قال لـ"
سبق" إن على وزير التجارة إطلاع ولي الأمر مباشرة على الأوضاع ويطلب الدعم
داغستاني: "قوى احتكارية" تستغل ضعف جهات حماية المستهلك وترفع الأسعار
- من المؤسف فعلاً أن يكون هناك فقر وفقراء في الدولة الأولى لإنتاج البترول في العالم
- الأرباح المعلنة للشركات السعودية لا تستدعي زيادة الأسعار
- المحاباة والمجاملة في توزيع الأراضي رفعت أسعار العقارات
- النسبة الغالبة من المجتمع تعاني أزمة اقتصادية حقيقية
حوار : شقران الرشيدي – سبق – الر ياض: أكد الخبير الاقتصادي د. عبدالعزيز داغستاني أن من واجب الدولة التدخل لتنظيم السوق في حال وجود ممارسات احتكارية تؤثر على آلية العرض والطلب، كما هو حاصل هذه الأيام. وأشار عضو مجلس الشورى الأسبق لـ"سبق"، إلى أن وجود فقراء في المملكة يعد أمراً غير طبيعي وغير مقبول في بلد يعد من أغني بلاد العالم، مطالباً وزارة الشؤون الاجتماعية بدراسة هذه الظاهرة بعيداً عن التنظير والمحاباة. وتطرق داغستاني إلى أهمية ضبط السوق ومراقبة الأسعار، والحرص على استمرار إمدادات السلع؛ حتى لا يختل التوازن بين العرض والطلب ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار. كما تناول الحوار عدداً من المحاور فيما يأتي تفاصيلها:
* من المعروف أن السياسة الاقتصادية للمملكة القائمة على مبدأ الاقتصاد الحر.. لكن في ظل وجود تجاوزات في رفع الأسعار والاحتكار التجاري، كيف يمكن للدولة التدخل لوضع آلية محددة لضبط الأسعار والرقابة عليها؟
مبدأ الاقتصاد الحر يعني الاحتكام إلى آلية السوق وتوازن العرض والطلب. ولكن هذا لا يعني عدم تدخل الدولة لتنظيم السوق عندما يحصل خلل ما في السوق؛ بسبب ممارسات احتكارية أو ظروف طارئة تؤثر على آلية السوق وتوازن العرض والطلب، واستفادة فئة من المجتمع على حساب فئة أو فئات أخرى. وحكومات الدول الغربية تتدخل في أوقات معينة لضبط السوق ومراقبة الأسعار والحرص على استمرار إمدادات السلع؛ حتى لا يختل التوازن بين العرض والطلب ويؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
* في عام 1429هـ تدخلت الدولة لتنظيم بعض الإشكاليات الاقتصادية بصدور قرارات مجلس الوزراء التي تمنع الممارسات الاحتكارية، وإعادة النظر في نظام الوكالات التجارية، وتعزيز المنافسة.. إلخ، إلا أن أغلب هذه القرارات ظلت حبراً على ورق ولم تحقق أهدافها؟
نحن في الغالب لا نعاني من نقص في الأنظمة، أو عدم وجودها. ما نعانيه هو عدم تطبيق هذه الأنظمة وغياب الرقابة الفاعلة عليها. الحقيقة أن القرارات التي أشرت إليها جيدة ولكنها للأسف لم تطبق كما يجب، وبالتالي ما زال المواطنون يعانون من العديد من الممارسات الاقتصادية غير المنضبطة وضعف المنافسة في السوق.
* تتزايد شكاوى المواطنين من ارتفاع أسعار عدد من السلع الغذائية والألبان والأعلاف والشعير والماشية..الخ، بحكم تخصصك وخبرتك لماذا ترتفع الأسعار كما يحدث هذه الأيام؟
قد يمكن تبرير ارتفاع أسعار بعض السلع بارتفاع أسعار مدخلات الإنتاج، ولكن هنا لا يمكن التعميم، ويجب دراسة كل حالة على حده. ولكن في الغالب هناك قوى احتكارية تعمل على زيادة الأسعار، كما حصل في زيادة أسعار الألبان مؤخراً، رغم أن الأرباح المعلنة لهذه الشركات لا تستدعي زيادة الأسعار، فهي أكثر من كافية وفق المعايير الاقتصادية. ومن الأسباب أيضاً ضعف جهات حماية المستهلك، سواءً كجهاز حكومي أو عمل أهلي مؤسسي.
