رفع الرواتب من عدمه
4 خيارات لرفع الرواتب دون إحداث مأزق في إيرادات الدولة
-
"الاقتصادية" من الرياض -
11/01/1429هـ
طرح تحليل اقتصادي خيارات أمام الحكومة يتيح لها رفع رواتب موظفي الدولة دون أن يشكل هذا الرفع مأزقا في حال انخفاض أسعار النفط وتراجع إيراداتها. وتتمثل المقترحات التي يطرحها سعود جليدان، المحلل الاقتصادي في تقرير تنشره "
الاقتصادية" اليوم, في أربعة عناصر يعتقد المحلل أنها ملائمة لمواجهة التضخم في هذه المرحلة.
والمقترحات هي: زيادة الرواتب بتوفير بدلات إضافية كبدل سكن أو تأمين طبي أو إعانات نقدية حسب الحالة الاجتماعية أو عدد أفراد العائلة, وتخفيضها أو إلغاؤها في حالة تراجع الإيرادات الحكومية. ويمكن رفع الرواتب بمبلغ مقطوع كألف ريال مثلاً أو نسبة محددة مثلاً 10 في المائة, أو رفع الراتب بمبلغ مقطوع لكل المراتب والموظفين هو رفع لمستوى الموظفين قليلي الدخل ويسهم في مكافحة الفقر لدى الموظفين الأقل دخلاً.
ويوصي المحلل بتوخي العدالة قدر ما أمكن في حالة رفع الرواتب، حيث يمكن رفع أجور المراتب الدنيا بنسب أعلى أو تكون الزيادة بالراتب على شكل مبلغ مقطوع ونسبة محددة.
في مايلي مزيداً من التفاصيل:
نتج عن ارتفاع معدلات التضخم طرح العديد من القضايا، التي من أهمها المطالبة بتعديل أجور موظفي القطاعين العام والخاص. وكثر في الآونة الأخيرة الجدل والشائعات عن رفع رواتب موظفي القطاع الحكومي بعد الارتفاع الكبير في الإيرادات النفطية وتراجع القيمة الحقيقية للمرتبات فقد ارتفعت أسعار النفط ورفعت معها الإيرادات الحكومية.
كما تسارع ارتفاع المعدل العام لأسعار السلع والخدمات وأدى إلى تآكل دخول العاملين في القطاعين الخاص والعام على حد سواء. ونتج عن ارتفاع الرقم القياسي لتكاليف المعيشة بنسبة 8.2 في المائة في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2007 مقارنةً بالشهر المقابل قبل عامين تراجع القيمة الحقيقية للمرتبات والأجور بالنسبة نفسها (بيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات).
من حيث المبدأ فمن حق أي عامل أو موظف المطالبة أو الأمل برفع أجره أو راتبه، ويملك متخذو القرار والمسؤولون صلاحية رفض أو تلبية هذه الطلبات. وتجري عادةً في جميع أنحاء العالم مفاوضات بين أطراف العمل لتعديل الأجور عند حدوث أي تغيرات في الأسعار أو الأرباح أو الدخول أو ظروف العمل. وتأخذ المفاوضات في المملكة شكل طلبات من ولاة الأمر أو مباشرة من أرباب العمل والمسؤولين أو نقاشات في وسائل الإعلام. ويؤيد معظم الموظفين في الدولة رفع مرتباتهم بينما يعارضها بعض المختصين والمديرين في القطاع الخاص أو حتى القطاع العام. ويبدو أن المصلحة تلعب الدور الأساسي في تأييد رفع الرواتب من عدمه.
موقف المؤيدين
يشكل الموظفون الحكوميون وعائلاتهم جزءاً كبيراً من المجتمع السعودي حيث بلغ عدد الموظفين المدنيين حسب آخر إحصائية متوافرة 804 آلاف موظف عام 2006م يشكل السعوديون منهم 734 ألف موظف، يضاف إلى هؤلاء مئات الآلاف من العسكريين. وقد يصل عدد المتلقين السعوديين مرتبات حكومية إلى نحو ثلث إجمالي المشتغلين السعوديين البالغ عددهم نحو من 3.6 مليون مشتغل في عام 2007م. وإذا ما أضيف إلى هؤلاء مئات الآلاف من المتقاعدين والمستفيدين من الضمان الاجتماعي فإن ما لا يقل عن نصف الأسر السعودية تعتمد على المرتبات والمخصصات الحكومية. وهناك شواهد على أن معدل الأجور الحكومية أعلى من معدلات أجور القطاع الخاص مما يقود إلى الاعتقاد بأن نسبة إجمالي قيمة المرتبات الحكومية تزيد بكثير على نصف إجمالي قيمة الأجور التي يتلقاها السعوديون. ولهذا يمكن الاستنتاج بأن أجور موظفي الدولة هي من أهم محركات الاقتصاد السعودي إن لم تكن أهمها، وتتأثر بها القطاعات الاقتصادية كافة. وسيؤدي رفع رواتب الموظفين إلى دعم الحركة التجارية والاستثمارية حيث تتحول دخول الموظفين إلى إنفاق على السلع الاستهلاكية والاستثمارية التي تفيد القطاعات الأخرى مما يعود بالفائدة على الجميع.
