تسويق السم في الدسم
كلمة الاقتصادية
في ندوة عالمية موضوعها مكافحة الغش والتزوير في الدواء والغذاء وتحت شعار ''مقاومة الدواء المغشوش مسؤولية الجميع'' وبرعاية من اتحاد الصيادلة العرب، يسمع المستهلك صرخة تحذير من أدوية وأغذية تسبّبت في وفاة 700 ألف شخص عام 2010 فقط، وهذه الإحصائية ليست مفزعة فقط، بل تدق ناقوس الخطر، أما مَن سلموا من الوفاة فإنهم لم يسلموا من الإصابة بالملاريا والدرن، إضافة إلى إصابة مئات الملايين بأمراض مستعصية، نتيجة تناولهم تلك السموم القاتلة التي يتم تصنيفها على أنها دواء، وهي في الحقيقة مصدر الداء وسببه الأول، أما الخسائر الاقتصادية من جرّاء الدواء المغشوش عالميا، فقد بلغت أكثر من 204 مليارات يورو.
إن المطلوب أن يتم القضاء على تفاقم ظاهرة الدواء المغشوش لأن المسؤولية هنا تقع على عاتق الجميع، وهي مسؤولية إنسانية واقتصادية تشارك في تحملها وبالدرجة الأولى الجهات المعنية، وفي مقدمتها وزارتا الصحة والداخلية، بل إن كل فرد مسؤول عن حماية نفسه وتوخي الحذر من الوقوع ضحية لمن وضعوا الأولوية للمال على حساب صحة الإنسان وسلامة حياته.
لقد أصبحت هيئة الغذاء والدواء في الواجهة، والمؤمل أن تكون نداءاتها المتكررة تجد آذانا صاغية، فالهيئة ليس لديها أنياب تقضم بها أولئك المسوقين للموت في علبة الدواء والبائعين للغذاء مخلوطا بما يدمر صحتهم لا بما يحافظ عليها.
إن المستهلك حينما تقع هذه المعلومات في ذهنه تهزه من الأعماق، وهو يسأل عن الكيفية التي يحمي بها نفسه وأسرته، فالتفريق هنا صعب المنال، بل يحتاج إلى مؤشر قوي تضعه الجهات الرسمية ليسأل ويستطيع التفريق بين التمرة والجمرة، فالملاحظ أن هناك بطئا شديدا يغلب على أداء الجهات الحكومية ذات الصلاحية التنفيذية والتي هي خط الدفاع الأول عندما تستهدف حياة الإنسان وصحته وسلامته، وأن للقتل أدوات يستخدمها الجناة، ومع ذلك يمكن الاحتماء من أدوات القتل، ولكن كيف السبيل إلى معرفة دواء أو غذاء قاتل أو ضار تم وضعه في أرفف الصيدليات أو المحال التجارية الكبيرة؟ فهنا لغم لا يمكن معرفته إلا بالذهاب ضحية له.
ولنقرأ العجب العجاب عن دواء يعتبر منشطا جنسيا تم تصنيعه من فضلات الطيور وحليب أطفال ملوث بمادة الميلامين القاتلة وكريمات تجميل ومساحيق مصنعة من مواد مسرطنة للجلد، والقائمة تطول لو تتبعنا آخر الأخبار السيئة عن أمانة بعض مَن يصنعون الدواء وبعض مَن يستوردونه، والسؤال: أين المسؤولية وأين العلامة الفارقة التي تجعل المستهلك يتخذ القرار الصائب؟ والأسوأ من ذلك أن منافذ التسويق لهذه الأدوية تتخذ من مواقع الإنترنت فضاء رحبا تقذف فيه بالدعاية المضللة للأدوية والأغذية غير الصالحة للاستخدام البشري، وهي فترة وجيزة جدا تكون الدعاية قد حققت هدفها ووصلت إلى أذهان المستهلكين، في حين تحتاج عملية سحب ذلك الدواء أو الغذاء إلى فترة قد تصل إلى شهر في أحسن الأحوال، وبحسب مواقع التسويق التي توزعه.
إن أقرب الطرق هو الخط المستقيم، فالمسألة أمانة تجارية تفتقدها بعض الشركات التي يديرها رجال مافيا وليس تجارا يعرفون شرف مهنة التجارة وأمانة التاجر وطبيعة وظيفته في المجتمع باعتباره فردا ومستثمرا ومستهلكا، هذا الطريق القريب هو التعامل مع اسم الشركة المنتجة وليس اسم الدواء أو الغذاء لأن الخسارة ستكون مضاعفة. كما أن إحالة أي قضية تضرر فيها أي مواطن أو مقيم من جرّاء شرائه غذاءً أو دواءً ضاراً ولحقه ضرر، إلى القضاء ليحكم بالحق العام عقوبة وبالحق الخاص تعويضا بحسب الضرر، هي الطريق الفعال لتحمل المسؤولية حتى وإن كانت الشركة المصنعة تعمل خارج المملكة فقد وقع الضرر داخل المملكة، وهو من صميم اختصاص القضاء السعودي الذي يجب أن يكون له موقف يستند إلى الشرع والقانون معا.
http://www.aleqt.com/2010/12/29/article_484514.html