حرب الأسعار في السعودية.. تهديدات "التجارة" ودعم الحكومة لم يكبحا الارتفاعات
الرياض –عمر عبد العزيز
من يحمي المستهلك من لهيب الغلاء في السعودية؟ سؤال ملح يفرض نفسه بقوة بعد موجات الغلاء المتلاحقة في السعودية منذ أكثر من عام، والتي طالت كل القطاعات الإنتاجية والخدمية، قابلتها إجراءات ضعيفة للحد من الغلاء.
وعلى الرغم من تأكيد العاهل السعودي ضرورة مراعاة القوة الشرائية للمستهلك، فإن الارتفاع تواصل وهو ما زاد من وتيرة هذا التساؤل، مع عدم وجود إجراءات حكومية فعالة لكبح ارتفاع الأسعار.
ويصف مستهلكون إجراءات أو محاولات مواجهة الغلاء من جانب الحكومة بأنها ليست ذات قيمة، وتركزت على تقديم الدعم لعدد من السلع، مشيرين إلى أن هذا الدعم سرعان ما يفقد قيمته بسبب الارتفاعات المتتالية في الأسعار مع غياب الرقابة.
الدعم .. أين الجدوى؟
ولجأت الحكومة السعودية منذ بداية صعود الأسعار نهاية عام 2006 إلى الدعم، كوسيلة لتخفيف الغلاء، فدعمت الذرة والشعير، وقبل أيام قدمت إعانة لمكونات الأعلاف المستوردة بهدف تنمية الثروة الحيوانية في البلاد بما يساعد على تخفيض أسعار اللحوم، أو ثباتها عند مستوياتها.
وفي شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، قدم العاهل السعودي دعما للأرز بقيمة ألف ريال للطن، وضاعف إعانة حليب الأطفال خمس مرات إلى 12 ريالا للكيلو (الدولار = 3.75 ريالات).
غير أن ذلك لم يؤت ثماره، بل سجلت أسعار السلع التي تم دعمها ارتفاعات كبيرة فاقت الدعم المقدم لها، بسبب ما يصفه المستهلكون استغلال التجار وتأخر إصدار آلية تقديم الدعم، وهو ما يسمح للتجار برفع الأسعار، والتهام الدعم في جيوبهم.
كما خابت آمال موظفي الدولة برفع رواتبهم أسوة بدول خليجية أخرى مثل الإمارات والكويت، على الرغم من تحقيق ميزانية الدولة فائضا كبيرا العام الماضي، وتوقعات بتحقيق فائض يقدر بـ40 مليار ريال في موازنة العام الحالي.
وجها لوجه.. "التجارة" والتجار
وفيما اعتبر اعترافا بعدم نجاح إجراءات الدعم، وضعف دور وزارة التجارة في ضبط الأسعار، بدأت الوزارة في انتهاج سياسة جديدة تركز على إيجاد حلول بعيدة المدى لخفض الأسعار. فقد عقد وزير التجارة هاشم يماني اجتماعين منفصلين مع ممثلي شركات إنتاج الألبان، ومنتجي الأرز يوم السبت 5 / 1 / 2008. وبدا من نتائج الاجتماعين وفقا لبيانين صادرين عن الوزارة أن هناك توجها لحل مشكلة الغلاء وخاصة بالنسبة لسلعة الأرز من خلال حلول بعيدة المدى.
وتم خلال الاجتماع مع مستوردي الأرز بحث عدد من البدائل والمقترحات طرحتها الوزارة لتساهم في تخفيض تكلفة الاستيراد وبالتالي الإسهام في خفض الأسعار والتي من أهمها، إمكانية الاستحواذ على أراض زراعيـة أو استئجارها لحساب المستوردين السعوديين، وتأسيس شركة سعودية موحدة لشراء الأرز من المزارعين، والمساهمة في الاستحواذ على حصص من الشركات المصدرة للأرز.
ودعا الوزير المستوردين إلى دراسة هذه البدائل والمقترحات ورفع نتائج ذلك للوزارة، وطالبهم بعم المبالغة في الأسعار، والحرص على تغليب مصلحة المواطن مؤكدا أهمية قيام المستوردين بتوفير مخزون كافٍ من الأرز والتركيز على توفير بدائل متعددة حتى يتسنى للمواطن اختيار ما يناسبه منها بأسعار معتدلة وملائمة. وبالنسبة لدور فروع وزارة التجارة والصناعة في المحافظات السعودية، فإنه لا يتسم بالإيجابية بسبب ضعف صلاحياتها.
ووفق مسؤول بفرع الوزارة في إحدى المحافظات تحدث لموقع "الأسواق نت" فإن دورهم يقتصر على مراقبة الأسواق والأسعار ورفع تقارير إلى الوزارة فقط. وأضاف المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه، "إن صلاحياتنا تقف عند رفع التقارير عن الأسواق والأسعار فقط، أما القرارات فهي ترجع إلى الوزارة".
وغالبا ما تتعرض وزارة التجارة والجهات الرقابية التابعة لها إلى انتقادات واسعة من جانب المستهلكين الذين يرون أنها بعيدة تماما عن السوق وليس لها تأثير إيجابي لصالحهم، بل إن بعضهم ذهب إلى حد اتهام الوزارة بغض الطرف عن تصرفات وجشع التجار، وهو ما تنفيه الوزارة.
