حدَّث سهم بن كنانة قال:
وجد قَس بن ساعدة الإيادي نفسه في جزيرة العرب مرة أخرى, وقاده قدره إلى الشراء في سوق الأسهم السعودية لتنمية دخله المحدود. لكنه اكتوى بنار الأسهم, ولدغته مرارا, فقرر أن يلقي خطبة على الشعب السعودي, مقتبسة من خطبته العصماء الشهيرة التي ألقاها في سوق عكاظ في الجاهلية. رأيته على ظهر راحلته خارج إحدى صالات تداول الأسهم في مدينة الرياض, وقد حمل عصاه بيده, واجتمعت حوله أمة من الناس. قال قس:
أيها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات، ومن مات فات، وكل ما هو آت آت، هلك الناس بين خذ وهات, وسهر على الشات, ليل داج، وكحل وأرواج, ولجين وزجاج, وأسماك تنحر، وبحر أحمر، وثمار ملقاة, وشموس مغطاة,
إن في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، وإن في السوق لخطرا, عاد الغني فقيرا, وأمسى الصعلوك هامورا, خابت الآمال, وذلت الرجال, وانكسرت ذوات الحجال, ألا ترون كيف غارت النجوم, وبلغت الروح الحلقوم, ما لي أرى الناس يخسرون ولا يربحون, ويدخلون السوق ولا يخرجون, أرضوا بالإفلاس فأقاموا, أم تركوا هناك فناموا, أم استمرؤوا الغدر فهاموا؟ يقسم قس بالله قسما لا إثم فيه إن للربح سوقا هي أفضل من سوقكم التي تخوضون فيها وتخبطون خبط عشواء، وإنكم لتحرقون أنفسكم وأموالكم وتوردونها المهالك. ألا ترون إلى سهم من أسهمكم ضل عن الحق, وسقط بسرعة البرق, ثم هو يأبى أن يثوب إلى رشده, ويعود إلى سابق عهده. اشتريته فخسف بي الأرض, وتكالب الناس على العرض, ولما رأيته سائرا إلى حتفه, متدحرجا بخفه وظلفه, كجلمود صخر حطه السيل من عل, ألقيت حبله على غاربه, ورميته في وجه مضاربه, وما ضرني بل سرني, ولقد علمتم أن الدنيا لا تساوي عند قس لحظة طنز, ولا عفطة عنز. لكنه بعد ذلك عاد إلى التعويض, في سوق جسدها مريض, فآليت عليكم ألا تقربوها وفيكم عين تطرف, وقلب يعرف. ثم أنشد قس:
ضربة في الصميمْ
من زجاج الحقيرْ
ياله من لئيمْ
ياله من خطيرْ
بعته كالصريمْ
ثم أمسى يطيرْ
يالقلبي الكليمْ
يالظهري الكسيرْ
هل تضيء النجومْ
هل تهل البدورْ
هل تفيق الحلومْ
بعد ظلم وزورْ
إن ربي العليمْ
وحده والمجيرْ
شرعُه مستقيمْ
فضلُه لا يبورْ
ذو قضاء حكيمْ
عبر كل العصورْ
وبعد أن فرغ قس من خطبته, أقبل عليه الناس يعانقونه ويثنون عليه, وحاول بعضهم دعوته إلى الطعام, مقسما بطلاق حريمه وفراق نديمه أن يقبل, لكنه ركب دابته وانغمس في الزحام ولم يره أحد بعد ذلك