* كان لوزارة التجارة موقف حازم من قضية ارتفاع أسعار الألبان واستطاعت الحد منه.. لكن أين الدور الرقابي لوزارة التجارة للحد من ارتفاع بقية السلع وحماية المستهلك؟
نعم قرار وزارة التجارة والصناعة كان حاسماً وجاء في الوقت المناسب. وفي الغالب تقول الوزارة إن ضعف دورها الرقابي يعود لإمكاناتها المحدودة، وإن تفعيل هذا الدور يتطلب كوادر بشرية إضافية. وطبعاً هذا تبرير غير مقبول، لأن على الوزير أن يطلع ولي الأمر مباشرة بما يعانيه ويطلب الدعم الذي يزعم كل وزير أن نقصه يعود إلى وزارة المالية.
* على الرغم من الدعم الحكومي ترتفع أسعار الخضراوات والدواجن والسكر وغيرها من السلع بنسب متفاوتة في فترات محددة، هل يمكن القول إن هناك اتفاقاً بين التجار على زيادة سعر السلع الاستهلاكية بشكل تدريجي؟
لا يمكن إغفال دور التجار في تكوين قوى احتكارية لرفع الأسعار تدريجياً، وسيظل هذا الوضع كما هو عليه الآن طالما كانت آليات الرقابة محدودة والجهات المعنية تعاني من نقص في كوادرها الرقابية، ناهيك عن شلل الجمعية الوطنية لحماية المستهلك التي تفرغت لمشاكلها الداخلية وتناست دورها الأساسي.
* نلحظ أنه في كل عام تعاني بعض فئات المجتمع السعودي أزمات اقتصادية صعبة خاصة في مواسم الصيف ورمضان وشوال تحديداً؛ ما سببها في رأيك؟
في موسم الصيف ورمضان وشوال، تكون هناك مناسبات دينية واجتماعية تسهم إلى حد كبير في زيادة الميل للاستهلاك. ومع ثبات دخل معظم المواطنين، نجد ما يحصل من أزمات اقتصادية يعاني منها عدد غير قليل من فئات المجتمع، والسبب الخلل بين الإنفاق والإيرادات في تلك الفترة، وسيطرة بعض العادات والتقاليد على سلوكيات المستهلك بصفة عامة. وهذه إشكالية يصعب حلها إلاَّ بالتوعية، والأخذ بالمثل الشعبي الذي يقول «مد رجليك على قدر لحافك». أي أنفق في حدود دخلك حتى لا تتعرض لهذه الأزمات.
* يتردد أن المواطنين السعوديين يتزايدون بشكل كبير في أخذ قروض استهلاكية من البنوك.. على أي شيء يدل ذلك؟
تزايد القروض الاستهلاكية لها دلالات اقتصادية سيئة جداً، وهي أن النسبة الغالبة من المجتمع تعاني من أزمة اقتصادية حقيقية في دخلها الحقيقي، حيث ما زال متوسط دخل المواطن السعودي السنوي منخفضاً عطفاً على الحالة الاجتماعية التي يرغب أن يعيشها أو يتقمصها في كثير من الحالات؛ بسبب الظروف الاجتماعية أو الهالة الإعلامية التي تصور حالة الإنسان السعودي؛ ولهذا فإن معدل الإنفاق يفوق متوسط الدخل، ويلجأ المواطن بالضرورة إلى الاقتراض للاستهلاك وليس للاستثمار. وهذا يشكل عبئاً اقتصادياً على المجتمع برمته، ولا يفيد الاقتصاد، خاصة أننا نستورد كثيراً مما نستهلكه من سلع ومواد.
* إذن ماذا ينقص الاقتصاد السعودي لكي تعيش كافة فئات المجتمع في ازدهار مستمر؟
ينقصنا الشيء الكثير، وأهم ما ينقصنا هو عدالة توزيع الدخل، ويكون ذلك بتوزيع الإنفاق التنموي على مناطق البلاد بشكل عادل. وأذكر هنا ما قاله الملك عبد الله بن عبد العزيز في زيارته الأولى لجازان عند توليه الحكم، من أن الحكومة أهملت المشروعات التنموية في جازان، وهذا ينعكس بالضرورة على حياة الناس وازدهار حياتهم. كذلك نحتاج إلى استراتيچية اقتصادية ترفع من القيمة المضافة للإنسان السعودي من حيث مستوى الإنتاجية وفاعلية عنصر العمل.
* كعضو مجلس سابق.. ما الدور المطلوب من مجلس الشورى لحماية المواطن المستهلك؟
مجلس الشورى له دور كبير إذا استفاد من الصلاحيات الممنوحة له بشكل فاعل. ويمكن للمجلس أن يحدث فرقاً كبيراً في حماية المستهلك إذا تعامل مع هذه المسألة بمسؤولية وبمهنية عالية. ويفترض في المجلس أن يتابع القرارات التي يصدرها ويتأكد من تنفيذها وتفعيلها، خاصة أن هناك وزيراً وعضواً في مجلس الوزراء لشؤون الشورى، ويمكن التنسيق معه لنقل هذه الأمور للوزراء ومتابعتها.
