31-12-2007, 12:05 AM
|
#1
|
ملك العروض المميزة
رقـم العضويــة: 450
تاريخ التسجيل: Aug 2007
المشـــاركـات: 1,612
|
بدأ الاهتمام أخيراً بإعادة تصنيع النفايات أو تدويرها،
في عالمنا المعاصر، بدأ الاهتمام أخيراً بإعادة تصنيع النفايات أو تدويرها، ويرى دعاة حماية البيئة أن ذلك يعد إحدى الوسائل المهمة للمحافظة على البيئة، والحؤول دون استنزاف الثروات والموارد الطبيعية فيها بسرعة·
وكان الدافع وراء الاتجاه إلى إعادة التصنيع هو كثرة النفايات التي تنتج من استعمالاتنا المنزلية والمدنية والصناعية، ولا سيما أن المجتمعات البشرية الحالية اعتادت على استخدام الأشياء مرة واحدة ونبذ ما تبقى منها· ومما تسبب في تفاقم هذه المشكلة: التوسع في صناعة التغليف والتعليب· فعلى سبيل المثال، <دفع المستهلكون في الولايات المتحدة الأميركية في العام 1986م ثمناً لتعبئة المواد الغذائية أكبر مما حصل عليه المزارعون الأميركيون ثمناً لمحاصيلهم>، فسعياً إلى اجتذاب المستهلكين تغلف الأصناف أحياناً بثلاث أو أربع طبقات من الأغلفة· وإضافة إلى ذلك، تستخدم في نقلها أكياس من الورق أو البلاستيك التي تطرح أيضاً بعد استخدامها مرة واحدة·
ويطرح العالم حالياً في مقالب القمامة ومراكز دفن النفايات ما يقرب من ثلثي كميات الألومنيوم المصنعة عالمياً، وثلاثة أرباع ما تنتجه مصانع الحديد والصلب ومصانع الورق، بل إن معظم البلاستيك المنتج ينتهي به المطاف إلى أماكن تجميع النفايات للتخلص منه بالدفن أو الحرق·
وقد كانت زيادة الوعي البيئي دافعاً إلى الإكثار من إعادة تصنيع المواد واستخدامها من جديد· وكان مما عزز ذلك هو امتلاء مواقع دفن القمامة بالنفايات، مما اضطر السلطات المحلية في الكثير من البلدان إلى اتباع أحد السبيلين التاليين أو هما معاً·
الأول: تصدير النفايات أو شحنها إلى أماكن نائية للتخلص منها·
والثاني: المساعدة على إقامة صناعات لإعادة تدوير المواد واستخدامها من جديد·
وقد تبين أن الطاقة اللازمة لإعادة دورة تصنيع الألومنيوم تعادل 5% فقط من الطاقة اللازمة لإنتاجه من البوكسيت مادته الخام الأصلية· ويصل ما يمكن توافره بإنتاج الصلب من الخردة كلية إلى ما يقرب من الثلثين· كما أن الطاقة اللازمة لإنتاج ورق الصحف من الورق المستخدم قبل ذلك تقل بنحو 25 ـ 60% من مقدار الطاقة اللازمة لصنعه من لب الخشب· وإعادة تصنيع الزجاج توفر ما يصل إلى ثلث الطاقة التي يتضمنها المنتج الأصلي·
وإعادة الاستخدام أو التصنيع تعد أيضاً إحدى وسائل خفض مستويات تلوث الهواء والماء والتربة· فعلى سبيل المثال، إن إنتاج الصلب من الخردة يقلل تلوث الهواء بمقدار 58%، وتلوث الماء بمقدار 76%، ويمحو نفايات التعدين بصورة كلية· وإنتاج الورق بإعادة تصنيع الكميات المستخدمة منه قبل ذلك تقلل الملوثات التي تدخل الهواء بمقدار 74% والملوثات التي تتسرب إلى الماء بمقدار 35%، إضافة إلى أن ذلك سيقلل الضغوط على استنزاف الغابات (بقطع أشجارها لصناعة الورق) بمقادير تتناسب تناسباً طردياً مع الكميات التي يعاد تصنيعها· وتشير إحدى الدراسات إلى أن دولة مثل كندا يمكنها في أن توفر80 مليون شجرة سنوياً إذا أعادت تصنيع ورق الصحف بالمستوى الذي يتم به ذلك في اليابان· وثمة أساليب متعددة لإعادة تصنيع الزجاج والبلاستيك والنفايات العضوية· ويقدر باحثو المركز الإحيائي <البيولوجي> للأنظمة الطبيعية بالولايات المتحدة الأميركية، أنه من الممكن استرجاع نحو85 ـ90% من تدفق النفايات الصلبة باستخدام مشروعات إعادة الاستخدام أو التصنيع· ويساعد ذلك على تقليل عدد محارق النفايات ومن ثمَّ تقليل مشكلات التلوث البيئي·
