي مرحلة سابقة علي الثورة الصناعية الثالثة التي تأخذ الاقتصاد العالمي إلي آفاق غير محدودة وتوجد أنماطا من الاستثمار أكثر ربحية.
واذا كانت وزيرة الصناعة السويدية أولفسون قد اشارت في سايق حديثها عن ازمة شركة فولفو إلي صعوبة ايجاد مشترين لاي شركة لصنع السيارات الآن, فلايعود ذلك فقط إلي فداحة الازمة المالية العالمية, فالمشكلة ابعد من ذلك, لان هذه الصناعة لم تعد من المجالات المفضلة للاستثمار منذ أن أشرقت شمس الثورة الصناعية الثالثة.
وثمة عامل ثان بالغ الأهمية, وهو ارتفاع أسعار الوقود بتأثيره المزدوج علي معدلات مبيعات السيارات من ناحية, وعلي نوع السيارات يتعين إنتاجها من ناحية أخري, فيرجع جانب مهم من ازمة شركات السيارات الأمريكية بصفة خاصة إلي التشريعات الهادفة للتوفير في استهلاك الوقود أو التي ارغمت هذه الشركات علي صنع سيارات صغيرة, ولايعني الانخفاض الحاصل الآن في أسعار النفط انتفاء هذا العامل بتأثيره المزدوج, لان هذا الانخفاض لن يطول امده, وستعاود الأسعار ارتفاعها مجددا.
ولاننسي ان تأثير هذا العامل يشمل ايضا ايجاد حالة من عدم اليقين بشأن سيارة المستقبل, وهل هي التي تسير بالبنزين ام الغاز أم بمصادر طاقة جديدة.
وبالرغم من ان الجدل حول ما يطلق عليه اعادة اكتشاف السيارة لم يصل إلي بلادنا بعد, فهو يزداد في العالم المتقدم علي نحو قد يدفع بعض المستهلكين إلي ارجاء تغيير سياراتهم أو امتلاك سيارة للمرة الأولي حتي يتبين الأمر في هذا المجال, ولا نخفي هنا, دلالة العرض الذي قدمته شركة سولار وورلد لانتاج الطاقة الشمسية لشراء شركة اوبل ولولا ان جنرال موتورز مالكة اوبل رفضت هذا العرض, لأصبحنا اليوم امام بداية مرحلة جديدة في تاريخ هذه الصناعة من خلال أول شركة لانتاج سيارات صديقة للبيئة علي نطاق واسع.
اما العامل الثالث فهو سوء الادارة الذي تحول إلي مشكلة مزمنة في شركات السيارات الأمريكية الكبري بصفة خاصة, نتيجة طغيان المصالح الكبري علي قواعد المساءلة والمحاسبة, ولذلك حذر بعض اعضاء الكونجرس الذين رفضوا خطة دعم شركات السيارات من استخدام اموال دافعي الضرائب لمكافأة سوء إدارة شركات صناعة السيارات في ديترويت.
ويمكن ان نضيف عاملا رابعا يصعب التأكد الآن من ديمومته, ولكنه سيترك اثرا لا بأس به, وهو اعادة النظر في الائتمان السهل الذي كان يحصل عليه كله من يريد شراء سيارة عبر تقسيط ثمنها, وقد يظهر هذا الأثر في سوق السيارات المصرية خلال الفترة المقبلة.
وإذا صح ان هذه العوامل تجعل الازمة هيكلية, فربما لايتجاوز اثر الدعم الحكومي لصناعة السيارات مستوي تخفيف آلام هذه الازمة مؤقتا, لتزداد بعد ذلك خصوصا اذا ادي هذا إلي تكريس طاقة الانتاج الزائد لدي كثير من الشركات.
ولما كان حجم الدعم المطلوب من الدولة لصناعة السيارات في أمريكا وأوروبا واليابان يتجاوز70 مليار دولار, فهذا يعني انه غير قابل لان يتكرر اذا لم يؤد إلي انقاذ هذه الصناعة بالرغم من ضخامة سلاسل صناعة المكونات المرتبطة بها,, واذا كان الأمر كذلك, ألا يحق لنا ان نفكر في مصير هذه الصناعة الكبري وننبه المصريين, وغيرهم من العرب, العاملين فيها إلي ان الازمة التي تواجهها لن تمر بدون تغيير ملموس قد يؤدي إلي اختفاء لاعبين كبار قدامي فيها وظهور آخرين جدد."
رابط الدراسة على الشبكة
http://acpss.ahram.org.eg/ahram/2001/1/1/ANAL1048.HTM
|
|
|