جمعية حماية المستهلك وتنظيم الأعمال المهنية
د. عبد العزيز الغدير
ذهب أحمد لإصلاح سيارته في إحدى الورش في الصناعية فاستقبله جمع غفير من الوافدين العاملين في الورش، كل يدعوه لإصلاح سيارته لديه، استاء أحمد من هذا المظهر غير الحضاري الذي يؤكد أن هذه الورش لا تنعم بزبائن دائمين يثقون بدقة أعمالها وينصحون أقاربهم وأصدقاءهم وزملاءهم بالتوجه إليها عند تعطل سياراتهم وبعد حين استقر رأيه على إحدى هذه الورش، الذي طلب مشرفها قطع غيار من محل مجاور وأصلح سيارته بمبلغ كبير مقارنة بساعة العمل التي أمضاها الميكانيكي في إصلاح السيارة ولكن لا حول ولا قوة إلا بالله من هذه الأسعار التي اتفق عليها جميع العاملين بالورش بطريقة أو بأخرى في غياب الجهات الحكومية المعنية.
بعد أقل من ثلاثة أيام عادت المشكلة من جديد ونقل عبد الله سيارته على «سطحة» إلى الورشة حيث قابله العاملون بها مقابلة سيئة لعلمهم أنه يريد إصلاح سيارته ومحاسبتهم وبعد مشادات كلامية تم فحص سيارته وقيل له إن قطعة الإصلاح غير أصلية (المحل يبيع قطعا مقلدة لا تصمد سوى أيام قليلة !!) وإن الورشة لا تتحمل هذه المشكلة ما دعاه إلى أن يذهب لمحل قطع الغيار الذي قال له إنه لا يضمن قطع الغيار، وإن المشكلة قد تكون من سوء التركيب وبقي عبد الله في مشادات كلامية كادت أن تصل إلى الأيدي لفقدانه أكثر من 1500 ريال دون فائدة تذكر وعليه أن يذهب للوكالة لشراء القطعة الأصلية ويعود للورشة لتركيبها بالسعر السابق نفسه المبالغ فيه أصلا.
بحث عبد الله عن هاتف لجهة حكومية تحمي المستهلك من هذا الاستغفال واللعب والعبث بماله ووقته ونفسيته ولم يجد، سأل فيما إذا كان هنا مكتب قريب لوزارة التجارة أو جمعية حماية المستهلك ولم يجد وقال له الجميع اذهب إلى الشرطة لعلك تجد من يسمع كلامك ولعلمه أن “الطاسة ضايعة” اضطر لشراء القطعة الأصلية وتركيبها والرجوع إلى منزله وهو حسير لأنه دفع أكثر من 2000 ريال من رزق أبنائه ولم يجد من يأخذ له حقه.
هذه القصة تتكرر مع كل شخص فكثير منا ذهب بساعته الثمينة أو هاتفه الجوال أو جهاز الحاسوب أو الثلاجة أو المكيف بل حتى لعلاجه من مرض ألم به وتم اغتنام جهله بهذه الأجهزة وتركه لها في ورشة الإصلاح فتم تبديل القطع الأصلية بقطع تقليد أو تم اللعب عليه بادعاء أعطال غير حقيقية أو دفع فاتورة فحوص وأدوية لا داعي لها وعندما اكتشف الحقيقة لم يجد من يأخذ له حقه سوى الذهاب لتلك الجهات والتلاسن معهم فإن حصل على شيء وهو نادر الحدوث وإلا عاد خالي الوفاض أو بلع المقلب وسكت كما هو حال الأغلبية، نعم فلا يوجد لدينا نظام لحماية المستهلك المغفل أو الغافل وكلنا ذلك المستهلك لأننا لسنا متخصصين في كل شيء.
لمن يلجا المستهلك لحمايته؟ كيف يحصل على حقه دون ضياع وقته وجهده وهما عنصران حاسمان في متابعة أي مستهلك حقه ؟ لم أجد من يجيبني فكلما سألت أحدا قال لي لا أعلم أو قال أظن أن وزارة التجارة هي المسؤولة عن ذلك أو جمعية حماية المستهلك أو الإمارة أو الشرطة أو البلدية أو وزارة الصحة .. إلخ.
فقدنا الأمل في مراقبي الأجهزة الحكومية لحماية المستهلك قبل أن تقع المشكلة أو بعدها فهي تشتكي ندرة المراقبين وعدم وجود الاعتمادات المالية لتوظيف الأعداد الكافية في مدينة تشتمل على عشرات الآلاف من المحال والورش، كما تشتكي من تسيب الموظفين الذين يخرجون لإنجاز شؤون حياتهم تحت دعوى الزيارات التفتيشية النادرة فما الحل؟!
جمعية حماية المستهلك التي تستهدف حماية المستهلك والعناية بشؤونه ورعاية مصالحه والمحافظة على حقوقه والدفاع عنها وتوعيته وتثقيفه وتبني قضاياه لدى الجهات العامة والخاصة وحمايته من جميع أنواع الغش والتقليد والاحتيال والخداع والتدليس في جميع السلع والخدمات والمبالغة في رفع أسعارهما كما ورد في أهدافها أعتقد أنها عاجزة حاليا عن تحقيق ما أعلنته من رؤى ومهام وأهداف لأسباب كثيرة أهمها ندرة مواردها المالية وكأن هناك نية للحد من قدرتها على تحقيق أهدافها. ندرة المال عذر ولكن يجب تجاوزه بتعزيز العلاقات التعاونية مع الأجهزة الحكومية والخاصة وغير الربحية الأخرى ذات الصلة ومن خلال التفكير الابتكاري للخروج بآليات عمل إبداعية تسهم في حماية المستهلك قبل وقوع المشاكل وذلك من خلال مطالبة الأجهزة الحكومية المنظمة للأعمال التجارية والمراقبة لها (وزارة التجارة، أمانات المدن وبلدياتها، وزارة العمل .. إلخ) بتنظيم الأسواق كافة وحماية المتعاملين فيها وإيجاد آليات فعالة للرصد والضبط والإحالة والمحاكمة، ولها أن تطالب تلك الجهات بأن تفعل كما فعلت هيئة السوق المالية، التي أصدرت اللوائح المنظمة للحصول على التراخيص اللازمة للعمل في سوق الأوراق المالية، التي تتضمن شروطا متعددة تضمن سلامة أنشطة المؤسسات المرخص لها وإلا قامت بإيقافها كما حصل مع من خالف، كما طورت آليات الرصد والضبط ما مكنها من ضبط المخالفات وإحالة المخالفين إلى لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية وإصدار الأحكام بشأنهم وتنفيذ تلك الأحكام وهو ما أدى بالمحصلة إلى تطوير وتنظيم سوق الأوراق المالية وحماية المتعاملين فيها بدرجة كبيرة.
أعتقد أنه حان الوقت لأن تقوم جمعية حماية المستهلك بحث الجهات المنظمة على تنظيم وتطوير سوق الأعمال المهنية (ميكانيكا، سباكة، كهرباء، .. إلخ) كبداية بما يجعلها تقدم خدمات عالية الجودة، معقولة الأسعار مقارنة بالدول الخليجية المجاورة وحماية المستهلك من الدخلاء والمتدربين والهاربين والدجالين والنصابين وما أكثرهم على أن يكون هناك وسيلة سريعة وفاعلة لاستقبال الشكاوى والبت فيها تستطيع معاقبة النصابين برد الحق لأهله وإحالتهم للمحاكم لأخذ الحق العام للدولة لردع الآخرين فكلنا يعلم أن العقوبات رادعة.
http://www.aleqt.com/2009/10/28/article_293974.html