* كل عام تتزايد أعداد الفقراء السعوديين في بلد يعد من أغني بلاد العالم.. كيف نحل مشكلة الفقر في المجتمع السعودي؟
من المؤكد أنه ليست هناك معادلة سحرية لحل مشكلة الفقر والفقراء في البلاد. ولكن من المؤسف فعلاً أن يكون هناك فقر وفقراء في الدولة الأولى لإنتاج البترول في العالم. وهذا يعني أن هناك خللاً حقيقياً في المجتمع، وأن وجود هؤلاء الفقراء أمر غير طبيعي وغير مقبول. ولا شك أن الحكومة تقع عليها المسؤولية في الدرجة الأولى، ولكن هذا لا يعفي المجتمع برمته من المسؤولية. وأعتقد أن وزارة الشؤون الاجتماعية مقصرة تماماً في أعمالها وعليها تقع المسؤولية الأكبر. ويفترض في هذه الوزارة أن تدرس هذه المشكلة وتتعامل معها بشفافية وتقدم لولي الأمر حلولاً عملية بعيدة من التنظير أو المحاباة والمجاملة. في الشأن الوطني لا يجب المحاباة والمجاملة.
* طالب بعض خبراء الاقتصاد بإصدار بطاقة غذائية لدعم الأسر ذات الدخل المحدود.. إلى أي مدى تعد حلاً اقتصادياً لإشكاليات هذه الفئة؟
أخشى أن تكون عملية إدارة إصدار هذه البطاقات مكلفة جداً، وألا تكون إدارتها جيدة، إذ يصعب تحديد معايير توزيعها ومستحقيها في ظل ضعف الإمكانات الحالية المنظمة لهذه الأمور، وخاصة في وزارة الشؤون الاجتماعية. وإذا استطعنا التغلب على هذا الجانب بشكل حقيقي، فقد يكون إصدار هذه البطاقات شيئاً جيداً، خاصة أنه معمول بها في كثير من دول العالم.
* كيف ترى إشكالية إيقاف استقدام الأيدي العاملة من بعض البلدان التي بدأت تضع شروطاً صعبة لتصدير عـمالتها للمملكة؟
من حق أي دولة أن تضع شروط تصدير عمالتها. ومن حقنا التعامل مع هذه الأمور بما نراه في صالح بلادنا.
* لماذا ترتفع أسعار العقار والمنازل والوحدات السكنية بشكل مستمر؟
هناك عدم توازن واضح بين العرض والطلب. بالإضافة إلى نقص المعروض من الأراضي السكنية المخططة والصالحة للسكن؛ والسبب سوء توزيع الأراضي، والمحاباة والمجاملة في توزيع الأراضي الكبيرة على بعض فئات المجتمع، وعدم وجود رؤية إستراتيجية للقطاع، وانشغال وزارة الإسكان في مشروعات الإسكان التي أمر بها الملك عبد الله مؤخراً، ناهيك عن مشكلة التمويل وتأخر صدور نظام الرهن العقاري. كل هذه الأمور تنعكس بالضرورة على مستوى الأسعار.
* ستطبق في محرم من العام القادم مقترحات تعويضات البطالة.. كيف ترى إيجابيات وسلبيات هذا الأمر؟
تعويضات البطالة ضرورية، ولكنها يجب أن تكون متوازنة مع عمل جدي لتوفير فرص وظيفية حقيقية للمواطنين. لا يمكن إغفال وجود البطالة. والبطالة توجد مشاكل اجتماعية وأمنية كثيرة، والعاطلون عن العمل يسهل اختراقهم أخلاقياً وأمنياً. وهذا ما يحصل الآن.
* قرار تأنيث المحال النسائية هل سيمنح الفرص للنساء السعوديات في الحصول على عمل مناسب؟
هذا القرار هو الحد الأدنى الذي يفترض أن يحصل في السوق. لا أدري لماذا لا يتاح للمرأة العمل في كافة المجالات، لست أرى أي منطق في منع أن تكون المرأة في جانب البائع أو المشتري في السوق أو العمل. نحتاج إلى التعامل مع هذه المسألة بمنطق، بعيداً عن المزايدات الدينية والأخلاقية، فكلنا نتبع الدين نفسه. ويفترض أن نتيح فرص العمل الكافية للنساء السعوديات؛ لأن في ذلك صيانة لهن عن الانحراف الذي يمكن أن تصنعه البطالة وقلة الدخل والفراغ.
سبق