السيطرة على الإعلام
رأينا آنفًا أن الإعلام من العوامل المهمة المؤثِّرة في السلوك، وفي قناعات الطرف المستهدَف، من هنا يصبح الإعلام من أهم الأدوات الميسورة للحرب النفسيَّة؛ حيث الاستخدام المُنظّم لوسائله ومواده للتأثير على الآخرين، فالإعلام هو الذي ينقُل الأخبار وتفاصيل الحروب، بصيغٍ تَزيد المعنويات أو تُضعِفها، وهو الذي يُهوِّل بعض الأمور ويُضخِّمها، ويُقلِّل من شأن أمور أخرى؛ بنيَّة تكوين حالة إحباط مؤلمة، فضلاً عن طريقته في نقل الأفكار والمعلومات، وحاجة الجمهور إليه في المتابعة وإشباع الحاجات، وكذلك قدرته وشموليَّته في التأثير؛ لهذا كله يكون الإعلام من الأدوات الفاعلة جدًّا من بين أدوات الحرب النفسيَّة؛ ولهذا أيضًا كان الهدف الإستراتيجي للغرب هو السيطرةَ على الإعلام، وفعلاً أصبح بيده، يُصرِّفه كيف يشاء، والدليل على ذلك[1]:
أ- غالبية الشركات العملاقة (متعدِّدة الجنسيات) للصحافة والبث التلفازي والأقمار الصناعية الناقلة للبث الفضائي - موجودةٌ في اليد الأمريكية، التي أَنشأت النظام العالمي الجديد.
ب- أساس عمل شبكةِ المعلومات (الإنترنت) أمريكي، ورأس مالها أمريكي، ومراكزها عبر العالم أمريكيَّة، والقدرة على مراقبتها والتحكُّم بها في يد أمريكية، تسعى لتعميم النظام العالمي الجديد.
ج- 80% من الأنباء العالمية التي تتداولها وكالاتُ الأنباء في الدول النامية - مصدرُها الولايات المتحدة الأمريكية القادرة على (الفبركة) والصياغة حسب توجيهاتِ النظام العالمي الجديد.
د- خمس عشرة شركة إعلاميَّة أمريكية غربية تتحكَّم في الوسائل والمواد والمؤسسات والتقنيات الإعلامية، والإعلانية في العالم، وأن 75% من إجمالي الإنتاج العالمي من البرامج التلفزيونية أمريكي، و90% من إجمالي الأخبار المصوَّرة، و82% من إنتاج المعدات الإعلانية والإلكترونية، و90% من المعلومات المخزَّنة في الحاسبات - جهدٌ أمريكي.
هـ- رأس المال البالغ نحو (489) مليار دولار، الذي يتحكَّم في سوق التقنية الإعلامية، غالبيتُه أمريكي، يسعى أصحابه إلى استثمارِه للامتداد إلى السوق العالمي بدفعٍ من النظام العالمي الجديد[2].
لهذه كله نجد أن المهيمن على النظام العالمي الجديد، استبدل في كثير من الأحيان الحربَ النفسيَّة بالحرب التقليدية؛ لأنها أكثر تأثيرًا، وأقل خسارة من الناحيتين المادية والبشرية، ووجد في الإعلام ووسائل الاتصال الحديثة أخطرَ أسلحة الحرب النفسيَّة.
أما مضمون الإعلام المسيطر هذا، فيوضِّحه ناعوم تشومسكي - المفكر الأمريكي - في كتابه "السيطرة على الإعلام"، حيث يُورِد في كتابه الكثيرَ من الأمثلة التي تُبيِّن حجم الأكاذيب والخدع والتضليل الذي يُمارَس على الجمهور، ويَخلُص إلى نتيجة رئيسة، وهي: أن "صورة العالم التي تُقدَّم لعامة الجمهور أبعد ما تكون عن الحقيقة، وحقيقة الأمر عادةً ما يَتمُّ دفنها تحت طبقة وراء طبقة من الأكاذيب"[3].
وهكذا نجد أن زعيمة العالم الغربي تستعمل الإعلام الكاذب المزيف كسلاح من أسلحة الحرب النفسيَّة الموجَّهة للعالم الإسلامي؛ لأن الدولة التي تكذب على جمهورها، ألا تكذب على الشعوب الأخرى التي تسعى للهيمنة عليها ماديًّا وثقافيًّا، وحتى نفسيًّا؟!
الرابط