طمس الأمية !
خلف الحربي
لا أعلم من هو أول شخص ابتكر مصطلح (محو الأمية) للدلالة على تعليم الكبار، ولكنه في كل الأحوال انطلق من فكرة خاطئة؛ لأن المحو يكون لما هو مكتوب، بينما الأمية حالة تخلو من الكتابة، ومحوها يعني إنهاك الممحاة في ورقة بيضاء؛ لذلك يجب تغيير مصطلح تعليم الكبار ليصبح (طمس الأمية)؛ لأننا قوم اعتادوا على طمس الأشياء التي لا يودون رؤيتها.
أشعر بأنني تفلسفت عليكم في قضية لا تستحق الفلسفة.. (معليش) لست الوحيد الذي يتفلسف هذه الأيام، ويكفي أن تتابعوا حماسة الوزارات ــ
وخصوصا ثلاثي المالية والخدمة المدنية والتربية والتعليم ــ لتحويل قرار ترسيم موظفي البنود إلى حزمة كبيرة من الاستثناءات، حتى لم يعد ثمة بند لم يسلم من عبارة (ويستثنى من ذلك..)، وأظن أنه في الحلقة الأخيرة من المسلسل سوف تصدر الوزارات الثلاث بيانا تؤكد فيه أنها لم تجد متعاقدا واحدا تنطبق عليه الشروط المبتكرة لترسيم موظفي البنود (ويستثنى من ذلك الوظائف التي لم يرد ذكرها في الاستثناءات!).
ومن أبرز ضحايا لعبة الاستثناء المزدهرة هذه الأيام معلمات محو الأمية للفترة المسائية، حيث تم استبعادهن بطريقة لا يقبلها عقل، رغم أنهن مواطنات وخريجات حالهن كحال بقية المعلمات اللواتي سيتم ترسيمهن، ولم يخترن الفترة المسائية بمزاجهن، وبعضهن خدم لسنوات طويلة في ظروف مهنية غير عادلة، وقبلن بذلك وتجرعن المرارة لأنهن لا يمكن خيارا آخر.
فمن الذي أمسك بالممحاة ليمحو مستقبل معلمات محو الأمية؟، ما الذي يستفيده من هذا الإجراء، لا شيء.. بالتأكيد لا شيء، فالأمر الملكي واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، ويشمل جميع المتعاقدين، ولكن ماذا نقول سوى (الرازق في السماء والحاسد في الأرض؟)؟!.
إن المنطق والعقل يقولان بأن المواطن المتعاقد الذي يقوم بالعمل ذاته الذي يقوم به مواطن آخر على وظيفة رسمية هو ضحية وضع إداري معين؛ لذلك فإن الوزارات المعنية يجب أن تستغل أقرب فرصة لتصحيح وضعه، وضم سنوات الخدمة التي قضاها قبل الترسيم إلى رصيده التقاعدي، وهذا المبدأ معمول به في العديد من الدول العربية، ولكن عندنا يجب أن يتحمل المتعاقد خطأ قبوله بالحل المؤقت الذي قدمته له جهة العمل الرسمية للاستفادة من خدماته.
وفي قضايا المعلمين والمعلمات تبدو المسألة أكثر تعقيدا؛ لأن المعلم يدخل كلية من أجل توظيفه في قطاع محدد، ولا يجوز تحميله ثمن ضعف التخطيط بين الوزارات، ولكم أن تتخيلوا شابا يدخل الكلية العسكرية، وحين يتخرج لا يجد عملا، أو تعرض عليه وظيفة ضابط على بند الأجور!.
نعود إلى قضية معلمات محو الأمية للفترة المسائية، ونؤكد أن ما تعرضن له هو ظلم مكشوف، وأنه إذا لم تحل قضيتهن هذه الأيام فإن أعمارهن سوف تذهب سدى.. وذنبهن برقبة المسؤول الذي وقع قرار الاستثناء .
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20...0406410334.htm