مسألة رسوم الأراضي قائمة إلى أن يزول الضرر
(1 من 2)
م.حسين ابو داود
لقد تابعت مقالات الدكتور عبد الوهاب أبو داهش، حول تفسيره للرسوم وزكاة الأراضي، ولكن مقاله في ''الاقتصادية'' 22/01/2012 ''هل انتهت معركة رسوم الأراضي وبدأ التفكير خارج الصندوق؟'' جعلني أتذكر أنها ''معركة'' ويجب أن يكون هناك خاسر ورابح، ونعلم جميعا أن الخاسر هو المواطن الغلبان. ولقد استشهد الكاتب بتفسير وزير سابق لأمر سام قضى بالموافقة على رأي مجلس هيئة كبار العلماء بعدم جواز فرض رسوم على الأراضي المخدومة بنسبة معينة من قيمتها، لأن الأصل حرمة أموال المسلمين، لقوله ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ ''لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه''، ورأى الكاتب أنه بذلك يُنهي جدلا واسعا.
وهنا يأتي اعتراضي على هذا الاستنتاج المتسرع، فكم من وزير يُغيّر وكم من فتوى تُحدث وكم من قرار يلغى أو يعدل. تفسيرات المديرين تخصهم وموظفيهم، أما الفتاوى فنعلم جميعا أنها تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف، والأدلة كثيرة والفتوى ليست قرآنا منزلا وتغيير الفتوى بتغير الزمان أمر مقرر عند الفقهاء (قضاء سيدنا عمر ـــ رضي الله عنه ـــ في مسألة الحجرية في المواريث): ''تلك على ما قضينا، وهذه على ما نقضي اليوم''. لذلك ينبغي ألا يكون حرج في إعادة النظر في الفتوى بحضور خبراء في الاقتصاد والإسكان والعقار للوصول إلى تصور صحيح للمسألة والنظر إليها من جميع الجوانب ومن ثم الإدلاء بالرأي الشرعي فيها الذي يحقق العدل ويخفف من الاحتقان القائم. إنها ليست معركة كما يتصور أخي الكاتب إلا من وجهة نظر من يحجزون ويحبسون الأراضي عن المصلحة العامة، ومال المُسلم شيء ومال المسلمين شيء آخر.
يقول الكاتب إن أصحاب الأراضي يخرجون الزكاة ولا أعلم من أين أتى بهذا التصور؟! ألا يرى أن هناك تحايلا كبيرا على إخراج الزكاة الشرعية؟ هل يعقل أن يحبس شخص كيلو مترا مربعا أو أكثر لقرن من الزمان ونقول إن نيته البناء عليها؟ على من نضحك؟
ألا يرى أن الاحتيال على الفتوى بعدم عرض الأرض للبيع، حيث تجب الزكاة في العقار عند نية البيع فقط؟
إن تصرف ولي الأمر مرتبط بالمصلحة كتصرف ولي اليتيم في ماله. وقد ظهرت المفسدة في منح الأراضي التي تزيد عن مساحة صغيرة، ونعلم أن الأصل في منح الأراضي هو إحياء الموات، وتكون بعيدة عن العمران.
ذكر ابن نجيم الحنفي في كتابه البحر الرائق: ''واختُلف في كون التحجير يفيد التمليك فمنهم من قال يفيد مُلكا وهو الصحيح''. ولا تؤخذ إلا بعد مضي ثلاث سنوات فإذا لم يعمرها أخذها منه ودفعها إلى غيره''.