وفي كثير من بلدان العالم، يتم التخلص من النفايات بالدفن أو الحرق، وكلا الأسلوبين له أضراره ومخاطره البيئية· ولهذا، اتجهت بعض الدول إلى التخلي عن هذا الأسلوب، بتطبيق تقنيات جديدة للاستفادة من النفايات وإعادة استخدام ما هو مناسب منها وتصنيعه· وتحظى مجالات توليد الطاقة من النفايات بأكبر اهتمام، إذ يمكن توليدها (أي الطاقة) مباشرة في شكل حرارة عند حرق النفايات في أفران خاصة، ويستفاد من الحرارة الناتجة من توافر مستلزمات الإنسان من تدفئة ومياه ساخنة، كما يمكن استخدام هذه الحرارة في أغراض التصنيع والتدفئة· وفي العادة، كانت القمامة والنفايات تلقى في أفران معامل حرق النفايات الكبيرة من دون أن تتعرض لأي معالجة أولية· ولما كانت القمامة تحتوي على بعض المواد التي يمكن فصلها وإعادة تصنيعها من جديد، فإن إجراء عمليات الفصل هذه يعد ضرورياً· وثمة دول تلجأ إلى ذلك بدءاً من مرحلة تجميع النفايات، ويكون ذلك عن طريق تخصيص صناديق معينة لكل من العلب المعدنية (مثل قوارير المشروبات الغازية المصنوعة من الألومنيوم)، والصحف والمجلات القديمة والزجاج·
وفي وحدات المعالجة، يمكن فصل بعض المعادن (كالحديد والنيكل) الموجودة في القمامة مغناطيسياً، كما يمكن فصل الزجاج والورق، ومن ثمَّ يقل حجم النفايات التي ينتهي بها المطاف إلى الأفران· وإذا نظرنا إلى التكاليف العالية لعمليات حرق النفايات فإنه يبدو من غير المناسب أن ينشأ أي معمل في المستقبل من غير إيجاد وسيلة للاستفادة من الطاقة الحرارية المتولدة· وهذا يعني أن أي معمل لحرق النفايات يجب أن يحصل على مستهلك للطاقة المتولدة·
وهناك طريقة أخرى أسهل لتوليد الطاقة بإنتاج وقود مستخلص من النفايات، وفي هذه المحاولة، فإنه لا يعتمد على مستهلكين محدودين كما في توليد الطاقة المباشرة، ولكن هذه الطاقة يمكن تقويمها وخزنها وتوزيعها لمستهلكين أكثر انتشاراً، ويمكن الحصول على وقود من النفايات عن طريق تجميع النفايات على شكل كرات تفرم، ويمكن استخدامها في مواقد الغلايات العادية، أو في مواقد الاحتراق الكبيرة، خصوصاً في أفران صناعة الأسمنت، وهذا الوقود ذو قيمة حرارية تصل إلى نصف تلك التي للفحم·
وقد بيَّنت التجارب أنه بمعالجة السليولوز والكربوهيدرات ومخلفات بعض الصناعات الغذائية (مثل صناعة اللحوم والنشا والخميرة) بأنواع معينة من البكتيريا في وسط معزول عن الهواء، فإنه يتولد غاز (الميثان) الذي يُعدّ المكون الرئيس للغازات الطبيعية·
