زيادة الرواتب لفقراء الإسراف
مدخل القضية "ينطلق" من "الوقفة والنظر" في إيرادات شركات الاتصالات الثلاث في المملكة. فبنهاية عام 2008 ستبلغ إيرادات تلك الشركات 60 مليار ريال سعودي. وكلنا يعلم أن تلك الشركات تبيعنا سلعة وحيدة وهي "الكلام". لدي قناعة أن الجزء الأكبر من إيراد تلك الشركات هو من "هواة ثرثرة الكلام". المقال ليس له علاقة بتلك الشركات فسياستها التسويقية نجحت في استخراج المبالغ من جيوبنا... ولكن المهم هنا هو من أين أتت تلك المبالغ ومن هي العقلية الاستهلاكية التي فرغت "مدخراتها" لتحط في صناديق تلك الشركات ويحل بديلا عنها الفقر في جيوب هؤلاء. شركات الاتصالات وردت هنا كمثال "فقط" وهي في منظومتنا الاستهلاكية كالجبل الجليدي الذي يظهر لنا رأسه بينما الجزء الأكبر منه مدفون تحت الماء، فالذاكرة ليست مثقوبة لتنسى العقلية الاستهلاكية المبذرة في كل مناحي الحياة "الولائم – الأفراح – السفر – التسوق.. إلخ".
للأسف أن من يراقب تصرفات هؤلاء "الاستهلاكيون" يعلم أنهم شريحة "متفردة" بهذه الميزة بين شعوب العالم.وما يميز تلك الشريحة أن استهلاكها "يتجاوز" دخلها بأرقام كبيرة.. ظاهرة "الاستهلاكيون" ظاهرة معروفة وواسعة الانتشار في مجتمعنا بشهادة الجميع... للأسف أنه ينتج عن تلك الممارسات وجود شريحة كبيرة في المجتمع "فقراء من صنع أيديهم" وهم من نسميهم بـ"فقراء الإسراف"... للأسف مرة أخرى أن الجزء الأكبر من تلك المبالغ التي تنفق بدون وجه حق تأتي من جيوب فئة "محدودة الدخل" أما أصحاب الدخول الجيدة أو رجال الأعمال فإنهم يعلمون جيدا كيف يديرون أموالهم وكيف يصرفونها... قبل كتابة هذا المقال أمضيت ما يقارب خمسة أيام في رحلة عمل مع مجموعة من رجال الأعمال والمسؤولين الذين أجزم أنهم بأمس الحاجة للهاتف الجوال ولكن كانت المفارقة.. بعضهم لم أجده يحمل "جوالا" رغم أهميته له ...وكم كانت حالة نادرة أن أجد أحداً منهم لم يستخدم الهاتف الجوال إلا في نطاق محدود جدا رغم أنهم الشريحة التي نتوقع منها أن تمضي وقتها على الهاتف... وعلى النقيض من ذلك أذهب يوميا إلى مكتبي في الجامعة لأشاهد آلاف الطلاب "محدودي الدخل"والهاتف لا يفارق آذانهم ومعظمهم يحمل في يديه "جوالين" و"أمثال" هؤلاء موجودون بالآلاف في الطرق والمناسبات والمطارات. هذا عدا ما ينفقه هؤلاء من مبالغ إضافية على شراء الأجهزة واستبدالها بشكل مستمر. إضافة إلى معاناة المجتمع مما تسببه لنا تلك الثرثرة من عشرات الآلاف من حوادث السيارات "القاتلة" وتعطيل للمصالح.
اللغة المتشنجة و "حمى الردود" معلومة مقدما لمن يرغب أن يكتب أو يقترب من هذا السلوك الاستهلاكي المحصن. ولكن ليعلم هؤلاء أن من يكتب لهم أو عنهم إنما هي كتابة "المشفق من تصرفاتهم"... العاطلون عن العمل أو أصحاب الدخل المحدود جدا أو من بحاجة إلى تحسين رواتبهم ليسوا معنيين بمثل هذه الكتابات.... فالعقلية الاستهلاكية التي نكتب عنها اليوم هي العقلية التي يقول عنها علماء الاجتماع "هي تلك العقلية التي تقبل على الاستهلاك متجاوزة درجة إشباع الحاجات الطبيعية الضروريّة للعيش إلى إشباع الحاجات الثانوية غير الضرورية" والمبالغ التي تجنيها شركات الاتصالات كمثال على التبذير ما هي إلا سلوك واحد من عشرات بل مئات السلوكيات التي تمارسها شريحة كبيرة في مجتمعنا وتنعكس على أوضاعهم المعيشية.
"أنفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب" مقولة اعتنقوها وصدقوها وطبقوها بطريقة خاطئة جدا... فمرحبا بالإنفاق في المجالات "الخيرية" ومرحبا بالإنفاق "العقلاني" الذي يوازن بين الدخل وبين المصروف... ولكن الغيب الذي يأتي إلى هؤلاء هو "كومة كبيرة" من الديون تثقل كاهلهم وتحولهم من أسر "مستورة الحال" إلى أسر "فقيرة بقوة الإسراف" لأنهم حولوا الكماليات إلى ضروريات ولأنهم اشتروا ما ليسوا بحاجة إليه ولأنهم جعلوا نمطهم الاستهلاكي يفوق بعشرات المرات دخلهم ولأنهم أولا وأخيرا يعشقون الوجاهة الاجتماعية. ومن يرغب في الدليل فليعلم أنه وبلغة الأرقام الرسمية المنشورة فإن تلك الشريحة "مدينه" للبنوك السعودية بما يزيد عن 200 مليار ريال سعودي.
"الاستهلاكيون" المبذرون أو "فقراء الإسراف" لن يضروا أنفسهم فقط ولكنهم وللأسف يتسببون في الإضرار بشريحة أخرى تحاول أن توازن بين دخلها ومصروفها وتعيش مستورة الحال. عندما يتجاوز "الاستهلاكيون" الحدود المعقولة في الصرف فإنهم يساهمون بشكل مباشر في زيادة أسعار السلع لأنه "متفق" عليه اقتصاديا أن السعر له علاقة قوية بالطلب فإذا زاد الطلب على السلعة زاد سعرها. ولأننا بلد مستورد فإن هؤلاء مرة أخرى يساهمون في تبديد الأموال وتحويلها إلى جيوب "أغنياء" و "تجار" دول أخرى فالمبالغ التي يصرفونها على تلك السلع الكمالية تذهب إلى الدول التي نستورد منها. ولو تبرع هؤلاء بعشر ما ينفقونه "إسرافا" لتجمع لدينا مبالغ تكفي لحل الجزء الأكبر من مشكلة البطالة.
الخطة الاقتصادية التي سيدير بها الرئيس الأمريكي الجديد أمريكا معتمدة في الجزء الأكبر منها وقائمة على "الترشيد" في الصرف والعالم اليوم يمر بمنعطف جديد وبدأ يرسم خارطة لنمطه الاستهلاكي،و التطورات و التحولات الاقتصادية التي حدثت في الأشهر الأخيرة والتي صاحبت الأزمة المالية فرصة كبيرة لتلك الشريحة للمراجعة والتصحيح والتغيير، تلك الشريحة مطالبة وبشكل جدي بالتوسط بين يد "مبسوطة كل البسط" ويد "مغلولة إلى عنقها" لمصلحتهم هم أولا وأخيرا. وليعلموا أنه لو تمت زيادة مرتباتهم بشكل شهري فإنه أمام هذا "الطوفان" الاستهلاكي "المبذر" فلن يكون لتلك الزيادة أي أثر بل ستذوب أمام نمط استهلاكي مبذر. وليعلموا مرة ثانية أن الدراسات توضح أنه بإمكان معظم الأسرة السعودية توفير ما بين 30% إلى 40% من دخلها لو عدلت في نمطها الاستهلاكي. وليعلموا للمرة الثالثة أن الأثرياء أو أحيانا مستوري الحال لديهم قاعدة تتمثل في أن يد الثروة اليمنى هي "المهارة"، ويدها اليسرى هي "التوفير".
هنا
اتفق معهم بكل النقاط
اسر تسعى بما تحمله من عقلية الاستهلاكية لافقار نفسها والاضرار بالمجتمع
لكن اختلف معه لرفضه زيادة الرواتب
البعض يستلم رواتب متدنية
والاصح ان نطلق عليها مكافأت
فمهما اقتصد وعدل من سلوكه الاستهلاكي
لن يسد حاجته الاساسية