01-01-2008, 12:37 AM
|
#1
|
مقاطع
رقـم العضويــة: 4256
تاريخ التسجيل: Aug 2007
المشـــاركـات: 171
|
هل حان وقت إحياء الجمعيات التعاونية للسلع التموينية؟؟
أتذكر - جلياً - عندما انتقلت من جامعة الملك سعود إلى وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، منذ قرابة ربع قرن، أن من أبرز التجارب الاجتماعية التي لم تلق النجاح المتوقع لها كانت تجربة الجمعيات التعاونية، حيث أصبحت عبئاً على الوزارة، ليس أقلها مشاكل فك الاشتباكات التي كانت تثور بين المساهمين ومجلس الإدارة، أو بين أعضاء المجلس أنفسهم، أو إجراءات تصفية تلك الجمعيات.
أغلب تلك المشاكل كان مردها الفشل الذريع في تحقيق تلك الجمعيات التعاونية لأهدافها الاجتماعية والاقتصادية التي أُنشئت من أجلها.. أي خدمة أعضائها من حيث توفير السلع والخدمات، بأسعار متهاودة، مع ربح معقول، يوزع بين المساهمين المنتسبين للجمعية نهاية كل عام.
لقد سادت نشوة في بداية التسعينيات الهجرية في الوزارة، وحماساً لنشر الفكر التعاوني، عبر إشهار تأسيس جمعيات تعاونية متخصصة - كالزراعية مثلاً، أو جمعيات متعددة الأغراض في بعض المدن الرئيسية في المملكة.
وفعلاً، اندفعت الوزارة في نقل تجربة العمل التعاوني، الذي كان سائداً في مصر والأردن آنذاك، كأبرز أمثلة حية يمكن اقتباسها وإسقاطها على المجتمع السعودي، نظراً لتشابه بعض الظروف الاجتماعية التي قد تساعد على نجاحها، ولكون أن أغلب الخبراء الاجتماعيين في الوزارة كانوا من هاتين الدولتين في تلك الفترة.
ثم أُضيف لهذه التجربة (الملح السعودي)، المتمثل في الدعم والتشجيع لهذه الجمعيات، من جهة الإعانات السنوية المادية، والدعم الفني، والدعم البشري بالخبرات وغير ذلك، عبر (سلة دعم) سميت بلائحة الجمعيات التعاونية، واستصدر الوزير، في ذلك الوقت، قراراً من مجلس الوزراء بلائحة تنظيم عمل هذه الجمعيات، وبالإعانات التي تقدمها الدولة لهذه الجمعيات عبر الوزارة.
وفعلاً، شهدت تلك الفترة نشاطاً متسارعاً للترخيص لهذه الجمعيات في عدد من مناطق المملكة، ولعلنا - نحن سكان الرياض - نتذكر (الجمعية التعاونية المتعددة الأغراض لموظفي الدولة)، والتي نشطت فترة، ثم ما لبثت أن دبّت في أوصالها المشاكل، ليس المقام هنا للتفصيل في ذلك، وأخيراً تم تصفيتها بشكل نهائي.
ما دفعني لإثارة هذا الموضوع - مجدداً - هو أننا، ونحن في هذه الفترة التي نتحدث فيها عن الغلاء، وجشع التجار، والتلاعب في الأسعار، وهامش الربح العالي الذي يتجه إلى جيوب التجار.. فلماذا لا نحيي هذه التجربة التعاونية، خاصة في المواد التموينية والاستهلاكية، كأحد الحلول التي تسهم في استقرار الأسعار، وحصول المواطن على سلع بثمنها الحقيقي، وفوق ذلك ربح سنوي للمساهم في الجمعية التعاونية؟.