وتؤدي معرفة العاملين والموظفين بارتفاع أرباح أو إيرادات الحكومة أو الشركة إلى المطالبة برفع مرتباتهم، حيث يمكِن ارتفاع الإيرادات المشغلين من رفع المرتبات. ويربط الموظفون بين الرواتب والإيرادات الحكومية، حيث جرت التجارب التاريخية في المملكة على رفع الرواتب في حالة حدوث ارتفاع كبير في الإيرادات وليس على أساس دور الموظفين في رفع الإيرادات فالعاملون في الدولة يدركون أن معظم إيرادات الدولة تأتي من النفط وليس لهم دور رئيسي في زيادتها. ولهذا فإن عشم الموظفين برفع رواتبهم ليس مبنياً على أساس شعورهم بأن إنتاجيتهم ارتفعت أو أن لهم الحق في الحصول على جزء من هذا الارتفاع، كما أنه ليس مبنياً على أساس توفيرهم النفقات، لأنهم يرون أن الإنفاق الحكومي الكلي والجاري الذي يرتبط بأداء الموظفين لم ينخفض. وباختصار يبني الموظفون آمالهم برفع الرواتب على أسس ارتفاع إيرادات الدولة، وتراجع قيمة المرتبات الحقيقية وثقتهم بسعي الحكومة لرفع مستويات معيشتهم. وتسعى الدولة إلى رفع مستوى معيشة المواطن بشتى الطرق، ورفع رواتب الموظفين بمعدلات تفوق معدلات التضخم يُحسِن مستويات معيشة الموظفين، الذين يمثلون وعائلاتهم شطراً من المواطنين.
مؤيدو رفع الرواتب
يرى المؤيدون لرفع الرواتب أن ارتفاع تكاليف المعيشة مبرر لرفع الرواتب، حيث تعمل الزيادات المعادلة لمستويات التضخم إلى إعادة الأنماط الاستهلاكية إلى المستويات السابقة لارتفاع الأسعار (في حالة رفع الرواتب بنفس نسب ارتفاع التضخم ستتحسن مستويات المعيشة لأن أنماط الاستهلاك ستتغير بحيث يتم تعويض السلع المرتفعة أسعارها بسلع أقل تكلفة).
المعارضون
يرى المعارضون لرفع رواتب الموظفين وجود عدة أسباب لعدم زيادة الرواتب أهمها:
1 - إن رفع رواتب الموظفين متحيز ضد باقي الفئات السكانية من غير الموظفين، الذين لا يتلقون دخلا حكوميا وإنما سيتضررون من ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي، الذي سيساهم في رفع معدلات التضخم.
2- إن رفع رواتب الموظفين سيزيد من النفقات الحكومية التي يمكن توجيهها تجاه المشاريع أو الاستثمارات التي تعود بالمنفعة على الجميع. ويلتقي الموظفون رواتب في المتوسط أعلى من رواتب القطاع الخاص كما أنهم يتمتعون بأمان وظيفي أكثر ويؤدون ساعات عمل أقل ويتمتعون بحقوق أكثر من العاملين في القطاع الخاص. وسيؤدي رفع الرواتب إلى رفع مصروفات الحكومة الجارية، حيث إن رفع رواتب الموظفين والمتقاعدين سيكلف ميزانية الدولة ما لا يقل عن ملياري ريال في العام مقابل رفع الرواتب بنقطة مئوية واحدة. وبمعنى آخر فإن رفع رواتب الموظفين والمتقاعدين بنسبة 10 في المائة سيكلف نحو 20 مليار ريال في السنة في الوقت الحالي. ويوضح الجدول المرفق تكاليف رفع المرتبات الحكومية خلال السنوات المقبلة على افتراض إضافة ما لا يقل عن 4 في المائة سنويا في الأعوام المقبلة (بسبب الحاجة المتزايدة للتوظيف والعلاوات السنوية الممنوحة للموظفين). ويوضح الجدول المرفق التكاليف المرتفعة في السنوات المقبلة. ويتبع رفع الرواتب ارتفاع بعض المخصصات الأخرى التي لا تتوافر معلومات عنها.