وقال ابن قدامة الحنبلي في كتابه المغني
''وينبغي ألا يُقطع الإمام أحدا من الموات إلا ما يمكنه إحياؤه، لأن في إقطاعه أكثر من ذلك تضييقا على الناس في حق مشترك بينهم بما لا فائدة فيه فإن فعل ثم تبين عجزه عن إحيائه استرجعه منه كما استرجع الخليفة عمر ـــ رضي الله عنه ـــ من بلال بن الحارث ما عجز عن عمارته من العقيق الذي أقطعه إياه رسول الله ــــ صلى الله عليه وسلم ـــ. وقد روى الحاكم أن عمر ـــ رضي الله عنه ـــ قال لبلال: إن رسول الله ـــ صلى الله عليه وسلم ــــ لم يقطعك لتحتجزه عن الناس لم يقطعك إلا لتعمل قال: فأقطع عمر بن الخطاب للناس العقيق. وقال ابن عبد البر من فقهاء المالكية: (لا يجوز للإمام إقطاع ما فيه الرغبة والتنافس والغبطة يختص به واحدا وهو يفصل عنه وللناس فيه منافع لحديثه ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ أنه أقطع رجلا ماء ليس بكثير فقيل له يا رسول الله إنما أقطعته الماء العد (أي الكثير) فارتجعه عليه الصلاة والسلام.
إن الدولة حاولت الكثير بمنح بعض المواطنين أراضي للبناء عليها، ولكن للأسف معظمها بعيدة عن البنيان، ودون بنية تحتية وأقرضتهم الأموال حتى أحيانا عفت عن جزء منها ولكن لم تف بالغرض.
وكلما قررت الدولة مشروعا فيه مصلحة عامة مثل القطارات أو غيرها خرج عليها مالكو الأراضي الموات يطالبون بالتعويض من الدولة التي منحتهم هذه الأراضي مجانا حسب الشرع ليحيوها لا ليحبسوها وزادوا من تكلفة المشاريع إن لم يعطلوها، لذلك عليها استقطاع ما تشاء دون تعويض لهم ما لم يشتروها بمالهم ولم يحيوها إن كانت منحت لهم. ونعلم من القواعد الفقهية أنه ''لا ضرر ولا ضرار'' وأن ''الضرر يزال'' وأن ''المصلحة العامة مقدمة على المصلحة الخاصة'' وأن ''درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة''.
يقول ابن القيم ''إنه لولي الأمر أن يكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل''. وماذا يمنع في استرجاع المساحات الشاسعة من هذه الأراضي التي مُنحت لفرد من الناس أو جهة من الجهات، من باب (إحياء الموات) والذي تحول إلى إماتة الأحياء، كما فعل سيدنا عمر ـــ رضي الله عنه ـــ أليس هذا العمل سيكون اتباعا للسلف الصالح؟.
كذلك فإن ترك حرية الإيجار دون تنظيم أدى إلى خلل كبير. ومن
الحلول المقترحة إعادة ملكية الأراضي الموات التي تزيد مساحتها عن خمسة آلاف متر مربع إلى الأمانات. إذا لم يحيها الممنوح خلال ثلاث سنوات من تاريخ صكه، وينبغي اعتماد فتوى وجوب الزكاة على العقار ويتم جبايتها من خلال مصلحة الزكاة والدخل.
ويجب أيضا فرض رسوم لا تقل عن 50 ريالا سنويا لكل متر مربع لكل مالك لأرض زادت مساحتها عن خمسة آلاف متر مربع في النطاق العمراني، ولم تعمر وأقل من ذلك للمساحات خارج المدن، ونحتاج إلى قرار يلزم جميع الوزارات والجهات الحكومية بتقديم خططهم لإعمار المساحات التي خصصت لهم من الدولة أو إظهار حاجتهم لها لأغراضهم وتُرد جميع المساحات الفائضة عن حاجتهم إلى الأمانة المعنية لتوزيعها على المواطنين أو عرضها بالمزاد لإعمارها.
فمثلا يوجد في جدة مساحات شاسعة تملكها جهات حكومية منذ عشرات السنين لا يمكنهم استغلالها كاملة حتى أصبحت هذه المساحات داخل النطاق العمراني،
فالدولة أولى بانتزاع هذه الأراضي التي تفيض عن حاجة الجهات الحكومية وإعادتها إلى الأمانات فورا ويمكنها أن تخصص أراضي جديدة لتلك الجهات الحكومية حسب طلبها وخططها في أراض خارج النطاق العمراني.
إن العدل أساس الحكم ولنا أسوة في السلف الصالح.
http://www.aleqt.com/2012/02/12/article_625728.html