دور الحكومة والمواطن .. في محاربة الغلاء
د. أمين ساعاتي -
كاتب أقتصادي 05/09/1428هـ
Dr_saaty@yahoo.com
الغلاء وباء ينتشر بين كل طبقات المجتمع ويلحق أضرارًا بالغة بالاقتصاد الوطني، ويتعرض السوق السعودي في هذه الأيام كما تتعرض كل الأسواق في كل دول العالم لوباء الغلاء.
ولقد أصدرت مصلحة الإحصاءات العامة في الأسبوع الماضي تقريرًا أكدت فيه أن معدل التضخم في المملكة بلغ أعلى مستوياته في سبعة أعوام مسجلاً الشهر قبل الماضي 3.83 في المائة. وأكدت مؤسسة النقد العربي السعودي بأنها لا تستطيع أن تمنع معدلات التضخم عن بلوغ 4 في المائة مع نهاية عام 2007. وطبعًا هذه الأخبار تعتبر من الأخبار المقلقة بالنسبة للمجتمع السعودي.
إن ارتفاع المستوى العام للأسعار من الظواهر المرعبة في أي مجتمع وبالذات إذا كانت الأسعار ترتفع في موجات متتالية كما يحدث في هذه الأيام، ولقد تعددت النظريات الاقتصادية الهادفة إلى محاربة هذه الظاهرة حتى لا تعرض الاقتصاد الوطني لأزمات حادة تفت في عضده وتلحق أضراراً بالغة بالشرائح الدنيا في المجتمع.
والسائد أنه إذا ارتفعت الأسعار فليس أمام الناس إلا الاستنجاد بالحكومات ومطالبتها بأن تستخدم كل أسلحتها الضاربة لكبح جماح هذا البعبع الأشر الذي يدمر الاقتصادات الوطنية ويأتي على الأخضر واليابس، ومن ناحيتها، فإن الحكومات الرشيدة تسارع إلى تلبية النجدة وتشرع كل أسلحتها لإيقاف الأسعار عند حدها.
ولا نود هنا أن نستعرض الأسباب الاقتصادية والفنية المؤدية إلى زيادة الأسعار كما أشار إليها معالي الدكتور هاشم يماني وزير التجارة والصناعة في حديثه التلفزيوني.
هذا الكلام حينما يقوله معالي الوزير يبدو بسيطًا لكنه في الواقع هو صعب جداً.
ومع التسليم بأننا نطبق الاقتصاد الحر القائم على مبادئ اقتصاديات السوق.. إلا أن للحكومات – وبالذات في الدول النامية- دورًا مهما وقويًّا تقوم به لوقف ارتفاعات الأسعار حتى لا يقع المستهلك البسيط في سلسلة من الأزمات، بل حتى لا يتعرض الاقتصاد الوطني لأزمة موجعة تطول كل المكتسبات التنموية.
ولعله من المهم أن نفرق بين السياسي والاقتصادي، وطبعًا فإن حديث الوزير إلى الوسيلة الإعلامية هو من قبيل السياسي وليس الاقتصادي، بل إننا نعتبر الحوار التلفزيوني الذي أجري مع معالي الدكتور هاشم يماني هو لقاء سياسي وليس لقاء اقتصاديًّا حتى يقتصر الحديث فيه عن العوامل الاقتصادية فحسب.
بمعنى أن ما يقوله الوزير في وسيلة إعلامية يختلف عما يجب أن يقوله تحت قبة مجلس الشورى، لأن ما يقوله تحت قبة مجلس الشورى هو كلام اقتصادي متخصص، أما ما يقوله في الوسيلة الإعلامية فيجب أن يكون حديثًا سياسيًّا معجونًا بالاقتصاد، وهدفه مناشدة التجار بالالتزام بسياسة خفض الأسعار أو على الأقل عدم استغلال الفرص ورفع الأسعار فوق معدلاتها الطبيعية.
وعلى ذكر مجلس الشورى فإنه من المفيد أن يعرف المجلس الموقر أن الشارع السعودي يرى أن مجلس الشورى لم يتعامل مع زيادة الأسعار بمعيار مصلحة المستهلك، ولذلك يرى المواطن أن مجلس الشورى بعيد عن معاناة الشارع السعودي ويطالبه بموقف إيجابي حيال ارتفاعات الأسعار.
إن اللجنة الاقتصادية بمجلس الشورى تستطيع أن تفعّل دور المجلس وتصمم نموذجًا لخفض الأسعار وتستأنس في ذلك برأي المختصين في وزارة التجارة ووزارة المالية ومؤسسة النقد، ونحسب أن هذه الخطوة إذا لم توقف ارتفاعات الأسعار، فإنها سوف تضبط الأسعار وتقننها، ولاسيما أنه بالإمكان وضع مقترحات لإعادة الإعانة إلى بعض السلع الغذائية والدوائية وخفض بعض الخدمات كالكهرباء والماء والبنزين، وكذلك خفض الكثير من الغرامات الحكومية.
ولعله من المناسب القول إن للحكومة دورًا مؤثرًا في التخفيف من ارتفاعات الأسعار، بل إن بيدها استخدام الكثير من الآليات الناعمة والخشنة لوقف الموجات المتسارعة لارتفاعات الأسعار. ولا نشك جميعاً في أن ارتفاع الأسعار هو من أشد الأضرار التي تصيب الأمة، ولذلك فإن تدخل الحكومة في كبح جماح الأسعار يأتي من منطلق ديني ووطني واقتصادي. ومن أهم وسائل تدخل الحكومة هو مراقبة الأسعار ومناشدة التجار التراحم ومساعدتهم كي يظلوا دائمًا داخل دائرة الرقابة على الأسعار.
إن طائفة من التجار يجدون في الأسباب الخارجية لارتفاعات الأسعار فرصة كي يضاعفوا الأسعار مرتكزين على الأسباب الخارجية، ولذلك فإنني أناشد وزارة التجارة أن تتخذ بعض الإجراءات التي تبطئ وتيرة ارتفاعات الأسعار وأهم هذه الإجراءات هو وضع قائمة بأسعار بعض السلع الغذائية المهمة وتكليف التجار بالالتزام بها وزيادة حملات الرقابة على الأسعار في الأسواق حتى تسترخي الأسعار عند مستوياتها الطبيعية.
كما أنه من المهم أن تعمد كل جهات الاختصاص في جميع المؤسسات الحكومية إلى وضع نموذج اقتصادي مناسب يتم من خلاله لجم جماح الأسعار التي حذرت من ارتفاعاتها مؤسسة النقد العربي السعودي، ويعرف الجميع أننا إذا لم نتخذ أي إجراء وتركنا الأسعار الملتهبة تلسع بسياطها المحموم اقتصادنا الوطني فإننا سوف ندخل في سلسلة من الأزمات الضارة بكل شرائح المجتمع.