3 - زيادة الرواتب ستؤدي إلى خفض الاستثمار والادخار الحكومي، حيث من المتوقع أن تمول الزيادة بتحويل جزء من مخصصات الاستثمار في البنية الأساسية، أو الاستثمار في مشاريع إنتاجية، أو استثمارات خارجية مدرة للدخل المستقبلي، أو من مخصصات تسديد الدين المحلي. والاختيار بين توجيه الإيرادات نحو الاستثمارات ورفع الرواتب يتوقف على خيارات المجتمع نحو الاستهلاك في الزمن الحالي أو المستقبلي. ويمكن المواءمة بين الخيارين بإيجاد توازنات بين الاستهلاك في المرحلتين، ويأتي ذلك عن طريق المزج بين خياري الاستهلاك الحالي والمستقبلي بما يرضي جميع الأطراف. وبكلمات أخرى يمكن توزيع الإيرادات على الاستثمار المحلي والخارجي وتسديد الديون ورفع الرواتب بنسب لا تعوق الاستثمار المستقبلي.
4- يثير المعارضون لرفع الرواتب مسألة ديمومة ارتفاع إيرادات النفط (على المدى الطويل) فزيادة الرواتب في الوقت الحالي قد تكون متسرعة ويصعب توفير الموارد الكافية لتغطيتها إذا تراجعت أسعار النفط إلى مستويات تقل مثلاُ عن 50 دولاراً. ويمكن التغلب على هذه النقطة بجعل الزيادة في الرواتب مؤقتة أو مشروطة بمستوى الإيرادات.
5 - قد يضطر القطاع الخاص إلى رفع الأجور لمجاراة القطاع الحكومي والاحتفاظ بالعمالة أو لجذب العمالة الماهرة من القطاع الحكومي.
الرد على المعارضين
يتمتع الموظفون بحقوق ومنافع وضمانات في المتوسط أكثر من العاملين لدى القطاع الخاص. ويمكن الرد على هذه النقطة بأن الحكومة هي الجهة التي تضمن وتحمي الحقوق لكل العاملين والسكان كما أنها لا تهدف إلى تعظيم الأرباح، وأنها تسعى جهدها لرفع الوضع المعيشي لجميع السكان.
ومن وجهة نظري البحتة أرى أن المطالبة برفع الرواتب لمواجهة التضخم أمر منطقي ومعقول، وأن ذلك يتطلب رفع الرواتب بنسب لا تقل عن معدلات التضخم في العامين الماضيين. ويمكن رفع المرتبات بنسب أعلى لتغطية آثار الارتفاع المتوقع في تكاليف المعيشة. أما الادعاء بأن رفع الرواتب سيؤدي إلى التضخم فهو أمر غير ضروري ويتوقف على مصدر رفع الرواتب. ويمكن ببساطة فهم تأثير رفع الرواتب في الأسعار بالنظر إلى تأثير هذه الزيادة على الطلب الكلي. فإذا أتت الزيادة من مخصصات الاستثمار، فإن تأثير الأسعار سينحصر في السلع الاستهلاكية وينخفض في السلع الاستثمارية، بينما إذا أتت من مخصصات الدين العام فلن يكون هناك تأثير لزيادة الرواتب في الأسعار. أما إذا أتت زيادة الرواتب من مخصصات الاستثمارات في الخارج فإن هذا سيدفع بالطلب المحلي الكلي على السلع والخدمات إلى أعلى وبالتالي سترتفع الأسعار. ويتوقف مقدار ارتفاع الأسعار على عوامل متعددة متعلقة بالطلب والعرض على السلع والخدمات.
القطاع الخاص
أما اضطرار القطاع الخاص إلى رفع الأجور فيحسب لصالح خيار رفع المرتبات. فالقطاع الخاص لا يرفع الأجور إلا إذا أجبر على رفعها، ومعدلات الأجور التي يدفعها منخفضة على أية حال وينبغي رفعها لمواجهة تكاليف المعيشة.
