ولم ينفِ رئيس جمعية حماية المستهلك وجود «جمود» في العلاقة بين وزارة التجارة وجمعيته، مؤكداً أنهم غير راضين عن مستوى التعاون مع الوزارة، على رغم أن عمل حماية المستهلك أكبر من الوزارة، ويرتبط بجهات أخرى عدة.
إلى الحوار:
> هل انتهيتم من مشكلاتكم مع إدارة مجلس الجمعية السابقة؟
- أغلقنا هذا الملف عبر حل ودي، المجلس السابق قام بأمور عدة، منها تفعيل الحوكمة، والرئيس السابق الدكتور محمد الحمد تم تعويضه عبر رواتبه ومستحقاته، فالدورة مدتها ثلاثة أعوام، وله مستحقات عن 8 أشهر بين رواتب ومكافآت، ولا تسمى تعويضات وإنما مستحقات، ونحن وفرنا على الجمعية، إذ كان يطالب بـ3 ملايين ريال، ووصلنا إلى تسوية لمستحقاته فقط، والمبلغ الإضافي يمثل حقوق المحامي، وعملنا صلحاً يحفظ حقوق الطرفين، بتدخل رجل دفع غالبية المبلغ.
> المبالغ التي تم تعويض الرئيس السابق بها في وقت كنت أنت تترأس الجمعية، ألا يعتبر بمثابة اعتراف بقانونية موقفه؟
- هو كسب القضية، ونحن خسرنا القضية بسبب عيوب في الإجراء الذي اتخذناه، والموضوع أغلقناه نهائياً.
> والأزمة المالية المستمرة في الجمعية، هل وجدتم حلولاً لها؟
- فعلا الأزمة التي نواجهها «مالية»، وما زالت القضية مرفوعة لدى ديوان المظالم ضد الغرف التجارية التي ترفض تنفيذ الأمر السامي بدفع جزء من مداخيلها للجمعية، ونتوقع أن تحدث تسوية لهذا الموضوع.
هناك حقوق مالية للجمعية، وإذا لم نحصل عليها سأترك الجمعية، ولن أترشح لدورات مقبلة، وللأسف الغرف السعودية تتعنت بدفع ما عليها لنا، وهي مبالغ تجاوزت حتى الآن 100 مليون ريال، منذ إنشاء الجمعية وحتى اليوم، ويتعنتون بتنفيذ قرار سيادي مع الأسف.
> قدمت مبادرات عدة، ولكن غالبيتها لم تنفذ بسبب المعوقات المالية، هل لديك مبادرات جديدة؟
- أنا أفكر بتقديم مقترح مبادرة باسم «مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحماية المستهلك»، توازي في أهميتها مبادرات خادم الحرمين الشريفين لتطوير القضاء وتطوير التعليم، ولو أجرينا مسحاً لحقوق المستهلك، فسنجد في الغالب أنه «مغبون» بسبب عقود الإذعان التي يجبر عليها من القطاع الخاص، وحتى من القطاع العام الذي يفرض في بعض الأحيان رسوماً مخالفة، لأنه لا يجوز نظاماً تطبيق الرسوم من دون مرسوم، ولكن كل جهة تضع رسوماً. هي فوضى منظمة.
> لماذا «الغرف التجارية» ترفض، وأنتم بحسب ما نرى تضعون هذا الموضوع شماعة لإخفاقات الجمعية؟
- نحن لا نبرر، ولكن الغرف رفعت للمقام السامي مبررات، ووضعوا بدائل، وبدورنا رفعنا لديوان المظالم، وأعترف أنا ارتكبنا خطأ بلجوئنا لديوان المظالم، وهو قرار سيادي، وكان يجب أن ينفذ، وأن نتجه فوراً للمقام السامي، ولجوؤنا للديوان أعطاهم فرصة أن يستغلوا طوال الوقت. صدقني نحن لا نبرّر، بل وضعنا بنية تحتية قوية ببرامج عدة، والمجلس القادم سيجد أرضية خصبة لتنفيذ أعماله بيسر.
