كلمة الرياض
خيار الانسحاب كان ضرورياً..
يوسف الكويليت
لبنان دكان لبيع الممنوعات السياسية، فكل شخص على سدة السلطة يتعامل بعقلية التاجر، ومن يدخل دهاليزه ومزالقه يغرق بألف شبر من الماء، فكل شيء في هذا البلد مرهون بصفقات ومزايدات داخلية وخارجية، ومن يقف عليه مثل من يقف على مستعمرة للعقارب السامة..
حاولت المملكة من أزمنة طويلة ربط لبنان بمحيطه العربي على مبدأ الاستقلال بالقرار وعدم التدخل في شؤونه، لكن ما يتم الاتفاق عليه يُنقض تبعاً لمصالح الأشخاص والأحزاب التي تتلاقى وتنفصل وفق الأهواء، ولم تكن الأهداف الوطنية حاضرة في السلوك السياسي، وظل الربط بين لبنان ككيان له أهليته الذاتية وحريته، وبين ما يجري في خفايا السياسيين متناقضات يستحيل ضبطها إلا بتصرف «ميكافيلي» مباشر..
فالصحافة رهن لمن يدفع، والمحطات الفضائية تنطق باسم من يوظفها لغايات وأهداف تستهدفان أغراضاً حزبية وقوى خارجية كناطقة، مؤهلاتها: الدس، والكيد، وهذا المشهد جعل المملكة ترفع يدها عن لبنان؛ لأن إصلاح الفرقاء مستحيل، ومن عاداتنا عدم الاستعجال في اتخاذ المواقف، إلا أن اليأس من الحل كان الضاغط والواقع لتخلينا عن أي مبادرة؛ طالما الأبواب مغلقة..
لسنا طرفاً بقتل الحريري وملابسات ما جرى بعد ذلك، ولسنا حلفاء وأضداداً لفئة على أخرى، حتى أن خادم الحرمين الشريفين الذي رمى ثقله الشخصي في التعاون مع كل الأطراف لإخراج لبنان من صداعه التام، خُلق لديه يقين أن الخروج من مأزقه الوسيلة العملية، طالما كل شخص في السلطة هو رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء والمتصرف الأوحد وصاحب القرار..
فلا شيء يعطي اليقين بأنك تتعامل مع أعضاء دولة مسؤولين عما ينطقون به ويتعاملون به، فصديقك بالأمس، عدوك اليوم، ولبنان لا يصلحه أو يدمره إلا وضعه الغريب عندما «يوجد في كل شيء نقيضه»..
أعطينا وقتنا وأموالنا، وسعينا عربياً وعالمياً في تعديل بوصلة هذا البلد ليتجه إلى إنقاذ نفسه من نفسه، لكننا صدمنا بوقائع يصعب التعامل معها بكفاءة الصادق وصاحب الحس العامر بالثقة، بل لقد تحملنا مسؤوليات ليست من واجبنا، عندما تعرضنا من داخل لبنان، إلى الاتهام والسب والتشكيك بأي مشروع نتقدم به كنتيجة طبيعية لإصلاح خلله، وقد حانت الساعة أن ننسحب ونقفل هذا الملف، لأن لدينا ما هو أهم من ذلك داخلياً وعربياً..
قلنا الكثير، وضحينا وقد خسرنا مضاعفات ما كسبنا معنوياً وسياسياً، وليس لدينا ما نقدمه طالما كل الأبواب مغلقة مع الحلفاء والأصدقاء، ومن يقفون في الصف المضاد لنا. عملياً نشعر أن لبنان أقرب للانزلاق من خلق فرص تعايش، وهي مسؤوليتهم وعليهم تحملها..
لا توجد اعتبارات لغياب سياسي بسبب نقص الكفاءة الشخصية، لأن من يتعاركون على المناصب والمحسوبيات، هم أصحاب التجربة والتعليم العالي، لكن المشكل يتمحور في نقص المواطنة، وهي علّة لا تداوى بالدعوات، وإنما بالانتماء الحقيقي لوطن يستطيع أن يتعايش فيه الجميع..
http://www.alriyadh.com/2011/01/20/article596554.html
http://www.alriyadh.com/net/article/596626