ويمكن الرد على مسألة تحيز زيادة الرواتب لمصلحة الموظفين، بأن كل أنواع الإنفاق الحكومي لا تشمل جميع السكان والمناطق بنفس الدرجة. فالإنفاق الاستثماري يستفيد منه المقاولون وبعض رجال الأعمال وتنحصر فائدة المشاريع المحددة في مناطق معينة والإنفاق الاستهلاكي الحكومي على السلع والخدمات تستفيد منه فئة معينة من الأعمال والمواطنين. ولهذا تقوم الدولة بالإنفاق في مجالات متنوعة ومتعددة وفي جهات مختلفة وذلك لتعميم الفائدة على جميع السكان وجميع المناطق.
خيارات رفع الرواتب
يوجد عدد كبير من الخيارات التي يمكن تبنيها لرفع المرتبات وهذا بعض منها.
يمكن زيادة الرواتب بتوفير بدلات إضافية كبدل سكن أو تأمين طبي أو إعانات نقدية حسب الحالة الاجتماعية أو عدد أفراد العائلة. وتخفيضها أو إلغائها في حالة تراجع الإيرادات الحكومية.
يمكن رفع المرتبات بمبلغ مقطوع كألف ريال مثلاً أو نسبة محددة مثلاً 10 في المائة. ورفع الراتب بمبلغ مقطوع لكل المراتب والموظفين هو رفع لمستوى الموظفين قليلي الدخل ويسهم في مكافحة الفقر لدى الموظفين الأقل دخلاً، من جهةٍ أخرى سيرى كبار الموظفين أن رفع الرواتب بمبلغ مقطوع إجحاف في حقهم. أما رفع الرواتب بنسبة واحدة لجميع الفئات فإنه يميل لصالح الموظفين الأعلى دخلاً.
ينبغي توخي العدالة قدر ما أمكن في حالة رفع المرتبات، حيث يمكن رفع أجور المراتب الدنيا بنسب أعلى أو تكون الزيادة بالراتب على شكل مبلغ مقطوع ونسبة محددة، كمبلغ 800 مثلاً ريال زائداً 5 في المائة للفئات الدنيا، 500 ريال زائداً 5 في المائة للفئات الوسطى، 5 في المائة فقط للفئات العليا. أو يمكن أن يضاف مبلغ مثلا 1000 ريال لأدنى المراتب ثم يتناقص المبلغ بـ 100 ريال لكل مرتبة تليها وتضاف نسبة 5 في المائة إلى جميع الرواتب.
يمكن تعديل بعض مواد خدمة العاملين في الدولة، سواءً كانوا مدنيين أو عسكريين بإضافة بعض الدرجات، كما حصل في السابق عندما أضيفت خمس درجات لسلم الرواتب. ويسرت تلك الإضافة ارتفاع مرتبات الموظفين على فترة خمس سنوات ومكنتهم من مواجهة التضخم وتحسين أوضاعهم بصفة تدريجية. إن أنظمة الموظفين بحاجة إلى مراجعة لمواجهة التغيرات الكبيرة التي حصلت في سوق العمل.
وعلى الموظفين إدراك أن الزيادة المرجوة في الراتب يجب أن يقابلها رفع مستويات أدائهم. ويمكن تطوير وتطبيق الأنظمة الرافعة لمستوى العمل، وتحسين التعامل مع الجمهور، وأداء واجبات العمل وإنجاز مهماته، وأن يتوقف استخدام أماكن العمل لإضاعة الأوقات. ويمكن مقايضة رفع الرواتب بزيادة ساعات العمل إذا كان ذلك ضرورياً. ولهذا يجب استخدام معايير لقياس تحسن أداء الإدارات الحكومية المختلفة سواءً كانت تلك المعايير والمؤشرات للكيف أو الكم.
يمكن استخدام رفع الرواتب مقابل زيادة ساعات العمل، ما يلغي الحاجة أو استغلال بعض موظفي الإدارات الحكومية لمخصصات الدوام الإضافي أو ما يسمى خارج الدوام. فإضافة ساعة واحدة أو أكثر ستلغي الحاجة إلى خارج الدوام، ما يخفض من تكاليف رفع الرواتب ويعممها على جميع العاملين في الدولة بدلاً من أن تستفيد منه فئة محدودة. ويمكن تعميم الدوام الإضافي على موظفي الدولة كافة وإلغاؤه إذا ما تراجعت إيرادات الدولة.
http://www.aleqt.com/news.php?do=show&id=112306