سؤال «مِنْسدح» أمام أبواب المسؤولين؟
الإثنين, 17 يناير 2011
عبدالسلام اليمني
(1)
< سنوات طويلة مرت والحقائق الواضحة للعيان تُطرح في وسائل الإعلام بشكل شبه يومي، والغريب أنه ليس هناك نفي من المسؤولين المعنيين بل اعتراف بالمشكلة، ولكن يتم طرحها بطريقة ذكية عن طريق مؤتمر أو ندوة تناقش القضية، وتعمم على أكثر من قطر عربي متخلف يعاني منها، ثم تأتي التوصيات مطرزة بالتوقعات الوعودية والأمنيات المستقبلية.
فتحنا منافذ الوطن البرية والبحرية والجوية على مصاريعها لواردات من كل حدب وصوب، يجلبها كل من هب ودب، ونتلقفها في أسواقنا من دون رقيب أو حسيب، فمن أدوات مكتبية ولعب أطفال صُنعت من مواد متحللة ضارة بالصحة حتى عن طريق اللمس، إلى ملابس مسرطنة أُعلن عنها أخيراً، وأغذية محفوظة بمواد مخالفة للاشتراطات الصحية، مروراً بأدوات كهربائية مسببة للالتماسات والحرائق، ورداءة كفاءة مكيفات مستوردة سببت ارتفاعاً ملحوظاً في استهلاك الكهرباء؟!
وبدأت هيئة الغذاء والدواء تميط اللثام عما كان إعلانه من المحظورات، وتكشف للملأ عن مواد غذائية ومواد تجميل وأدوية شعبية، ومياه وغيرها غير صالحة للاستخدام الآدمي وضارة بالصحة، وعلى رغم هذا لا يزال قرار تطوير شهادات المنشأ ومختبرات الفحص والجودة ودعمها بشرياً وتقنياً يزحف خلف سلحفاة!!
والسؤال «المنسدح» أمام أبواب وزارة التجارة والصناعة، ومصلحة الجمارك، وهيئة المواصفات والمقاييس، وهيئة الغذاء والدواء: متى سيأتي اليوم الذي يطمئن فيه من يعيش على أرض هذا الوطن – مثل بقية خلق الله الذين يعيشون على أراضي دول متقدمة – أن ما هو معروض للأكل والشرب واللبس آمن وصالح للاستخدام الآدمي؟ ومتى سنصل إلى دائرة الثقة أن أمامنا وخلفنا رجالاً وإمكانات وأنظمة واشتراطات غير قابلة للضعف أو الاختراق، تحمينا من كل سلعة رديئة؟
(2)
تشهد بلادنا مرحلة مهمة من الحراك والنمو الاقتصادي، وتنفذ في أرجاء الوطن مشاريع صناعية وكهربائية وشبكة قطارات ومطارات، وفرتها الملاءة المالية الضخمة جداً، بسبب عائدات أسعار النفط، التي تزداد يوماً بعد يوم، ولكن لا أعرف لماذا أُصاب بخيبة أمل عند الإعلان عن ترسية هذه المشاريع، لفقدانها لعناصر مهمة وضرورية، تتعلق بنقل وتوطين التقنية، وتدريب وتأهيل شباب الوطن على مراحل تصنيعها وتشغيلها وصيانتها، وأضع تحت هذه الفقرة «مئة خط أحمر» للتنبيه، لأننا نعيش عصر الاقتصاد المعرفي، الذي جعل منه التطور العلمي منجماً يوازي أو يفوق ما تمتلكه دول من موارد طبيعية في الوقود الأحفوري والمعادن الأخرى.
ونفخر بشركتي أرامكو وسابك لخوضهما تجربتين رائدتين في استثمار فرص الربط بين عقود إنشاء المشاريع، والتدريب والتأهيل القَبْلِي، ما وفر لهما أسبقية وتجربة مميزة في توطين عملي للوظائف تستحق أن تُحتذى، ورأينا على سبيل المثال الارتباك الذي أصاب عملية تشغيل «قطار المشاعر»، والاستعانة بكوادر أجنبية لغياب التخطيط والرؤية المفترض مصاحبتهما لفترة التصنيع والإنشاء، لتأهيل كوادر وطنية مؤهلة قادرة على استيعاب تقنية التشغيل والصيانة، ومرحلة بَعْدِية لتوطين الصناعة برمتها.
