احذر التسعير النفسي
د. سعيد بن على العضاضي
تطرقت في مقال الأسبوع الماضي لسيناريو التخفيضات وكيف تستغل الشركات استراتيجيات التسعير في زيادة المبيعات وتعظيم الأرباح، وكيف أن بعضها خرج عن الهدف الأساسي من التخفيضات. فبيّنت المفهوم العلمي للتخفيضات، وأنواعها، وكيف يمكن إدارتها؟ وما هي أهدافها الظاهرة والباطنة؟ ثم قمت بضرب بعض الأمثلة عن الطرق الأخلاقية وغير الأخلاقية التي تنتجها بعض الشركات عند عرضها للتخفيضات.
وذكرت أن التخفيضات إحدى استراتيجيات تعديل الأسعار، وهو ما يطلق عليها استراتيجية الخصم أو بتسعير الخصم، إضافة إلى استراتيجيات أخرى مثل التسعير النفسي، والتسعير المجزأ، والتسعير الترويجي. وقد غطيت استراتيجية تسعير الخصم في مقال الأسبوع الماضي، وهنا أريد أن أعرّج على الاستراتيجية الثانية من استراتيجيات تغيير السعر ألا وهي التسعير النفسي. وقد سبق أن غطيت جزءا من استراتيجية التسعير النفسي في مقال قبل عدة سنوات، إلا أن الأمر يحتاج منا إلى التكرار في بعض الأشياء والتفصيل في بعض البنود، خصوصا ذلك الجزء المظلم الذي لا يراه المستهلك.
يقصد بالتسعير النفسي تغيير الأسعار بطريقة تؤدي إلى إحداث تأثير نفسي على المستهلك فيتغير سلوكه مباشرة. أو بمعنى أدق استغلال النواحي النفسية والاتجاهات الذهنية للعميل من أجل إيهامه بأن السعر أقل مما يجب أو تحفيزه على دفع المزيد. وتأخذ استراتيجية التسعير النفسي عدة أشكال، من أبرزها سياسة الأسعار الجذابة، وسياسة جودة الأسعار، والتشكيك في القوة الشرائية للمستهلك وسنقوم بشرح موجز عن كل سياسة مع ضرب أمثلة.
أول سياسات لاستراتيجية التسعير النفسي هي سياسة الأسعار الجذابة أو ما تسمى أحيانا بسياسة ''الأعداد الكسرية''. ويمكن إيضاح آلياتها بالمثال التالي:
ما الفرق بين 500 ريال و499 ريالا؟ من وجهة النظر المحاسبية الفرق ريال واحد، وليس هناك فرق يذكر من الناحية الاقتصادية؛ لأن منفعة السلعة وفقا لهذين السعرين متساوية تقريبا، أما من الناحية التسويقية فالوضع يختلف؛ لأن مديري التسويق يريدون بفعلتهم هذه أن ينظر العميل إلى مبلغ 499 ريالا على أنه 400 ريال، بينما هو في الحقيقة أقرب إلى 500 ريال. وهذه السياسة تستخدم من قبل عدد كبير من الشركات، إلا أن الدلائل العلمية تبرهن على قلة فاعليتها في زيادة المبيعات وسبب شيوعها يرجع إلى العادات التجارية، والتقليد، والحدس، والاعتقاد بجدواها.
أما
سياسة ''جودة الأسعار'' فتعني ربط السعر المرتفع في أذهان الناس بالجودة، بمعنى أن المستهلك يعتقد أن السعر المرتفع للسلعة يعكس جودتها. وقد نشأ هذا الاعتقاد نتيجة تجارب بعض المستهلكين مع السلع رخيصة الثمن. كما أثبتت الدراسات أن الأسعار العالية ترتبط بالفعل بالجودة العالية، وستظل هذه الفكرة تراوح في أذهان الناس طالما أثبتت السلع الرخيصة ارتباطها بالجودة الرديئة. وقد اتخذتها بعض الشركات أداة أساسية في تسعير منتجاتها بشكل دائم لأسباب عدة، منها: اتساع شريحة المستهلكين الذين يربطون الجودة بالسعر وتجنب الدخول في حرب أسعار مع المنافسين.