تغيير ثقافة الاستهلاك
وحين سجلت أسعار الأرز ارتفاعات كبيرة صيف العام الماضي 2007، لم تحرك وزارة التجارة ساكنا، بل إن وزيرها هاشم يماني نصح المستهلكين وقتها بتغيير عاداتهم الغذائية، وهو ما آثار غضب المستهلكين.
وعقب كل زيادة في الأسعار يجتمع وزير التجارة هاشم يماني مع كبار التجار والمستوردين، لمناقشة أسباب الارتفاع ويخرج الاجتماع بأن ارتفاع الأسعار موجة عالمية، ولا بد أن تنعكس على السعودية.
ويحرص الوزير دائما على التأكيد أنه لا يمكن التدخل في تحديد الأسعار خاصة وأن السعودية عضو في منظمة التجارة العالمية، وتترك الأسعار للعرض والطلب وفقا لقوى السوق.
"التجارة" مطالبة بتشخيص المشكلة
ويقول المحلل المالي والكاتب سعود الأحمد، إن وزارة التجارة مطالبة بضرورة تشخيص المشكلة، فإذا كانت من المصدر فلا لوم على الوزارة.. وإن كانت من التاجر فعليها أن تتدخل عبر حماية المستهلك بإيقاف هذا الارتفاع ومحاسبة كل مستغل للحدث.
وتساءل قائلا "نحن الآن نعيش حالة من الاستقرار الأمني فما بالكم لو تعرضت المنطقة لأزمة حرب أو من هذا القبيل؟".
تهديد بفرض غرامات وجزاءات
وفي خطوة جديدة لمواجهة ارتفاع الأسعار وخاصة المواد الغذائية، بدأت أمانة منطقة الرياض في إصدار مؤشر أسبوعي للأسعار يرصد التحركات السعرية لعدد من السلع التموينية، اعتبارا من الثاني من شهر يناير/كانون الثاني الحالي.
وذهبت أمانة الرياض لأبعد من ذلك إذ هددت بتطبيق لائحة الجزاءات والغرامات البلدية الصادرة بقرار مجلس الوزراء على غير المتقيدين بأسعار البضائع المعروضة أو عدم وضع تسعيرة على تلك البضائع. وفتحت الأمانة قناة تواصل مع المواطنين والمقيمين عبر هاتف غرفة عمليات الأمانة رقم 940 لتلقي بلاغاتهم عن تجاوزات غير المتقيدين بالأسعار.
وهدد وكيل أمانة منطقة الرياض المهندس عبد الرحمن الزنيدي، بأنه في حالة رفع التجار الأسعار المقررة أو عدم وضع تسعيرة على البضائع المعروضة يتم تطبيق غرامة عليهم تتراوح من 1000 إلى 5000 ريال وإغلاق المحل في حالة تكرار المخالفة لمدة لا تزيد عن أسبوع.
مؤشر للأسعار في الرياض
وبحسب المؤشر فإن الأسعار ستكون ثابتة طوال فترة الأسبوع، ويتم تحديثها دوريا كل يوم أربعاء. وقال الزنيدي، إن الأسعار المعلنة توجد في أكثر من 100 مركز تجاري موزعة في العاصمة، معربا عن اعتقاده بأن مؤشر الأسعار سيخلق روح المنافسة بين المؤسسات التجارية في منافذ البيع وبالتالي خفض أسعار السلع الاستهلاكية.
وأشار إلى أن الأسعار المدرجة والتي ستنشر في الصحف المحلية ستقتصر على سعر التجزئة لبيع كل سلعة محددة في النشرة في المراكز التجارية التابعة للشركات المشتركة في المؤشر قبل أي خصومات أو عروض ومهرجانات ترويجية أو فعاليات موسمية.
غياب جمعيات حقوق المستهلك
وما يزيد من وطأة الغلاء عدم وجود جمعيات لحقوق المستهلك تدافع عن المستهلكين.
وكان مجلس الشورى السعودي وافق مؤخرا على نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية تمهيدا لرفعه إلى العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز لإقراره.
ويقول أستاذ التسويق المساعد بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن الدكتور عبيد بن سعد العبدلي، إن المنتجين والموردين في السوق السعودي ما زالوا بعيدين عن قلق هذه الجمعيات، وفي منأى عن رقابتها نتيجة عدم وجودها في المملكة أساسا.
وأضاف أن المستهلك في السوق السعودية يعاني من إهدار حقوقه وعدم الاهتمام الكافي بمصالحه، بينما لو نظرنا للسوق الأمريكي مثلا نجد أن الشركات ورجال الأعمال هناك يحسبون ألف حساب لهذه الجمعيات، مما جعلهم يحرصون على مراعاة حقوق المستهلك في جميع مراحل إعداد السلعة وتوزيعها.
حملات إلكترونية للتوعية
ومع غياب الإجراءات الحكومية وعدم وجود جمعيات لحماية المستهلك، بدأت تحركات لمواجهة ارتفاع الأسعار، من خلال مواقع حماية المستهلك السعودي على شبكة الإنترنت.
فقد أخذت مجموعة من المواقع والمنتديات السعودية في الإنترنت على عاتقها توعية المستهلكين بحقوقهم وتوصيل شكواهم إلى الجهات المسؤولة في المملكة.
وتوجد منتديات عديدة تهدف إلى حماية المستهلك في السعودية، تدعو المستهلكين السعوديين لتسجيل أسماء وأسعار السلع، حتى يمكن تقديم هذه المعلومات للجهات المختصة حتى يستفيدوا منها.