كما وصلني..
الأرزأطعم والحديث عنهأسلم
جميل محمد علي فارسي
معالي وزير التجارةوالصناعة الموقر. بعد السلام أطالبك ويطالبك الكثيرون غيري بأن تعمل على تخفيضالأسعار. لا تستجب لي ولا لهم. فحين نطالبك بذلك نحن معذورون، نحن نتألم من المشكلةولكن للأسف لم نحسن تحديدها. فالمشكلة ليست غلاء الأسعار بل هي انخفاض دخول معظمالمواطنين عن هذه الأسعار. تنتابنا الشجاعة عندما نتحدث عن الأسعار ونجبن أمامالحديث عن انخفاض مستويات دخل المواطنين. حقيقة هي منخفضة، ودع عنك أرقام متوسطاتالدخل المعلنة، فالمتوسطات لا تعني أي شيء، فالرقم خمسون هو متوسط 49+50+51 وهو فينفس الوقت متوسط 148+1+1 ولا لزوم لشرح هذه المعادلة، دع المقال يمر. نشكو إليكارتفاع سعر الأرز، والأرز يأخذ أقل من 1% من دخل الموظف البسيط بينما لا نتكلم عنسعر السكن الذي يلتهم نصف الدخل. لأننا إن تكلمنا عن تكاليف السكن وصلنا للحديث عنأسعار الأراضي وإن وصلنا لأسعار الأراضي وصلنا إلى أراض كلها “ألغام”. لذا إن طلبنامنك تخفيض الأسعار نكون كأننا دفنا رأسنا في الرمال حجباً عن المشكلة، جبناً عنالمواجهة، سكوتاً عن المطالبة. نشكو من ارتفاع الأسعار؟ ليتك بعصا سحريه تستطيعتخفيضها، لكن هب أن موظفاً في بيته ثلاثة أبناء في سن العمللم يجدوا أي عمل وبنتانتنتظران التعيين فلو استطعت بتلك العصا السحرية جعل كيس الأرز بخمسة ريالات فقط هلحُلَّت مشكلة هذا المواطن؟ لذا أقول لك لا تستجب لطلبي بخفض الأسعار حتى إناستطعت . . لابد أن نواجه سبب المشكلة بدلاً من أن نعالج بالمسكنات آلامها. نسأل هلتنخفض الأسعار بقرار؟ الإجابة نعم في حالتين: أولاً قد تخفضها بالتسعيرة الإجبارية، عندها سترتفع الأسعار في السوق السوداء ثم تختفي تماماً السلعة المسعرة. ثانياً: قد تنخفض بدعم حكومي ولكننا أساتذة في فن استخدام الدعم. ولدعم الشعير أساطير ما هيعنا ببعيد. وهل نسينا دعم زراعة القمح لعقدين من الزمان؟ دفعنا تسعة الآف مليونريال سنوياً ولمدة عشرين عاماً للقمح. كيف وزعنا تلك المليارات من الدعم؟ ثم فوقذلك نفاجأ بأزمة خبز؟ أزمة؟؟ والله نحن الأزمة!؟ طالما ارتضينا بالنظامالاقتصادي الرأسمالي علينا أن نقدم له شروطه ليعطينا نجاحاته. هذا النظام لا يعترفإلا بالمساواة التامة والحرية الكاملة لتنقل المعلومات وكسر الاحتكار. وهناك ألفاظلا يعبأ بها ولا ينظر إليها مثل الهبة والمنحة والاستثناء والدعم الخاص ورخصالاستيراد الخاصة. انه نظام شديد الكفاءة ولكنه بلا قلب، فان لم نعطه شروطه يصبحبلا قلب وبلا كفاءة. وهذا أخر ما نحتاجه. لذا فمسؤولية الوزارة هي ضمان عدمالاحتكار والتيقن من وجود العدد الكافي من المستوردين المتنافسين لتوافر السلع فيالأسواق بالسعر التنافسي، وهذا أمر ماثل أمامنا لا ينكر، فقد دخلنا حرب الخليجوخرجنا منها ولم تنعدم ولا سلعة من الأسواق ولم ترتفع الأسعار. ان الشاب الذي لم يجدفرصة عمل لن تحل مشكلته ولا بأي مستوى للأسعار. إذاً الأزمة أزمة دخل، فإن أتينالجانب الدخل أقول: إن الحكومات في النظام الرأسمالي ليست ملزمة بالتوظيف لكنهاملزمة تماماً بخلق فرص العمل بما لديها من سلطة وما تحت يدها من مال عام. إنها منمسؤولياتها الأساسية. فالأجور عادة هي مصدر الدخل، بل في الدول السوية فإن العمل هوالمصدر الوحيد للدخل، وبهذا الدخل تواجه ارتفاعات الأسعار. ولنا في وزارتك بشقهاالصناعي أمل كبير أن استطعت أن تنفذ خطتك التي تقوم على تشجيع للصناعة وللمشروعاتالصغيرة وتهيئة الفرص لها للنمو لخلق آلاف من فرص العمل (هذا إن لم يواجهك القطاعالخاص بأنانية الاستقدام. حيث أن أبى القطاع الخاص إلا أن يربط نموه بالاستقداميكون هذا القطاع الكريم قد جعل خير خططك يخلق فرص عمل لشعوب ما وراء البحار وليبقيشعبنا يشكو من ارتفاع سعر الأرز والشعير). ثم يواجهك تحدٍ آخر فأنت تفكر بأسلوبعلمي رائع وتخطط وتحلم بنقلنا خلال عقدين إلى دولة صناعية تشغّل كل أبنائها. نصدمأحلامك بواقعنا. فمدينة جدة مثلاً رغم أن كل ما حولها صحراء فإنك لن تستطيع أن تمدلها حياً صناعياً واحداً، فكل صحرائها مملوكة. أما إن فكرت في إنشاء مدن صناعيةجديدة فقبل إنشائها ستنشأ صكوك تملكها..... ألم أقل لك نحن الأزمة. لذا دع عنكأحلامك الكبار يا سيدي، ودعنا نفكر في حل لسعر الأرز. فالأرز أطعم والحديث عنهأسلم.