إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 22-07-2011, 12:51 PM   #1
سليمان الذويخ
عضو اللجنة الإستشارية لمقاطعة
 
الصورة الرمزية سليمان الذويخ
 
رقـم العضويــة: 16299
تاريخ التسجيل: Nov 2010
المشـــاركـات: 1,177

افتراضي الإسكافي مدرساً

" الإسكافي مدرساً "


أسامة غريب

جريدة الوطن الكويتية،23-11-2010








كنت في زيارة الى لندن ذات يوم عندما انكسر كعب حذائيوانفصل عن بقية الحذاء بينما كنت أسير بالشارع، فأخذني أحد أصدقائي الى دكان صغيريعمل به إسكافي شديد الهمة والنشاط.. تعرفت على الشاب وكان اسمه «باتريك» ووجدتهمغرماً بمصر ويتمنى زيارتها. تبادلت معه الدعابة والنكات حتى خرجت من عنده ونحنتقريباً صديقان.. والحقيقة أن باتريك الإسكافي الانجليزي قد أعاد الكعب الى الحذاءبمهارة يحسد عليها.
تمر السنوات وتجعلني الصدفة ألتقي بالإسكافي العظيم مرةأخرى في مكان لم أتصور أبداً أن ألقاه به. كنت بصحبة صديق في احدى المدارس الأجنبيةبالقاهرة حيث يدرس أبناؤه عندما لمحنا بفناء المدرسة مُدرّساً يقف في ركن يدخنالغليون في لذة واستمتاع. شعرنا باستنكار شديد أن يقوم أحد المدرسين بالتدخين داخلالمدرسة وسط التلاميذ فتوجهنا نحوه ننوي تعنيفه وتوبيخه على سلوكه المعيب. عندمااقتربنا منه اكتشفت لدهشتي الشديدة أن هذا الرجل هو نفسه باتريك الإسكافي اللندنيالذي أصلح حذائي ذات يوم. دنوت منه وسلمت عليه فلم يتذكرني، لكني حدثته عن شعوريبالامتنان نحوه عندما أتقن عمله وأصلح حذائي بمنتهى الاقتدار. تذكرني واحتضنني فيسعادة وضحكنا كثيراً وهو يحكي لي عن أمنيته التي تحققت بزيارة مصر وأيضاً الاستقراروالعمل بها. الجميل أنه لم يتنصل من ماضيه ولم ينكر أنه باتريك الإسكافي العاملبالدكان بشارع «موزلي»، لكنه أكد لي ان المسؤولين بالمدرسة هم الذين التقطوه أثناءقدومه الى مصر للسياحة وألحوا عليه حتى أقنعوه بأن يعمل مُدرّساً بمصر، فلما استنكرالأمر وشرح لهم أنه لم يحصل على قسط كافٍ من التعليم ببلده كما لم يتلق تدريباً علىالتدريس أقنعوه بأن التدريس بالبلاد العربية لا يحتاج الى شيء من هذا! وأنه يكفيهفقط ان لغته الأم هي اللغة الإنجليزية حتى لو كان يعمل بتصليح الأحذية ( يوجد الكثير من الأطباء البيطريين يعالجون البشر في دول الخليج وحراس ملاهي اصبحوا اخصائي عظام عندنا وما خفى كان اعظم ). وزاد باتريكفي شرحه فقال إنه بدأ العملية وهو متوجس وموقن من الفشل، غير أن الإدارة شجعته،بالإضافة الى ان أولياء الأمور أنفسهم قد أبدوا رضا وسعادة بأدائه وصاروا يتوددونإليه حتى صدق هو نفسه أنه مدرس جيد! ولم ينسَ باتريك ان يؤكد ان مثل هذه المدارسبمصر ودول الخليج تمتلئ بزملائه الإسكافية وغيرهم من سائقي التاكسي والبوابين الذيناكتشفوا ان مدارس علية القوم بالعالم العربي تطلب مدرسين من بينهم فتنادوا وجلب كلمنهم أقاربه وأصدقاءه وانتشروا بمدارسنا! كذلك أخبرني باتريك بأنه أحضر زوجته التيعملت معه بعض الوقت بالمدرسة غير أنها راسلت مدارس أخرى ببعض البلاد العربية وحصلتعلى عقد بالعمل بإحدى المدارس الدولية في دولة خليجية بمرتب أسطوري. لم يفتني أنأعلق على تدخينه البايب وسط الأطفال فأجاب في خجل بأنه كان في البداية يمتنع عنالتدخين في المدرسة حتى وجد الناظر يدخن وكذا بقية المدرسين فلم يرَ داعياً لأنيكون الملتزم الوحيد.
لم ينسَ باتريك ان يثني على بلادنا الجميلة الطيبة السخيةالتي تنظر الى كل أوروبي أشقر على أنه خبير دولي لا تجوز مساءلته أو تقييمه... لكنيجوز فقط التودد إليه وطلب رضاه ومحاولة الحصول على شهادة منه بأن هذا البلد جيدويسير على الطريق الصحيح! ويا حبذا لو كتب شهادته هذه في وثيقة حتى يمكن نشرهابالصحف وتعليقها على الجدران! سألته في ذهول: شهادة جدارة يطلبونها من إسكافي بعدأن عملوا منه مُدرّساً لأبنائهم؟.
أجاب: هكذا هي بلادكم يا صديقي!.

___________________________


--

سليمان الذويخ غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:26 AM.