التاجر والمستهلك والحكومة
د. عبدالله بن عبدالمحسن الفرج
رعاية المستهلك شعار يرفعه الجميع. فالقطاع الحكومي يهتم بحماية المستهلك لأنه الجهة المعبرة عن مصالح المجتمع ككل. والقطاع الخاص يهتم بحماية المستهلك لأن الغش التجاري والبضائع المقلدة تلحق به أفدح الخسائر. كما أن رغبة المواطن في الحصول على بضائع لا تقل مواصفاتها عن القيمة التي يدفعها مقابلها أمر جلي و واضح.
ولذلك فإنه من الناحية النظرية تبدو حماية المستهلك كما لو أنها من المسلمات التي لا خلاف عليها. ولكن النظرية تبقى نظرية طالما الأمور في الواقع هي على الخلاف من ذلك. وهذا مرده إلى أن الأطراف المشاركة في هذه العملية، التي نحن بصددها، كل منها ينظر إلى المسألة من زاوية المصالح التي تهمه. وإذا استثنينا القطاع الحكومي، الذي سوف يأتي الحديث عنه فيما بعد، فإن القطاع الخاص والمستهلك كل منهما ينظر للمسألة من جهة مصلحته الخاصة. وخير من عبر عن ذلك هو رئيس مجلس الغرف السعودية عندما تناول العلاقة بين الغرف التجارية وجمعية حماية المستهلك خلال الاجتماع السبعين الذي عقده مجلس إدارة مجلس الغرف السعودية يوم الاثنين الماضي.
حقاً إنه لمن الصعب أن تعتمد جمعية حماية المستهلك في إيراداتها على التجار طالما أن نشاطها موجه لحماية المستهلك من التاجر. فهناك مثل أجنبي يقول: من يدفع النقود هو الذي يحق له أمر عازف الموسيقى. فمن غير المعقول أن تعتمد جمعية حماية المستهلك على الغرف التجارية في الوقت الذي لا تقدم فيه الجمعية لقطاع الأعمال أي خدمة تذكر. فالغرف التجارية، في كل أنحاء العالم، يتم تأسيسها من قبل قطاع الأعمال لتقديم الخدمات التي يحتاجونها للدفاع عن مصالحهم. ولذلك فإن جمعية حماية المستهلك يفترض أن تعتمد في إيراداتها على الجهات التي تقدم خدماتها لهم. أي على المستهلك. وهذا صعب في ظل عدم وعي المستهلك.
ولذا فإن القطاع الحكومي، والحالة تلك، يفترض أن يضطلع بدور رئيسي في هذا المجال- باعتباره الجهة التي تمثل مصالح كافة فئات المجتمع- فبائعو البضائع المقلدة والمغشوشة من أين لهم أن يأتوا ببضائعهم لو أن بوابة مصلحة الجمارك كانت لهم بالمرصاد على الحدود. كذلك أين هم مفتشو وزارة التجارة والصناعة عن الأسواق الممتلئة بالبضائع المغشوشة والمقلدة. أو على الأقل أين هي الوزارة عن الرقابة على أسعار السلع الأصلية ومنع وكلائها من المغالاة في رفع أسعارها كما يشتهون. فهذه الأسعار الاحتكارية المغالى فيها هي التي تخلق البيئة المناسبة لتجارة البضائع المقلدة.
إذاً والحالة تلك فنحن جميعنا في حاجة ماسة لمزيد من فعالية الجهات الحكومية المعنية بحماية المستهلك والتاجر في آن واحد. فنحن المشترون نحتاج إلى تدخل القطاع الحكومي لحمايتنا من جشع التجار والبضائع المقلدة والمغشوشة. و الوكلاء التجاريون لا يستغنون عن الرقابة الحكومية لمنع البضائع المقلدة من دخول البلد حتى لا يتعرضون للخسائر التي تقدر بالملايين. ولكن ذلك قد لا يكفي ما لم يتم سن القوانين التي من شأنها حماية مصالح كل من المستهلكين والمنتجين والوكلاء التجاريين.