> ولكن لكم مداخيل عبر عن دعم من الدولة، فأين ذهبت هذه المداخيل خلال العامين الماضيين؟
- أسوة بالجمعيات الأخرى، تأتينا إعانة سنوية قد تقدم وقد تتوقف، ولكن الدولة تمنحنا سنوياً 5 ملايين ريال، وهي غير كافية، وحتى نكون موجودين في 13 منطقة، وبعدد جيد من الموظفين، ومدعمين بمحامين، نحتاج إلى مبالغ ضخمة جداً، وللعلم استقبلنا حتى الآن 73 ألف قضية، حللننا 70 في المئة منها بشكل ودي، والبقية حولناها للجهات ذات الاختصاص، ونغطي أكثر من 80 قطاعاً، وكثير من القضايا نتابعها على رغم قلة عدد موظفينا، وقضايا أخرى، فنحن من علّق الجرس في قضية مثل مشروبات الطاقة، حتى تدخلت الجهات المختصة، وأصدرت قوانين منظمة.
> وهل لكم حق باستدعاء جهة معينة والتحقيق معها؟
- نعم لدينا الحق من أجل حلّ ودي.
> وتحت أي بند تستدعون أي جهة؟
- بحسب لوائح الجمعية وأنظمتها، يحق لنا أن نخاطب أية جهة وأن نستدعيها، وبعض القضايا نحيلها للجهات ذات العلاقة، وأقول هنا إن مشكلات المستهلك في المملكة أكبر من قدرة أية وزارة على حلها، وحتى الجمعية يجب أن يكون لها تمثيل في كل جهة ذات علاقة بحسب ما تنص عليه الأدلة الاسترشادية في الأمم المتحدة، وللأسف كل ما نقوم به من جهود يظل تحت إطار وقتي وليس كحلول جذرية، هناك فراغ مؤسسي بغياب النظام الموحد لحماية المستهلك، وضعف تنظيمي وحجم العقوبات لا يوازي المخالفات.
كما أن التجار لدينا - مع الأسف - مفهوم المسؤولية الاجتماعية لديهم مغيّب تماماً، ومساهمتهم «صفر». التجار لدينا يتمتعون بإعفاءات وتسهيلات وقروض طويلة الأجل، ومزايا لا يحصل عليها أي تاجر في العالم، ومع ذلك لنشاهد ماذا يقدم كل تاجر لبلده من جودة منتجات وأسعار منافسة في مقابل ما يفرض عليهم أحياناً من ضرائب تصل إلى 60 في المئة، بينما نحن لا يوجد لدينا ضرائب، ومع ذلك يرفعون الأسعار ولو على حساب الجودة، وعلى سبيل المثال سلعة الرز من أهم السلع في المملكة، وهذا العام حقق إنتاج الرز في العالم رقماً قياسياً وصل إلى 493 مليون طن، وحجم الاحتياط العالمي 183 مليون طن، وسعر الرز في الدول المجاورة أرخص من عندنا، فلماذا يرتفع سعره لدينا؟
> أنت من يجيب على هذا السؤال يا دكتور؟ ومن يتحمل المسؤولية؟
- المستهلك يتحمل جزءاً من المسؤولية، في العام الماضي صرف على فاتورة شهر رمضان ما يتجاوز الـ 20 بليون ريال، بينما المعدل لبقية الأشهر يبلغ 7 بلايين ريال، على رغم أنه شهر صوم، والمفروض أن يقل فيه الاستهلاك.
ولكن ما يحدث أن المشتريات تتضاعف فيه، وغالبتها لا داعي لها، وتنتهي صلاحيتها ولا تستخدم. لذلك نحن كمستهلكين رفعنا حجم الطلب، وارتاح التاجر الذي يمارس الجشع بدوره، ونؤيد أيضاً المقترح الذي يطالب بتحويل المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق للمؤسسة العامة للأمن الغذائي مع إعادة هيكلتها، وتعطى أدواراً أكبر في الخزن الاستراتيجي لمجموعة من السلع الرئيسة.
