بصوت القلم
بل يقاضي وزارة الصحة
محمد بن سليمان الأحيدب
أحيانا تشعر أن الفرد حتى لو كان واعيا بحقه وبما يجب فعله يتأثر بذات الخطأ الشائع الذي يشتكي منه، وكأن أخطاء الجهات الحكومية أصبحت معدية.
تمعن في الخبر الهام الذي نشرته «عكاظ» أمس الاثنين بعنوان شاب يعتزم مقاضاة قاتل طفل تبوك: طعنني وعاد وارتكب جريمته البشعة، فهذه الحالة ــ ولا أقول الجريمة لأنها نتاج ترك مريض نفسي خطير يحتك بالناس، هي جريمة في عرف المسؤولية لكنها حالة بالنسبة للمعتدي ــ هذه الحالة تشرح بوضوح ما كنا نحذر منه على مدى سنوات دون أن نسمع لأنه لا حياة لمن ننادي عندما نادينا عبر هذه الصحيفة وعبر برنامج 99 طيب الذكر وعبر قناة الإخبارية وعبر كل وسيلة إعلامية ممكنة بأن المرضى النفسيين المتروكين دون إيواء ولا رعاية يشكلون خطرا على أنفسهم وأهليهم والناس أجمعين، ودأبت على تسمية الصحة النفسية في مقالاتي وحواراتي المتلفزة بـ (نصف الصحة المهمل)، لأن المرض لا يخرج عن نصفين عضوي ونفسي، والأول رعايته متفاوتة وبالبركة، والثاني لا رعاية له مطلقا ومهمل تماما مقارنة بما يجب وفق أضعف المقاييس العالمية.
نعود للشاب محمد العنزي الذي طعن بسكين ذات المريض النفسي قبل قتله للطفل رائد الكعبي بنحو ثمانية أشهر لو تم خلالها التعامل مع المريض النفسي بأضعف المقاييس والمتطلبات العالمية لما قتل رائد، لكن العنزي يدرك أن الخطأ كان من عدم التفاعل مع الإنذار وقيام مستشفى الصحة النفسية (إن صحت التسمية) بإطلاق المريض دون إيواء ودون استقرار لحالته وكأن طعنه للشاب العنزي كان مجرد (مزحة عابرة لكل طبقات الجلد والعضل حتى بلغت العظم)، ومحمد العنزي عندما ظهر ثانية ليرفع قضيته مستشهدا بما آل إليه إهمال المريض النفسي الخطير يدرك أن خصمه ليس هذا المعتل النفسي بل من جعله طليقا دون رعاية ولا علاج ومع ذلك كان يتحدث وحسب العنوان عن مقاضاة قاتل رائد الكعبي، في حين عليه أن يقاضي المستشفى الذي أهمله ونظام الرعاية النفسية القاصر، كان عليه أن يقاضي وزارة الصحة لعلنا نسلم من آلاف المرضى النفسيين الذين لا يجدون الرعاية ونحد من حالات القتل والاعتداءات والانتحار، لكن العنزي رغم وعيه وإدراكه تأثر بمحيطه فنسي خصمه الحقيقي الطليق.
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...0531423374.htm