المراعي بعد المقاطعة ليست المراعي قبل المقاطعة
قامت شركة المراعي وهي من اكبر منتجي الالبان ومنتجات الحليب بالسعودية برفع اسعار بعض منتجاتها خلال الفترة الماضية ، وتفاعل الكثيرين مع عدد من الدعوات لمقاطعة شركة المراعي لرفعها الاسعار ، وتوالت حملات المقاطعة بعدد من المرات تراوحت شدتها ما بين المتوسطة والضعيفة الى القوية .
وخلال الأسبوعين الماضيين تكررت المقاطعة في ردة فعل لرفع شركة المراعي اسعار بعض منتجاتها مما حد بالمستهلكين للالتفاف حول حساب المستهلك في تويتر وبعض المواقع التي ساهمت في الدعوة الى مقاطعة شراء منتجاتها كافة ، وكان التفاعل كبير جدا بواسطة الوسائل الاجتماعية وعلى راسها تويتر ، حيث تم تبادل التجارب والخبرات بين المستهلكين اضافة الى صور المنتجات وهي على الارفف ، ليتوج الامر بقرار من وزير التجارة بعودة الاسعار كما كانت مما حدى بالمستهلكين الى التأكيد على نجاح المقاطعة بعد التصعيد . كانت هذه الوقائع التاريخية لحملة مقاطعة شركة المراعي ، وسوف نستعرض في بقية المقال ماهي النتائج المكتسبة وماذا سيكون المتوقع من اثر هذه المقاطعة .
من الناحية الاستراتيجية وخصوصا ادارة العلامة التجارية فقدت علامة المراعي جزء كبير من قوة علامتها التجارية حيث اصبحت مرادف للغلاء في أذهان المستهلكين ، فالعلامة التجارية تتعدى الصورة الى نقل رسالة كاملة حول منتج او الشركة المقدمة لهذا المنتج .
و من ناحية اخرى ساهمت قرارات المقاطعة المتعددة بربط صورة العلامة الذهنية بقدرة وانتصار المستهلكين الساحق في عودة الاسعار وستظل العلامة قريبة للتنفيس عن أي احتقان يشعر به المستهلك . ومن هنا يظهر استنتاج هام جدا بفقدان العلامة التجارية التوازن الصحيح حيث اصبحت العلامة مرادف لرسائل مشوشة ومتضاربة ومتناقضة حيث التلاشي الحتمي للعلامة التجارية يكاد يكون قريب ومحكوم بأخطاء اخرى قد تقوم بها الشركة .
اضافة الى الاثر الذي سوف يصيب محفظة العلامات التجارية الاخرى للشركة التي سوف ينتقل اثر هذا التشويش لها وان كان بدرجات متفاوتة ولكن يظل الاثر والتأثير واقع فعلي ، فالعلامة التجارية وقوتها ترتبط كليا بالإدراكات والمعتقدات والاتجاهات السلوكية للمستهلكين ونتيجة ربطهم لها بالعلامة التجارية ، لقد كلفت المقاطعة شركة المراعي الكثير مما لا ترغبه أي شركة في العالم وهو التصادم المباشر مع المستهلك فهو في الاخير من يقرر بقاء العلامة او اندثارها .
والجزء الثاني من تحليلنا يتعلق بإدارة المخاطر ومن زاوية محددة سنستعرض مقدار الخطر الذي لحق بالمراعي حيث السمعة لم تعد كما كانت وهذا من اكبر الاخطار التي تلحق بأي شركة . فالشركات تنفق الكثير لإبقاء سمعتها امنة من أي مخاطر وتحاول البعد عن أي تهديد يبدأ من المستهلك ليصل لوسائل الاعلام التقليدية او الاجتماعية وفي قضيتنا تعرضت المراعي لأقوى سيناريو قد يفترضه أي متابع .
فقرار المراعي المضي قدما بتجاهل رغبات المستهلكين والاصرار على سياستها التسعيرية حتى تدخل وزارة التجارة هو اسوء تصرف قد تمارسه أي شركة ، فعوضا عن كسب المستهلك سوف يزيد اصرار المستهلك على التحدي وفق مبدأ تركيع الخصم ، فالمراعي لن تخرج من هذه الازمة سالمة وكانت ادارة المخاطر فيها كذلك لا ترقى الى كونها شركة عملاقة تنفق الكثير للحفاظ على نفسها سالمة من أي مخاطر فعلية او معنوية ، فالعلاج وفق مفاهيم ادارة المخاطر يبدأ قبل حدوث الازمة لا بعدها .
ستكون هذه القصة لشركة المراعي والمقاطعة درس عميق لجميع الشركات فالاستهانة بالخصم الممثل في المستهلك كفيل بإنهاء أي علامة تجارية ، ولا نستبعد ان نرى خلال السنوات القادمة اندثار اسم عشنا معه طويلا حيث المراعي اصبحت ضحية نفسها حيث قتلت السمعة المؤسسية وتحطمت العلامة التجارية ، فهل يعي الاخرون الدرس !!