سليمان محمد المنديل
حالة الطبقة الوسطى
في ظل موجة الغلاء الحالية، وتجاوز نسبة البطالة 11%، وفي ظل أوجه القصور التي يعاني منها نظام الضمان الاجتماعي حالياً، فمن الطبيعي، والمنطقي، أن يكون هناك اهتمام متزايد بحالات الفقر، والعوز، التي تعاني منها شريحة من مجتمعنا
(قدّرها وزير الشؤون الاجتماعية بأقل من مليوني مواطن)، ومن الواضح أن المعالجات الحالية ما زالت قاصرة، ولا توفر علاجاً ناجعاً للمواطنين، والمواطنات، الذين يسقطون بين الشقوق، ولا يتلقفهم نظام الضمان الاجتماعي، ويتركون لأريحية الموسرين المحسنين، إن عرفوا عنهم، عن طريق الصحافة المحلية.
ولكن حديثي اليوم هو عن فئة اقتصادية أخرى، يؤمن الجميع بأهمية دورها، سواءٌ من حيث قدرتها الادخارية أولاً، ومن ثم دورها الاستثماري. أو من حيث دورها السياسي، والاجتماعي، والتنويري، في خلق توازن، واعتدال، وكذلك قيامها بدور الرابط، وحلقة الوصل، بين شرائح المجتمع المختلفة. بالطبع أعني الطبقة الوسطى. وكم نتمنى لو أن هناك دراسات متخصصة، ترصد حجم تلك الطبقة، وقدرتها الشرائية، ودورها الاقتصادي بشكل عام، وإلى أن يتم ذلك، أود أن أسترجع مع القارئ، والقارئة دراسة هامة، قدمت خلال منتدى الرياض الاقتصادي الأول، حول "بيئة الاستثمار في المملكة"، وقد أعدها الاقتصاديان القديران، الدكتور باسم البراهيم (رحمه الله)، والدكتور سعيد الشيخ.
ولن أفي تلك الدراسة الهامة حقها في هذه العجالة، وهي موجودة في موقع المنتدى، ولكن سأقتبس منها ما هو ذو علاقة بموضوع الطبقة الوسطى: يعاني المجتمع السعودي من ارتفاع نسبة جيل الشباب، الذي لم يدخل سوق العمل بعد، أو من تسرب من النظام التعليمي، أو من تخرج، ولم يجد عملاً بعد، وبالتأكيد أن مشكلة البطالة هي أكبر بين العنصر النسائي، وإذا أضفت إلى ذلك حقيقة أن جيل المتقاعدين، والكهول، يتزايد، نتيجة تحسن العناية الطبية، والتغذية، فإن المحصلة المحاسبية لكل ذلك، هي أن من يعمل من السعوديين، يجد نفسه مضطراً لإعالة عدد أكبر من أفراد أسرته، غير العاملين، أو العاملين، ولكنهم يحتاجون دعماً مالياً إضافياً.
وتوضح الأرقام التالية، الواردة في الدراسة، متوسط عدد الأشخاص، الذين يعيلهم كل عامل سعودي، مقارنة بدول أخرى (وذلك لعام 1999 ).
العامل السعودي يعيل 5,3 نسمة، العامل المصري يعيل 2,6 نسمة، العامل الماليزي يعيل 2,4 نسمة، العامل الكوري الجنوبي يعيل 2,2 نسمة، المتوسط لدول العالم 2,7 نسمة.
وإذا أخذنا في الاعتبار أن عمر الإحصائية هو عشر سنوات، فالمتوقع أن المشكلة قد زادت، وتفاقمت، بسبب سوء النظام التعليمي، واستفحال موجة الغلاء، وزيادة مستوى البطالة، وانحسار فرص توظيف العنصر النسائي، إضافة إلى تأثير هزات سوق الأسهم السعودية المتعاقبة، على مدخرات الطبقة الوسطى.
كل ذلك يقود إلى عدة مشاكل، أولها أن الإعالة، بطبيعتها، تعني الصرف على مواد استهلاكية، بدلاً من زيادة نسبة الادخار، التي تقود إلى توجيه تلك المدخرات إلى مشاريع إنتاجية. ثانيها أن العامل المعيل لن يدّخر لمرحلة تقاعده، وسيلهث في كهولته لتوفير مستلزماته، وثالث تلك المشاكل هي أنه سيوجد جيل يتأخر كثيراً في زواجه، ولكم أن تتصوروا التبعات الاجتماعية، والأخلاقية لذلك. ورابع تلك المشاكل هو تآكل الطبقة المتوسطة، وهي صمام الأمان في أي مجتمع.
قد تبدو تلك الدراسة، وهذا المقال، سوداويي النظرة، ولكنني أخشى أن الوضع اليوم هو أشد قتامةً، وأتمنى لو تم تحديث تلك الدراسة، من قبل منتدى الرياض الاقتصادي، وأن يبشرنا أحد، بزيادة نسبة الطبقة المتوسطة، لا ضمورها!
هنا