والسؤال «المنسدح» أمام أبواب المؤسسة العامة لسكة الحديد: هل أخذتم في الحسبان (ومشاريعنا تنشأ في الألفية الثالثة) استثمار الاقتصاد المعرفي في مشاريع السكك الحديد، التي تنفق عليها الدولة بلايين الريالات؟ وهل تعاونتم مع مراكز التدريب والبحوث والتقنية في الجامعات، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، والهيئة العامة للاستثمار؟ أولاً: لتأهيل وتدريب كوادر وطنية تكون جاهزة لتشغيل وصيانة هذه المشاريع، وثانياً: لتحديد الفرص الصناعية المصاحبة لتوطين صناعة وصيانة القطارات، حتى ولو مرت بمراحل متوسطة وطويلة الأمد؟
(3)
الأمانات أو البلديات، سمها ما شئت، ولكن الأدوار تبقى متسقة مع أدوار ومهام ومسؤوليات متعارف عليها عالمياً، علاقة الأمانة أو البلدية مع سكان المدن والقرى علاقة أبدية متأصلة الجذور والذكريات، قد ننسى أسماء كثيرة، لكن أسماء وأعمال رؤساء البلديات تبقى عالقة بالذاكرة والوجدان، إما حسنة ونذكرها بالخير، وإما سلبية تبقى آثارها وتبعاتها تاريخاً نتذكره مع حدوث كل كارثة تحل بمدينة! وفي مدن عالمية كثيرة أفرزت البلديات على مختلف مسمياتها شخصيات قيادية بارزة تألقت في الأداء فحظيت بدعم وثناء اجتماعي أوصلها إلى مراكز وزارية ورئاسية.أصابتني الحيرة وأنا أسترجع ما أتذكره من تاريخ البلديات في المملكة من ندرة ما أفرزته من شخصيات قيادية تركت بصمات خالدة أوصلتها إلى مراكز ومسؤوليات وزارية، بل تصيبنا الدهشة عندما نرى أننا ما زلنا نتعامل مع أمناء أو رؤساء البلديات بأساليب إعفاء مدربي كرة القدم بعد الهزيمة، من دون أن نبحث في عمق التحديات والعوائق التي تواجههم، ولأن المساحة المخصصة للمقال محدودة، سأطرح بإيجاز أهم هذه التحديات التي تواجه أمناء المدن أو رؤساء البلديات، والمتمثل في السلطة المركزية لوزارة الشؤون البلدية والقروية، التي أستطيع أن أطلق عليها سلطة خنق الإبداع وتقييد حرية الحركة، لأنني لم أستطع فهم المرجعية وبيروقراطية إضاعة الوقت والجهد والعودة في كل صغيرة وكبيرة لوزير، أو وكيل وزارة، يفترض أنهم بحثوا وناقشوا كل عام خطط وبرامج وأنشطة كل أمانة أو بلدية، ووفروا لهم الدعم المادي والمساندة المعنوية!
والسؤال «المنسدح» أمام أبواب وزارة الشؤون البلدية والقروية: متى ستُلغى قيود المركزية وتطلق العنان لحرية الحركة للأمانات والبلديات لتنفيذ المشاريع والبرامج والأنشطة، والتشجيع على التألق والابتكار والإبداع.
ويبقى دور الوزارة في التخطيط الاستراتيجي وتوفير أساليب الدعم والمساندة، مع رقابة محفزة وليست لصيقة؟ وهناك سؤال «منسدح» أمام أبواب الأمانات والبلديات: لماذا غاب التفاعل والتواصل بينكم وبين سكان المدن والقرى عن طريق المسوحات الميدانية لقياس مستوى رضا السكان عن الخدمات المقدمة لهم، والتعرف على آرائهم ومقترحاتهم لتلافي السلبيات وتطوير الخدمات؟ أم أن الوزارة ترفض مثل هذه المبادرات؟
http://ksa.daralhayat.com/ksaarticle/224186