مخاطر اتجاهات التوظيف في قطاع التجزئة


كلمة الاقتصادية

بشكل عام يمكن القول إن قطاع التجزئة يشمل جميع المحال التجارية التي تبيع السلع ـــ كل أنواع السلع ـــ إلى المستهلك النهائي، الذي يشتري منها الأغراض ذات الاستخدامات الشخصية، وليس التجارية. لذا فهو يشمل جميع أنواع محال البقالة الصغيرة وسلاسل محال السوبر ماركت والمتاجر الكبيرة حتى الأكشاك. إضافة إلى الأساليب التقليدية في بيع التجزئة، فإنه يمكن إضافة البيع من النظام الإلكتروني على الإنترنت كجزء من هذا القطاع. فهذا القطاع من أهم القطاعات الاقتصادية في أي بلد وبياناته الإحصائية مهمة جدا، بل هي مؤشر مهم على صحة اقتصاد البلد ونشاطه. فارتفاع المبيعات في هذا القطاع يشير إلى أن لدى المستهلكين دخلاً متاحاً للإنفاق، وتقلص المبيعات قد يعطي مؤشرات عن تقلص دخل الأفراد أو تقلص ثقتهم بالاقتصاد. كما أن نشاط هذا القطاع يعطي مؤشرات عن الأمان الغذائي الذي تتمتع به الدول، لذلك يتم رصد مبيعات التجزئة بشكل شهري، وتصدر الدول المتقدمة تقارير دورية عن نشاط ذلك القطاع.

أخيرا، بدأ الاهتمام يتزايد في المملكة بالمعلومات الخاصة بهذا القطاع، ومن ذلك ما نشرته ''الاقتصادية'' من أن عدد العاملين فيه وصل إلى نحو 1.5 مليون عامل، بينما لا تتجاوز نسبة السعودة فيه 16 في المائة. من المهم القول إن الاقتصاد السعودي اقتصاد ريعي، بمعنى أنه يرتكز على ما تنتجه الأرض من نفط والذي تشكل عوائده العمود الرئيس للإنفاق في المملكة، فما تحصل عليه الدولة من عوائد يتم توزيعها على المواطنين في شكل رواتب وغيرها. هذه النتيجة مهمة لأننا الآن نعرف أن تلك الثروة تتجه للاستهلاك من قطاع التجزئة. فقطاع التجزئة هو الرابح الأكبر من عملية إعادة توزيع الثروة. لكن مؤشرات التوظيف في القطاع لا تبدو انعكاسا حقيقيا لتلك المسألة، فإذا كانت المؤشرات تدل على وجود 240 ألف مواطن سعودي يعمل في هذا القطاع الضخم، فإن السيطرة الفعلية تقع في العمالة الأجنبية وإليها تتجه الثروة بالفعل. وإذا كانت إحصائية التعداد السكاني عام 2010 تشير إلى أن عدد العمالة الأجنبية بلغ ثمانية ملايين عامل، بينهم ستة ملايين من الذكور، فإنه يمكن القول إن ما يقرب من 21 في المائة من العمالة الأجنبية (الذكور) القادمة للمملكة تعمل في هذا القطاع، مقارنة بـ 2.5 في المائة من تعداد السعوديين الذكور. هذه المعادلة نتجت منها سيطرة كبيرة للعمالة الأجنبية على هذا القطاع بأكثر من 84 في المائة، وهي نتيجة مخيبة للآمال. فتوجه العمالة الأجنبية لقطاع بهذا الحجم مؤشر خطير يجب أن توليه الدولة اهتمامها المباشر، خاصة أنه يتضمن قطاعات التغذية التي تشكل محور الأمن الغذائي. كما أن هناك مخاطر ثقافية كبيرة إذا استمرت هذه المعادلة وهذه التوجهات، فنحن نعلم أن مَن يعمل في هذا القطاع هو الذي يقدم التوصيات للمنتجين حول توجهات واختيارات المواطن السعودي وأسرته، فستكون السوق السعودية انعكاسا فعليا لأذواق 21 في المائة من العمالة الأجنبية و2.5 في المائة من السعوديين، وبالتالي فإن اندثارا منتظما للثقافة السعودية سيكون حتميا طالما استمرت هذه المعادلات بهذه الصورة.

لكن مخاطر هذه المعادلات تتجاوز مسألة الذوق إلى مسألة الأمن الغذائي، فبينما تمر المملكة اليوم بمشكلة التضخم التي يمكن رد جزء منها إلى الأسعار العالمية إلا أن جزءا منها لم يتم البت بشأنه بعد، وخاصة مع ظهور حالات تلاعب في الأسعار واحتكار منظم شهدته أسواق الشعير، كما شهدته أسعار الأرز والدقيق قبل نحو عام. فإذا كان أكثر من 85 في المائة من العاملين في قطاع التجزئة هم من العمالة الأجنبية، فإن مخاطر أن تعاود ارتفاعات الأسعار الظهور بين فينة وأخرى تعد مخاطر محتملة. لذا فإنه لا بد من القيام بدراسة شاملة عن كل هذا أو إنشاء كرسي بحثي في إحدى الجامعات يتولى إمداد الجهات المختصة بدراسات علمية موثقة عن كل هذه الموضوعات.

ورغم كل هذه المخاطر فإن وجود عدد من السعوديين يقرب من 16 في المائة من إجمالي العاملين في هذا القطاع مؤشر لا بأس به، ونقطة عمل يمكن الاستعانة بها لتصحيح الأوضاع فيما لو وجدت هذه الفئة اهتماما أكثر، وإذا ما تم تسليط الضوء أكثر على ما حققته هذه الفئة من دخل واستقرار اقتصادي ناتج من عملها في هذا القطاع، وتم توفير فرص للتدريب والتعليم، فإن شريحة أكبر ستقبل على المنافسة وستخوض غمار سوق التجزئة المربحة.

http://www.aleqt.com/2010/12/25/article_482777.html