ولكي لا نخترع العجلة، فإن تحقيق هذه الفكرة يحتاج إلى أمرين، الأول، أن يعاد بحث أسباب فشل الجمعيات التعاونية - خاصة الاستهلاكية منها في المملكة، والتي تأسست في بداية التسعينيات الهجرية، وصُّفي معظمها، إن لم يكن جُّلها.. ولدى وزارة الشؤون الاجتماعية - كما أعرف عن قرب - (إضبارة) ضخمة عن هذا الموضوع.. ولا يُنبئك مثل خبير.
والأمر الثاني، هو أن نحاول - هذه المرة - النظر - جدياً - في إجلاء معالم تجربة ناجحة ومتطورة، وأثبتت فاعليتها منذ مطلع الستينيات وحتى وقتنا الحاضر، في قدرتها على توفير السلع التموينية للطبقة المتوسطة والدنيا بأسعار مناسبة.. وهنا أشير على - وجه التحديد - إلى تجربة الكويت التعاونية.
مجتمع الكويت نسخة مصغرة للمجتمع السعودي في عدد من الأوجه، خاصة في العادات والتقاليد، والنمط الاستهلاكي للمواطنين، والتركيبة الاجتماعية، ورغد العيش، والمناخ المالي والاستثماري، باعتباره جزءاً من منظومة دول مجلس التعاون.
وفوق هذه وتلك، نجحت في ذلك المجتمع التجربة التعاونية بامتياز، وبإجماع الخبراء، وكذلك السواد الأعظم من الناس، الذين يقصدون (الجمعية) لتوفير لوازمهم الاستهلاكية من المواد التموينية الأساسية من هذه الجمعيات، حيث أصبحت (الجمعية) مفردة أصيلة ومتداولة بين مختلف شرائح المجتمع في توفير (الأرزاق).
ولقد لفت نظري تقرير مقتضب عن جمعيات الكويت الاستهلاكية، نُشر في جريدة "الرياض" في العدد (14426)، حيث أشار التقرير إلى انخفاض أسعار السلع التموينية في الكويت مقارنة بالمملكة، بفضل وجود هذه الجمعيات التعاونية، التي أُنشئت لخدمة المواطنين، وتوفير أصناف وسلع بأسعار مناسبة لهم.
كما أشار التقرير عن وجود لجنة في اتحاد الجمعيات التعاونية تسمى (لجنة الأسعار)، تسيطر على (35.000) سلعة موحدة أسعارها في جميع مناطق الكويت، وأن أغلب السلع التموينية التي يسيطر عليها الاتحاد هي من السلع (الأساسية) التي يحتاجها المواطن، وليس هناك أي جهة تستطيع رفع أسعار هذه الأصناف قبل الرجوع إلى اتحاد الجمعيات التعاونية؛ إذ إن الاتحاد (يقاطع) التجار الذين يسعون لزيارة أسعار سلعهم.
وتقوم تجربة الكويت - وفقاً لهذا التقرير - على فكرة توحيد الأسواق المركزية التابعة للجمعيات تحت مظلة واحدة، في كل منطقة سكنية، وتطورت هذه الجمعيات إلى أن وصلت إلى (15) جمعية تعاونية كأسواق (سوبر ماركت) كبيرة، يتبعها (560) فرعاً في جميع مناطق الكويت السكنية، حيث بلغ حجم التعاملات التجارية لهذه الجمعيات عام (2006م) نحو (530) مليون دينار كويتي، وهذا رقم كبير في دولة صغيرة كالكويت.
أتمنى على من يعنيهم أمر موضوع (المعيشة) للطبقة المتوسطة والدنيا لدينا في المجتمع السعودي أن ينظروا جدياً في تجربة الكويت، وأن يحاولوا (تطويع) التجربة الكويتية الناجحة في مجال الجمعيات التعاونية، التي ثبت نجاحها منذ أكثر من (40) عاماً، في توفير سلع تموينية، وبأسعار حقيقية، ولأغلب شرائح المجتمع حاجة لها
د. يوسف بن أحمد العثيمين
|
|
|
|
___________________________
|
|
|