وتحتوي نفايات الإنسان، التي يتم تصريفها في المجاري، ومخلفات الحيوانات والطيور (الروث) على نسبة كبيرة من المواد العضوية التي يمكن الاستفادة منها لهذا الغرض· وقد بيَّنت التجارب المعملية التي قام بها الباحثون أن 56% من الغازات الناتجة من هذه النفايات عبارة عن غاز الميثان، و35% منها عبارة عن غاز ثاني أكسيد الكربون· وتعد إنكلترا إحدى الدول التي تقوم باستغلال النفايات لإنتاج الغاز الحيوي (البيوجاز)· وفي إحصائية قامت بها إحدى المؤسسات العلمية هناك، وجد أن كمية الغاز المنتج في العام 1980م وصلت إلى 1.7 مليون متر مكعب، وهي كمية تعادل مقدار الطاقة التي تحصل عليها تلك الدولة من حرق خمسة ملايين برميل من زيت البترول الخام، وهي تعادل أيضاً ثلاثة في المئة من كمية الغاز التي تستهلكها المملكة المتحدة سنوياً· ويطلق على الطريقة العلمية المتبعة في إنتاج الغاز الحيوي من روث الحيوانات اسم <الهضم اللاهوائي>، وفي هذه الطريقة يوضع الروث في وعاء يدعى <الهاضم> ولا يسمح للأكسجين بالدخول فيه، فتقوم البكتيريا بتحليل الروث، ثم يجمع الغاز الناتج من عملية التحلل بالبكتيريا في خزان، ومن ثمَّ يستعمل في الأغراض المطلوبة·
والمخلفات الناتجة بعد عملية التحلل تحتوي على غاز النتيروجين، وهو الغاز الذي تحتاجه النباتات في غذائها، ولذلك فإن مخلفات عملية الهضم اللاهوائي يمكن استخدامها في تسميد النباتات في المزارع· وبهذا الشكل يمكن الاستفادة من مخلفات الإنسان والحيوان، باعتبارها مصدر طاقة ومصدر أسمدة في الوقت نفسه·
ويمكن استخدام فضلات الورق أيضاً لإنتاج مجموعة عريضة من المركبات المفيدة، وذلك من خلال إجراء التحلل الحمضي الإنزيمي لمادة الورق، إلى مادة الغلوكوز· ويمكن تحويل الغلوكوز بدوره إلى شراب سكري، يستخدم في صناعة الحلويات· كذلك يمكن استخدام الغلوكوز لإنتاج خميرة الخبز· كما يمكن استخدام النفايات الورقية كمضافات لعليقة الدواجن، أو كمواد عازلة، أو كمواد تصنع منها عبوات البيض الكرتونية· ويمكن استخدامها في إنتاج السماد المكمور·
ولا ينتهي الأمر عند هذا الحد، فإذا اعترضت عملية معالجة النفايات الورقية صعوبات فنية أو تمويلية، توجد هناك خطوات عدة عملية للاستفادة من هذه النفايات من دون معالجة· كما يمكن حرث الورق في الأرض دون معالجة مسبقة وتركه يتحلل، فيعمل بذلك على تخصيب التربة، وإذا تعذرت تماماً عملية إعادة استخدام النفايات فإن الأمر يتطلب دراسة إحدى الطرق المأمونة للتخلص منها·
رؤية إسلامية لقضية إعادة تصنيع النفايات وتدويرها
يقف الإسلام ضد الإسراف وإهدار الموارد الطبيعية، ويدعو الإنسان إلى الاعتدال والتزام الطريق الوسط في الإنفاق والاستهلاك· ولما كانت النفايات ذات آثار ضارة على البيئة إذا تُركت فيها من دون معالجة لها، فإن اتباع أي طريقة للاستفادة منها يعد أمراً محموداً·
وإذا عدنا إلى تراثنا الإسلامي، سنجد إشارات كثيرة إلى إعادة استخدام الموارد المختلفة مادام لن ينتج من ذلك ضرر، بل إن بعض الفقهاء أجاز غسل أوراق المصحف التي خلقت وتعذرت قراءتها، فقد جاء في حاشية رد المحتار: <وفي الذخيرة: المصحف إذا صار خلقاً، وتعذر القراءة منه لا يحرق بالنار، ولا يكره دفنه، وإن شاء غسله بالماء>
وقال محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي: <منها ـ أي الآداب التي تلزم حامل القرآن ـ أن لايتخذ الصحيفة إذا بليت ودرست وقاية للكتب فإن ذلك جفاء عظيم، ولكن يمحوها بالماء>، وقال ابن حجر في شرحه لحديث تحريق عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ للمصاحف:
<قوله: (حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة)، زاد أبوعبيدة وابن أبي داود من طريق شعيب عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم بن عبدالله بن عمر قال: <كان مروان يرسل إلى حفصة ـ يعني حين كان أمير المدينة من جهة معاوية ـ يسألها الصحف التي كُتب منها القرآن فتأبى أن تعطيه، قال سالم: فلما توفيت حفصة، ورجعنا من دفنها، أرسل مروان إلى عبدالله بن عمر ليرسل إليه تلك الصحف، فأرسل بها إليه عبدالله بن عمر، فأمر بها مروان فشققت، وقال: <إنما فعلت هذا لأني خشيت إن طال بالناس زمان أن يرتاب في شأن هذه الصحف مرتاب>· ووقع في رواية أبي عبيدة (فمزقت)، قال أبوعبيد: لم يسمع أن مروان مزق الصحف إلا في هذه الرواية· قلت: قد أخرجه ابن أبي داود من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب نحوه وفيه: <فلما كان مروان أمير المدينة أرسل إلى حفصة يسألها الصحف فمنعته إياها، قال: فحدثني سالم بن عبدالله، قال: لما توفيت <حفصة> فذكره وقال فيه: <فشققها وحرقها>، ووقعت هذه الزيادة في رواية عمارة بن غزية أيضاً باختصار، لكن أدرجها في حديث زيد بن ثابت وقال فيه: <فغسلها غسلاً>
ويرى الدكتور محمد سليمان النور أنه في حال المصاحف التي تعرضت أوراقها للتلف أو أصبحت بحال لا يقرأ فيها، فإن الحل الأفضل هو غسل الأحبار المكتوب بها القرآن الكريم وإزالتها وفصلها عن الورق، ثم الاستفادة من الورق بعد ذلك بإعادة تصنيعه، ومما يدل على أفضلية ذلك ما يلي:
أولاً: أن الغسل أمر متعارف عليه عند المسلمين في تحفيظ الصبيان القرآن، حيث يكتب في اللوح ويمحى بعد حفظه ويكتب للطالب غيره·
ثانياً: أن غسل الكتابة من الورق وإزالة حبرها تمكن من الاستفادة من الورق بعد غسله بدلاً من إتلافه بالحرق أو الدفن، ولا سيما قد وجد في هذا الوقت مصانع متخصصة في الاستفادة من الورق بعد إزالة ما عليه من كتابة وأحبار· ومن المعلوم أن من مقاصد الشريعة الغراء حفظ الأموال وعدم إهدارها وإضاعتها، فقد روى الإمام البخاري ـ يرحمه الله ـ في صحيحه عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: <إن الله كره لكم ثلاثاً: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال> رواه البخاري·
ثالثاً: إن ما تقوم به المصانع ـ المتخصصة في إعادة تصنيع الورق ـ بعد فصل الكتابة والأحبار عنه ـ من شراء للأوراق التالفة يشجع الناس على حفظ الأوراق التالفة ـ سواء أكانت أوراق المصحف أم غيرها من الأوراق المشتملة على ذكر الله ـ وتجميعها لبيعها للمصانع، ويقلل من إلقاء الناس لها في القمامة مما يساعد على حفظها وعدم امتهانها·
رابعاً: من القواعد الفقهية أنه <لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان>· وفي هذا الزمن فإن غسل ما على الورق من كتابة وأحبار ثم إعادة تصنيعه هو أسلم الوسائل للتخلص من الأوراق التالفة، وذلك لكثرة استعمال الورق في هذا الوقت·
وفيما يتعلق بالأوراق المشتملة على آيات أو أحاديث أو أسماء الله تعالى الحسنى، كالكتب والصحف والمجلات وأوراق إجابات الطلاب، فقد ذهب بعض أهل العلم إلى التخيير بين الغسل والإحراق مثل العز بن عبدالسلام، قال أبويحيى زكريا الأنصاري: وقد قال ابن عبدالسلام: <من وجد ورقة فيها البسملة ونحوها لا يجعلها في شق ولا غيره لأنها قد تسقط فتوطأ، وطريقه أن يغسلها بالماء أو يحرقها بالنار صيانة لاسم الله تعالى عن تعريضه للامتهان>.