> انتظاركم لتدخل من سلطات أعلى في كل قرار مثل اقتراحكم للمبادرة يبيّن أن الجمعية مهمّشة تماماً.. أليس كذلك؟
- لا، ولكن حين نقترح مبادرة باسم خادم الحرمين فلأن ذلك يمنح حماية المستهلك قوة، وهي ستعالج الفراغ التنظيمي، مع إعادة هيكلة في الأجهزة الحكومية، وذلك يعطيها زخماً وأولوية، ومن دون هذه المبادرة لن نوجد حلولاً جذرية، فوزارة التجارة تقوم بجهود جيدة، ولكنها لا تغطي 10 في المئة من حقوق المستهلك، ولأن كثيراً من القضايا مرجعيتها جهات أخرى مثل قضايا المصارف، وهناك شكاوى كثيرة تردنا من عملاء المصارف على سبيل المثال، وأيضاً على شركة «سمة»، إذ تردنا كثير من الشكاوى لعملاء يريدون معرفة أسباب وضعهم ضمن القوائم السوداء، وفي بعض الحالات نجد أن الحق معهم.
> ولكن هل لديكم قدرة على فهم مشكلات العملاء في المعاملات المالية؟
- طرحت فكرة لإنشاء هيئة للحماية المالية، تجبر المصارف وكل الجهات المالية الخاصة على الإفصاح ومراقبة أعمالها للحماية من أي تلاعب، كما حدث في الولايات المتحدة الأميركية، فالجانب المالي لدينا ليس شفافاً، ومقفلٌ تماماً، وحتى الجانب التثقيفي في المجتمع من النواحي المالية ضعيف للغاية، نحن بحاجة إلى قانون موحد لحماية المستهلك، وإنشاء هيئة عامة لحماية المستهلك. في عُمان تم إنشاء هيئة حماية المستهلك بقانون موحد ونيابة عامة، وأثنت الأمم المتحدة على هذه الهيئة، ونحتاج محكمة مستعجلة لحقوق المستهلك.
> طالبت سابقاً بإنشاء الجمعيات التعاونية، وكنت متحمساً لهذا الموضوع بوصفك رئيساً لها، ثم انسحبت.. ما السبب؟
- أنا متخصص في العمل التعاوني، وما زلت أطالب بهيئة مستقلة للتعاونيات وتفعيلها، والاقتصاد التعاوني لدينا لم يعط حقه، على رغم أنه الركيزة الأساسية في حماية المستهلك، وهناك أكثر من بليون مستهلك في العالم أعضاء بجمعيات تعاونية، ولنا بتجربة الكويت خير برهان، إذ يعتبر 70 في المئة من الشعب الكويتي أعضاء في الجمعيات التعاونية، وهناك محافظة على الأسعار، ولو طبّقت في المملكة لانخفضت الأسعار بأكثر من 20 في المئة.
> ولكن ربما يعارض التجار مثل هذه القرارات بحجة عدم قدرتهم على المنافسة مع الجمعيات التعاونية؟
- لا على العكس ليست ضدهم، ولكن المشكلة لدينا «أُميَّة» تعاونية وجهل، ولذلك ربما نجد أيادي خفية تحارب نهوض الاقتصاد التعاوني، وللأسف وجدنا حتى بعض المسؤولين لا يفرقون بين جمعية تعاونية وجمعية خيرية أو مهنية وغيرها، ولذلك فهذا الجهل يطاول كل مؤسسات المجتمع المدني، وحتى من بعض المسؤولين الكبار، والإنسان عدو ما يجهل، ولذلك يرفضونها تماماً، مع أنها الذراع المتخصصة للدولة في كل مجال، وتمنح التصنيف، وهذا سبب المشكلة لدينا.
ولو أن كل تاجر أسهم تحت مظلة العمل التعاوني والجمعيات التعاونية فسيوفر مباشرة 20 في المئة على بضائعه. في الصين والهند، وأمام هذا العدد الهائل من السكان، من يخلق الفرص ويحافظ على الأسعار، ويقود الاقتصاد المحلي وقطاع التجزئة، هي الجمعيات التعاونية.