السياسة الأخرى التي تستغل العوامل النفسية للمشترين تتمثل في
''التشكيك في قدرة المستهلك الشرائية'' لدفعة على إثبات العكس. وهذه الطريقة تحتاج إلى مهارة عالية من قبل رجال البيع فليس كل البائعين قادرون على توظيفها بشكل جيد وليس كل المشترين يهمهم إثبات قوتهم الشرائية؛ لذا يحتاج من رجل البيع إلى أن يختار فريسته ببراعة.
وتتلخص هذه السياسية في أن يقوم رجل البيع بعرض مجموعة من السلع على المستهلك واحدة تلو الأخرى وعندما يشعر بأن العميل غير مقتنع بالسلع المعروضة يوحي له بأن لديه سلعة أخرى أكثر جودة، إلا أن العائق الوحيد هو سعرها المرتفع،
وكأن لسان الحال يقول ''لقد عرضت أمام ناظريك السلع التي تناسب قدرتك الشرائية، أما الأخرى فسعرها مرتفع يفوق قدراتك''.
وعبارة كهذه تُولد التحدي في عقلية البعض وعليه أن يثبت لرجل البيع عكسها.
فالمستهلك الذي تنطلي عليه الحيلة يطلب من رجل البيع بلهف التعرف على السلعة التي لم يرها. عندما يذهب رجل البيع لإحضار السلعة فإنه يتغيب عن المستهلك برهة كي يوهمه بأهمية السلعة، وقيمتها، وأنها تخضع لمعايير تخزين عالية. وعند عودته يضع رجل البيع السلعة الجديدة بعيدة عن البقية ثم يتفاوض مع المستهلك بطريقة عبثية بعدها يقع في الفخ ويقرر شراء السلعة الأخيرة بالثمن الذي يحدده رجل البيع.
لقد قام رجل البيع بمهمتين أساسيتين لاصطياد العميل. الأولى: ترسيخ أهمية السلعة في ذهنية العميل وتميزها عن الأخريات،
والثانية: التشكيك في قدرته الشرائية والتي حاول العميل دحضها بشراء السلعة، فبعض الناس لا يريدون أن يظهروا بمظهر العاجز ماليا أمام الغير.
وإذا أرد المستهلك أن يخرج من هذا الفخ فما عليه سوى تجاهل السلعة الجديدة والتركيز على السلع الأخرى، وقد يحاول رجل البيع أن يضع سلعته الجديدة بعيدا عن الأخريات ليظهر تميزها؛ لذا على المستهلك أن يحملها ويضعها بين الأخريات. فتصرف كهذا سيرسل رسالة ضمنية لرجل البيع مفادها بأن اللعبة قد تعرت، وأن السلعة التي حاول تمجيدها لا تختلف كثيرا عن البقية. عندما يصل الوضع إلى هذه النقطة الحرجة، فإن رجل البيع سيقبل التفاوض، وقد يدفع المستهلك فيها سعرا يساوي الأخريات أو أنقص منه قليلا، عوضا عن تعمده استغلاله بطريقة غير أخلاقية.
هذه أهم طرق استراتيجية التسعير النفسي، ورغم أن دراسة ردود فعل العملاء لبدائل متعددة من الأسعار تعد مجالا خصبا للبحث العلمي، إلا أن علماء النفس وعلماء التسويق أحجموا عن ذلك لأسباب غير واضحة، فمساهماتهم في هذا المجال محدودة للغاية لا تخرج عن السياسات التسعيرية السابقة الذكر إلا بشيء يسير.
http://www.aleqt.com/2011/06/17/article_549870.html