وهناك من الفقهاء من قال بجواز محو اسم الله واسم الرسول صلى الله عليه وسلم مثل الحصكفي، فقد قال في <الدر المختار>:
<ولا يجوز لف شيء في كاغد، أي قرطاس، فيه فقه، وفي كتب الطب يجوز، ولو فيه اسم الله أو الرسول صلى الله عليه وسلم، فيجوز محوه ليلف فيه الشيء>·
ويقول الدكتور محمد سليمان النور: يلاحظ أن الأوراق المشتملة على ذكر الله تعالى لا تثبت لها حرمة أوراق المصحف حتى ولو اشتملت هذه الأوراق على آيات من القرآن الكريم، قال ابن قدامة ـ يرحمه الله: <ويجوز للمحدث مس كتب التفسير والفقه وغيرها، والرسائل، وإن كان فيها آيات من القرآن، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر كتاباً فيه آية، ولأنها لا يقع عليها اسم المصحف، ولا تثبت لها حرمته، وقال النووي يرحمه الله: <··· لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى دار الشرك كتاباً فيه شيء من القرآن مع نهيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن المسافرة بالقرآن إلى دار الشرك، فدل على أن الآيات في ضمن كتاب لا يكون لها حكم المصحف>، والله تعالى أعلم·
وإذا كانت الأوراق المشتملة على ذكر الله لا تثبت لها حرمة أوراق المصحف فما جاز فعله في التخلص من أوراق المصحف التالفة يجوز فعله في الأوراق المشتملة على ذكر الله من باب أولى، والذي يترجح في الأوراق المشتملة على ذكر الله تعالى: أن الأفضل غسلها وإزالة ما فيها من كتابة وحبر ثم الاستفادة منها بإعادة تصنيعها، أما الأوراق التي ليست مشتملة على ذكر الله تعالى فتجوز الاستفادة منها سواء أمُحِيَ ما عليها من الكتابة أم لم يُمح، لأن الأصل في الأشياء الإباحة، ولأنه ليس في هذه الأوراق ما يمنع الاستفادة منها، والله أعلم·
الاستفادة من المخلفات والنفايات في التراث الإسلامي :
إن المتصفح لكتب التراث الإسلامي سيجد فيها إشارات كثيرة إلى قيام المسلمين بالاستفادة من المخلفات والنفايات، وهو الأمر الذي لا يجعلنا نتفق مع القائلين: إن إعادة استخدام النفايات وتدويرها هي إحدى ثمرات الوعي البيئي في عصرنا هذا، فهذا الأمر كان شائعاً في الأمم السابقة، ثم جاءت الحضارة الحديثة بترفها وأنماط الاستهلاك الجديدة، فزادت النفايات، وأنف الناس من إعادة استخدامها وبخاصة في البلدان المتقدمة التي أنعم الله عليها بوسائل الرخاء والمتع الدنيوية·
ويحفل كتاب (البخلاء) للجاحظ بقصص كثيرة حول ذلك الموضوع· وأسوق هنا بعض القصص التي لا تخلو من طرافة، وإن كانت في الوقت نفسه تبين مدى حرص الأقدمين على الاستفادة من النفايات بشتى الوسائل· يقول الجاحظ:
1 ـ وحكى أبوإسحاق إبراهيم بن سيار النظام عن جاره المروزي··· قال: ورآني مرة مصصت قصب سكر، فجمعت ما مصصت ماءه لأرمي به· فقال: إن كنت لا تنور لك ولا عيال، فهبه لمن له تنور وعليه عيال· وإياك أن تعوِّد نفسك هذه العادة في أيام خفة ظهرك، فإنك لا تدري ما يأتيك من العيال>(25)·
2 ـ قال أصحابنا من المسجديين: اجتمع ناس في المسجد ممن ينتحل الاقتصاد في النفقة والتنمية للمال، من أصحاب الجمع والمنع· وقد كان هذا المذهب صار عندهم كالنسب الذي يجمع على أصحاب، وكالحلف الذي يجمع على التناصر، وكانوا إذا التقوا في حلقهم تذاكروا هذا الباب، وتطارحوه وتدارسوه· فقال شيخ منهم: ماء بئرنا ـ كما قد علمتم ـ ملح أجاج لا يقربه الحمار، ولا تسيغه الإبل، وتموت عليه النخل، والنهر منا بعيد، وفي تكلف العذب مؤنة· فكنا ننزح منه للحمار، فاعتل عنه <أي أضرب عنه وأحجم>، وانتفض علينا من أجله <أي عصانا وخرج عن طاعتنا>· فصرنا بعد ذلك نسقيه العذب صرفاً· وكنت أنا والنعجة <يريد امرأته< كثيراً ما نغتسل بالعذب، مخافة أن يعتري جلودنا منه مثل ما اعترى جوف الحمار· فكان ذلك الماء العذب الصافي يذهب باطلاً· ثم انفتح لي باب من الإصلاح، فعمدت إلى ذلك المتوضأ، فجعلت في ناحية منه حفرة، وصهرجتها <أي عملتها بالقطران> وملستها، حتى صارت كأنها صخرة منقورة، وصوبت إليها المسيل، فنحن الآن إذا اغتسلنا صار الماء <أي اتجه وذهب>إليها صافياً، لم يخالطه شيء، والحمار أيضاً لا تقزز له منه، وليس علينا حرج في سقيه منه· وما علمنا أن كتاباً حرَّمه ولا سنَّة نهت عنه، فربحنا هذه منذ أيام، وأسقطنا مؤنة عن النفس والمال>.
------------------------------------------
المصدر : مجلة الوعي الاسلامي 441
|
|
|
|
___________________________
|
|
|