> سبق وأن أعلنتم قبل عامين عن أكثر من 80 مبادرة وقناة فضائية أطلقتموها ثم أُقفلت.. ما فائدة كل هذه المبادرات بلا تطبيق؟ هل هي ترويج لشخصك؟
- القناة توقفت موقتاً، وكل برامجنا صممناها على أساس أننا سنحصل على 15 مليون ريال سنوياً من الغرف التجارية، ورسمنا كل شيء وفق موازنة معلومة، ولكن لم نحصل على موازنات ماذا نفعل؟ وأيضاً لدينا 34 مركزاً، وكلها تحتاج إلى متطوعين، وكل مركز بحاجة لسكرتارية وفريق تسيير أعمال، وعندما لم نحصل على الدعم قلّصنا كثيراً من مبادراتنا، والقناة نجحنا فيها «موقتاً».
> هذا اعتراف بفشلكم بسبب الضائقة المالية.. ومع ذلك لا يزال حديثك حول مبادرات لانهاية لها!
- المشكلة ليست في المبادرات، وإنما في توقف الدعم، وطبقنا كثيراً من ورش العمل، واتجهنا الآن لوسائل التواصل الاجتماعي لضخ مزيد من التوعية، وأطلقنا تطبيقاً جديداً اسمه «متابعة على 24»، وفيه عدد من الخدمات، ومنها تقديم الشكاوى.
> طبقت وزارة التجارة هذا من قبل، ولديها تطبيقات للرصد والشكوى.. ألا تتعارض مع برنامجكم؟
- لا تعارض.. لأن الوزارة جهة تنفيذية، ولكن نحن جهة راصدة، و«عيون» لوزارة التجارة وغيرها من الجهات، ونرفع لكل جهة.
> وزير التجارة رجل عملي، وله نشاط في حماية المستهلك، ولكن ليس هناك تعاون بينكم.. لماذا؟
- ننظر إلى أن هناك تكاملاً في الأدوار.
> واضح أن هناك خلافاً وربما عدم رضا من الوزارة على الجمعية!
- لا أخفيك أنني مددت يدي لوزارة التجارة، وهناك تعاون في بعض المجالات وتتجاوب، مثل إلغاء الرسوم في المطاعم، نحن من رفعه، وبادرت الوزارة مشكورة بإلغائه، وحصل تعاون متعدد. ولكن لسنا راضين عن مستوى التعاون، وهي تمثل جزءاً بسيطاً فقط من حماية المستهلك، كون الحماية وتفرعاتها أكبر من أية وزارة، ولدينا دراسات متعددة تستطيع جهات عدة الاستفادة منها.
> ربما بحكم أن القائمين على الجمعية من الأكاديميين فدخلوا في الجانب التنظيري والدراسات، وتركوا الجانب العملي التطبيقي. أي «مجرد كلام»؟
- صحيح من جانب واحد، وهو أن هذه المبادرات لم تنفذ، كما كنا نريد وكما أراد المشرِّع، ولكن أعود وأقول طالما لم تتوافر المادة فماذا نفعل؟ لم نرتق لتطلعات ورضا المستهلكين، ونعترف بهذا، ولكن كل ذلك بسبب عدم توافر الموارد المالية، وكانت مكفولة بالنظام، ولكن لم نحصل عليها، و«صدقني» أن هذه البرامج لو طبقت فسيجني ثمارها المستهلك.
> كيف تطبق وأنتم من استغنى عن غالبية موظفيه خلال العام الماضي، وعلى وشك الإفلاس؟
- اضطررنا لذلك هذا صحيح، وأغلقنا بعض الأفرع، فبعضها إذا لم تتوافر لها موازنة لا تقل عن 5 ملايين ريال لتؤدي أعمالها بكفاءة فالأفضل إغلاقها، ولكن الآن لجأنا إلى بدائل مثل استخدام التقنية، ويستطيع الوصول إليها كل مستهلك.