هل تجفيف الأسواق لمصلحة المستهلك؟
أحمد العمري
المنافسة التجارية لمصلحة المستهلك تتحقق في عدة حالات, منها إغراق الأسواق ببضائع وسلع تباع في البلد المستهدف بأقل من سعر تكلفة إنتاجها في البلد المصدر لها أو بأقل من سعر البيع, وهذا غاية ما يتمناه المستهلك أن يجد الأسعار في متناول يده, لكن المتضرر هم التجار المنافسون في تسويق السلعة التي حصل بها الإغراق, لذا فهم المحرك الرئيس لقضايا الإغراق التي تتبناها الحكومات وتسعى إلى حماية منتجاتها من الإغراق بفرض رسوم على تلك السلع تمنع من بيعها بسعر يؤدي إلى إغراق منتجات محلية منافسة.
أما الوضع الذي يمارسه المحتكرون في الأسواق المحلية, الذي كان في غاية الوضوح عندما حدث شح في المعروض من الدقيق وتكاتف مصانع الألبان لرفع أسعارها, فإنه ليس في مصلحة المستهلك, حيث يتم التحكم في كمية ما هو معروض للبيع ليكون أقل من المخزون الفعلي لترتفع الأسعار لقلة الكمية عن حجم الطلب ومن ثم يتنافس الزبائن والمستهلكون في السلعة بدفع السعر الجديد الذي تم رفعه بالإخلال بقانون العرض والطلب.
إن امتناع بعض موزعي الحديد عن البيع وتخزين الكميات الموجودة منه صورة من صور الاحتكار الذي حاربته الشريعة الإسلامية, وفي الوقت نفسه سلوك غير أخلاقي وله تأثير بالغ في تحقيق أهداف التنمية الشاملة. ولعل تزايد هذا السلوك مبرر لتقوم السلطة التنظيمية بمواجهته, كما تمت مواجهة ظاهرة التستر التجاري والغش التجاري بأنظمة تتيح للجهات التنفيذية والقضائية تفعيل المحاسبة لمن يتعمد الإخلال بقوى العرض والطلب لتحقيق أرباح غير مشروعة.
لقد ناقش الفقهاء مسألة التسعير للسلع, ومال كثير من الفقهاء إلى عدم تسعير السلع وترك ذلك للعرض والطلب, ومع ذلك فإن تدخل السلطات التنظيمية أو التنفيذية من أجل فرض أسعار ملزمة أو تقريبية جائز من حيث المبدأ, لأن المطلوب تحقيق المصلحة, وإذا لم تتحقق إلا بالتسعير فهو من السياسة الشرعية التي تهدف إلى جلب المصلحة ودرء المفسدة والتوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع, خصوصا أن الفقهاء مجمعون على أن الاحتكار يتعارض مع مبادئ الاقتصاد الإسلامي ويشتد التحريم عندما يكون في سلع ضرورية وفي وقت احتياج الناس إليها وبقصد رفع السعر وبيع السلعة بثمن فاحش.
إن دور القانون هو تنظيم المصالح المتعارضة, فالتاجر يريد أن يرفع الأسعار ليحقق أرباحا عالية والمستهلك يريد أن يحصل على سعر عادل وفق ظروف السوق والأسعار السائدة فيها, ودور المنظم أن يوازن بين تلك المصالح, فالقانون ليس في صف التاجر أو المستهلك, بل هو مع العدالة في تقرير الحقوق وممارستها وحمايتها دون تعسف في استخدام الحقوق, والذي يظهر لي أن بعض التجار, وعلى الأخص الذين مارسوا الاحتكار بغرض رفع الأسعار, فهموا تحرير التجارة بصورة غير صحيحة, فتحرير التجارة لا يعني الانفلات من تعاليم الدين وقيم المجتمع وتعويض الخسائر الفائتة بتحقيق أرباح غير مشروعة وعلى حساب المستهلكين.
إن عملية رفع الأسعار, التي يستطيع بعض التجار إتمامها بنجاح بسبب ما لديهم من مخزون, مؤشر إلى أن أوضاع السوق لم يعد يكفي لإصلاحها التدخل المؤقت بين الحين والآخر من قبل وزارة التجارة,
إذ قد يكون الحل بدراسة الجوانب التنظيمية الممكن تحقيقها وفرضها بقانون ملزم يقيد نطاق حرية التاجر في اكتناز ما لديه من مخزون وعرضه متى شاء, بل قد يتم اعتبار ذلك من الأفعال الضارة التي تستوجب التعزير.
إن تداول السلع ووصولها إلى المستهلك النهائي لا يقل أهمية عن تداول الأسهم التي حظيت بتنظيم مثالي نظريا ويفتح المجال للادعاء والمطالبة بالتعويض, فضلا عن الحق العام, بسبب تجاوز النظام والتأثير في قانون العرض والطلب أو المعلومات المتاحة لإطلاع العملاء, الذي يحتل التاجر فيه موقعا مؤثرا, ما يبرر المساءلة متى انطوى سلوكه على الإدلاء ببيانات غير صحيحة للمستهلكين أو التأثير في حقهم في الحصول على السلعة بسعر عادل.
http://www.aleqt.com/2010/03/28/article_370353.html