البناء الـ «تجاري»
م. حمد اللحيدان
لقد أصبحت كلمة ''تجاري'' تعادل بشكل أو بآخر كلمة ''مغشوش''، فالسوق اليوم تعج بالمواد التي يدرك بعض الناس أنها تسبب لهم مشكلات خطيرة حينما يقتنونها، لكن لوجودها يظنون أن جودتها مقبولة، لكن حينما يرغبون في شراء مسكن فإنهم يفضلون بشكل كبير ذلك المسكن الذي بناه صاحبه أكثر من الذي بني بشكل ''تجاري'' لأنهم يعرفون أن المرء شديد الحرص على تجنب المواد التي يسميها الباعة بـ ''التجاري''.
والعجيب أن تسمع تنبيهات الدفاع المدني بعد حريق منزل بالتحذير للمستهلك من اقتناء مواد الكهرباء والتوصيلات ''التجارية''، ويؤكد أنه لا بد أن يحرص المرء على أن يشتري التوصيلة ''الأصلية'' حتى لا يتعرض المسكن للأخطار، دون أن يتساءل عمن سمح لـ ''التجاري'' بأن يباع في الأسواق ليحصد الأرواح؟
إن جودة المنتج ومواصفاته قد تتغير مع الزمن، لذلك فان كفاءة ذلك المنتج تتناقص مع الزمن لتحقيق أداء الوظيفة المصمم من أجلها، لكن لا بد أن يكون المنتج قد عمل كل الاختبارات اللازمة للوصول إلى شهادة أداء لوظيفته المصمم من أجلها وتحت ظروف الاستعمال العادية ولمدة زمنية محددة وبتكاليف مقدرة.
الثقة التي تعطى للمنتج هي نتاج استمرار جودته لفترة زمنية محددة، وهي التي تحددها المواصفات القياسية لكل بلد. لذلك فإن الجودة مطلوبة في كل مادة دون استثناء، وغياب الجودة من أخطر الأشياء، مع إدراكنا أن الجودة لها مستويات، لكن ليس لها فقدان، بمعنى أن نعرف أن من الخطأ أن نسمع عندما نريد أن نشتري مواد بناء يقول لنا البائع: هل تريد أصليا أم تجاريا؟
إن من أخطر الأشياء في هذا ''التجاري'' قطع الغيار للمركبات التي تيسر ومواد الكهرباء وحديد التسليح الذي قد تصدر منه إشعاعات مضرة إلى غير ذلك من مواد يصعب حصرها، لكن درجة خطورتها تتفاوت بفقدان جودتها منها أو ضررها على المستهلك حال تركيبها.
فكيف سمح التجار لأنفسهم بأن يجعلوا من كلمة ''تجاري'' تعني صناعة رديئة فاقدة الجودة لا يمكن للمرء اقتناؤها إلا على سبيل ''الغش''؟
ثم كيف سمحت وزارة التجارة وهيئة المواصفات بأن تكون هذه المواد في أسواقنا وتعرض للمستهلك ويحذر منها الدفاع المدني؟ وأين حماية المستهلك من تلك المواد؟
وحين تذهب إلى سوق مواد البناء تجد أن تلك المواد هي التي أمامك مكتظة وهي التي لها رواج، وذلك لأسعارها الرخيصة، ودون أن ندرك أننا في الحقيقة نمارس هدرا اقتصاديا كبيرا، ذلك أن الأعمال التي تصنع بتلك المواد تعمل مرتين أو أكثر لإصلاح ما فسد من الـ ''تجاري'' الذي استورده ''التجار''!
يقول المثل الياباني: ''اعملها بطريقة صحيحة .. اعملها مرة واحدة''، لكن لسان حال تجار صناعة البناء لدينا يقول: ''اعملها بطريقة - تجارية – اعملها - ألف مرة) كي نكسب من هذا العمل. وعلى سبيل المثال نجد أن أعمال السباكة إذا ما تمت بمواد ''تجارية'' وهي الأعمال التي يختفي معظمها خلف أرضيات وحوائط المبنى، يصبح أثرها بالغ الخطورة في المبنى بعد استخدامه فترة زمنية قصيرة، حتى إنه من الصعب السكن في مسكن يقطر الماء من زوايا أسقفه. ويتضاعف الغش إذا كان هذا المشروع مجمع فلل شيدت بطريقة ''تجارية'' وتباع على أنها ذات مواصفات عالية الجودة أنها (سوبر ديلوكس)، ويأتي المستهلك الذي هو في الغالب الأعم (زوجان حديثان) قد جمعا كد تعبهما ويرغبان في بناء عش الزوجية ليصطادهما فخ الـ ''تجاري''.
http://www.aleqt.com/2012/05/29/article_661602.html